د/حمزة زوبع

أعتقد أن سلسلة اللقاءات التلفزيونية التى أجراها الدكتور محمد مرسى كشفت النقاب عن شخصية مثقفة ومتحضرة فى نفس الوقت، كما أنها قدمت الدكتور محمد مرسى على غير الصورة النمطية التى حاول البعض تصويره عليها، وهى صورة لا تخلو من مكر وقلة حيلة الطرف أو الأطراف الأخرى التى أرادت ذلك.

فى ظرف زمنى قصير نجح مرسى فى ترسيخ صورته كرئيس مقبل لمصر بثقته فى نفسه وبتواضعه وبطبيعته التى ترفض التكلف والتزيد، بعمقه الفكرى ورصيده العلمى وببساطته الواثقة وقدرته على الإقناع دون ضجيج أو رفع للصوت، بخلقه الرفيع الذى اكتسبه من حياة عامرة بالقرآن والصلاح والنشأة الصالحة.

نجح مرسى فى أن يقترب أكثر من المواطن، وأن يقنع المواطن بأن يقترب هو الآخر من مرسى ليتعرف عليه، لم يفتعل الأحداث، ولم يعتمد على الإعلانات بل كان اعتماده على طبيعيته وعلى مقولة be yourself .

لم يرتد ثوب البطولة الزائفة وأنكر ذاته وأعلى من شأن مؤسسته فبدا كرجل يعرف كيف يعمل ضمن فريق متكامل لمصلحة الوطن، بدا ممتلئا وغنيا وعفيفا وهو يتحدث عن " الستر "، رغم أنه يملك سيارة بالتقسيط وشقة دفع فيها كل مدخراته، لم أشعر وأنا أشاهده على قناة المحور أنه شخص آخر يختلف عما رايته أول مرة على الشاشة من ذى قبل، هو هو الدكتور محمد مرسى، كل ما اختلف عن المرات السابقة قبل ترشحه هو اشفاقه من تحمل المسئولية رغم قدرته وما وهبه الله من مؤهلات لحملها مع حزبه وجماعته الإخوان المسلمين.

كان طبيعيا وهو يتحدث عن فراش القسم الذى عمل معه فى الجامعة وعن الفقراء والبسطاء من بنى وطنى، يتحدث عنهم كأبطال همشتهم الدولة ونسيتهم مؤسسة الرئاسة وعايرتهم الصحافة رغم أنهم أبطال حقيقيون قاوموا الفقر وعلموا أبناءهم وصرفوا عليهم الغالى والنفيس لكى يصبحوا أفضل منهم.

لقد نجح الدكتور مرسى فى قلب الموازين وهو يتقدم واثقا بالله ثم معتمدا على حزبه وجماعته وعلى ضمير شعب مصر وقدرته على التمييز بين الزيف والحقيقة، بين الذهب الذى وإن لم يلمع يبقى ذهبا ثمنه فيه وبين ما يلمع وهو ليس بذهب وإن كاد بريقه أن يأخذ بالأبصار..وهذا ما أكده الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة فى مقال له نشرته صحيفة الشروق المصرية قبل يومين وجاء فيه " قد شاهدت برامج لقنوات تليفزيونية أخرى تدور حول انتخاب الرئيس. ومن أفضلها كان برنامجا مكثفا خضع فيه المرشح الإخوانى محمد مرسى لأسئلة خبراء وسياسيين مستقلين ومحكمين غير منحازين، تناولت مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والعامة. وكشف فيه المرشح عن وجه وشخصية قلما تبدو واضحة للمشاهد فى الحملات الانتخابية، وقد ظلمتها إلى حد كبير المقالات والبورتيريهات الصحفية ، ولكنها على الشاشة بدت متميزة بالرصانة والاعتدال وعلى جانب كبير من العلم و الثقافة ، دون إنكار لميوله الإسلامية وانتماءاته للجماعة الإخوانية".. انتهى الاقتباس.

رغم أن الاعلام ظلمه إلا أنه ظل متمسكا بحقه فى التعبير عن نفسه وبنفس الطريقة لم يهاجم ولم يغمز أو يلمز بل ظل متناغما مع مبادئه وما تربى عليه صغيرا، وحين داعبه عمرو الليثى عما يقال حوله فى وسائل الاتصال الاجتماعية لم يمتعض وجهه ولم تبدو عليه علامات الانسجام بل شاركه الدعابة بابتسامة وتمنى الارتفاع بمستوى الحوار والحملات عموما .!!

هذه الروح المصرية الطبيعية هى ما نريده وما نطلبه وما نتمناه وهو ما عبرت عنه هتافات المؤيدين فى عدة لقاءات عبر محافظات مصر المختلفة " مرسى واحد مننا "، فالرجل الذى شاهدناه والذى عرفناه عن قرب أيضا منسجم ومتصالح مع ذاته ولا يريد لها أن تكون إلا كما هى، وهذا يعنى الكثير بالنسبة لنا نحن المصريين لأننا عانينا من الرؤساء من ذوى الأوجه المتعددة والذى كان بعضهم يرتدى قناع الرئاسة فى المقابلات التلفزيونية ويمارس فينا أبشع التصرفات اللا إنسانية بعيدا عن كاميرات التلفزيون وعن عيون الرقابة الشعبية، التى كانت مخدرة لعقود طويلة.

آن الآوان لكى يكون منصب الرئيس فى متناول كل من لديه قدرة ورغبة وإرادة من أبناء هذا البلد، وآن الآوان لكى يعود لكرسى الرئاسة مكانته الشعبية وأن ينظر الناس بعين الشفقة والخشية على كل من يتولى هذا المنصب وليس بعين الخوف ممن يتولاه.
آخر السطر

البساطة مش نقيض العمق
ولا خفض الصوت معناه قلة الحيلة!