12/09/2009
- د. عزت: استحق بجدارة لقب "شهيد في إجازة"
- د. مرسي: كان قدوةً في دعوته وبيته ووطنه
- محمود حامد: حب الجهاد حتى في المرض
- م/ فتحي شهاب: شاب الدعوة في جسد شيخ
- أحمد حسبو: رجل الحق المخلص لدعوته ودينه
- د. فتحي لاشين: اخترق صفوف الشيوعيين ببراعة
- محمد شاهين: كان طبيب الدعوة وحامل لوائها
كان الطبيب الذي يداوي جراحنا، والشيخ الذي يطهر نفوسنا, والأب الذي يعلمنا, أو هو باختصار روح دعوتنا، هذا ما اتفق عليه رفقاء درب الحاج فرج النجار الذي وافته المنية أمس الأول الأربعاء، وشُيِّع جثمانه بعد ظهر أمس الخميس الموافق العشرين من رمضان 1430هـ العاشر من سبتمبر 2009م، كان رحمه الله صاحب مواقف مشهودة لكل من عايشوه، وتارةً تكون مواقف تربوية، ومرةً تكون دعوية، وثالثة تكون نفسية وأخلاقية، رحمه الله تربَّى في مدرسة الإخوان المسلمين على يد مرشدها ومؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا الذي تعرَّف عليه مبكرًا، وارتبطت عاطفته بالدعوة ومرشدها إلى اليوم، وكان من آخر الإخوان الذين رأوه قبل استشهاده، حُكم عليه بالسجن 25 عامًا أيام عبد الناصر إلا أنَّ السجنَ لم يَطُلْه؛ إذ قرر ألا يسلم نفسه، فعاش هاربًا في رحلةٍ طويلةٍ حوالي 17 عامًا دون أن تستطيع يد الزبانبة الوصول إليه.
د/ محمود عزت :"شهيد في إجازة" -
"كان شهيدًا في إجازة" هذا ما أطلقه الدكتور محمود عزت الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين على الراحل- رحمه الله- أثناء اللقاء به في اليمن نهاية السبعينيات؛ حيث أكرمه الله بالاختفاء خلال حكم عبد الناصر، وظلَّ مطاردًا فترة طويلة، فاتخذها الراحل مني عنوانًا لحياته، وكان يقول في جميع محافل ولقاءات الإخوان "أنا شهيد في إجازة كما وصفني أخي محمود عزت".
كان دائمًا يُذكرنا بالشهادة، ويقول لقد نجاني الله تعالى لتكون حياتي شهادةً، وأعدُّ نفسي فيها لاستقبال شهادة الآخرة.ويشير إلى صفاته- رحمه الله- قائلاً: كان من الأتقياء الأخفياء الذين لا يحبون أن يُذكروا، وتجد أعمالهم وآثارهم بلا مبالغة في كل مكانٍ خارج مصر قبل داخلها.
د/ محمد مرسي سجين من نوع خاص
ويضيف الدكتور محمد مرسي عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين أن الراحل- رحمه الله- كان نموذجًا فريدًا يُحتذى به كرجل دعوة من الطراز الأول، وعندما كانت هناك ضغوط تمارس على أبناء دعوة الإخوان في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كان جنديًّا ملتزمًا بالرغم ما أحاط به وإخوانه من أخطار، فقد وفَّى بالعهد، ولم يفرط ولم يتجاوز، ولم يعرف عنه إلا الوسطية والاعتدال، وكان أخًا كريمًا وزوجًا مثاليًّا وأبًا رحيمًا.ظلَّ حتى آخر لحظة في حياته مستمسكًا بصحيفة الإسلام وثوابت هذه الدعوة لا يحيد عنها ولا يغير في أصولها، بقي على العهد وعلى ما بايع عليه بأن يعمل للإسلام، ونشهد بذلك والله حسيبه أنه عاش على الخير، وإن شاء الله مات على الخير، وإن شاء الله يبعث على الخير.
يضيف د. مرسي لقد رأينا فيه النموذج القدوة ومثال الوفاء والصبر والثبات والاستمرار في التضحية، جنديًّا مطيعًا ومربيًّا رحيمًا، رءوفًا بإخوانه يوجه مَن يعرفه كيف يكون وكيف يربي وكيف يعيش مع مَن حوله، كما حمل لواء الدعوة، وتواصل مع السلف الصالح على طريق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله أن يأجرنا في مصيبتنا، وأن يخلف الدعوة رجالاً أمثاله، وأن يعوضنا خيرًا، رحمه الله رحمةً واسعة.
كما وصفه د. مرسي بأنه "سجين من نوع خاص"؛ حيث لم يستطع النظام الظالم أن يُلقي القبض عليه، لكنه كان مسجونًا في مجال أوسع في الدنيا ينتظر فرج الله تعالى، وكان دائم الجاهزية ومستعدًّا بالأداء المتميز الوسطي المعتدل.فهو أيضًا كان أحد أبناء الجيل الذي تربَّى في مدرسة الرسول- صلى الله عليه وسلم- على يد الإمام الشهيد حسن البنا كان له مواقف مع كل مَن التقى بهم أثَّر فيهم بالقول والعمل.
الحاج محمود حامد : لا يعرف المستحيل
"إنسان لا يعرف المستحيل" هذا هو الحاج فرج النجار- رحمه الله- كما يصفه الحاج محمود حامد أحد الرعيل الأول للإخوان المسلمين ورفيق الحاج فرج النجار رحمه الله في رحلته الدعوية، ويقول: بدأت علاقتي بالحاج فرج سنة 52؛ حيث طلب مني أن أحضر إلى مقر المكتب الإداري بشبين الكوم بعد العشاء بنصف ساعة، وكنت أنا والحاج فؤاد علام ممثلَين لمركز قويسنا، وكان عمري وقتها ثمانية عشر عامًا، والتقينا برئيس المكتب الإداري للمنوفية الأستاذ إبراهيم أبو الغار- رحمه الله- وكان يحضر اللقاء ممثلون لكل مراكز المحافظة، وبعد صلاة العشاء طلب منا المسئولون بالوقوف في صفٍّ واحدٍ قاده أحد الإخوة وخرج بنا إلى الحقول في المناطق المظلمة، ثم انصرف ذلك الأخ وسلمنا إلى أخ آخر ملثم "حازم لا يتحدث سوى كلمة أو كلمتين"، ويُعبِّر بحزمٍ عما يريد تنفيذه، وأحيانًا يلتقط بعض الحجارة أو الحصو ليضرب بها المتأخرين في التنفيذ، وقضينا ليلتنا نزحف على الأرض وسط الحقول، ونحن نرتدي زي الكشافة ونقفز الترع ونجري في المناطق الوعرة حتى اقترب الفجر، ثم اتجهنا بعد ذلك إلى مقر المكتب الإداري، لكن فوجئنا أن الأخ الملثم اختفى، هذا الأخ الذي أجهدنا طوال الليل عرفنا أنه "الحاج فرج النجار".
وحول آخر ذكرياته معه يقول زرته قبل وفاته بحوالي شهر فنظر إليَّ نظرةَ التاريخ التي أعادت إليَّ الذكريات، وهو لا يستطيع الكلام فقلت له مازحًا "سأجهز لك معسكرًا في منطقة مائية فهل تُوافق على الحضور فظهر على وجهه علامات الرضا وأومأ برأسه ورموش عينيه بالموافقة، ثم حدثتُ الأستاذ المرشد على الموبيل، وطلبتُ منه أن يُحدثه بما يتناسب، وعرفته أن الأخ فرج لن يستطيع الرد، وظلَّ فضيلة الأستاذ عاكف بهمته العالية وصوته القيادي يحدث الأخ فرج- رحمه الله- عن ماضينا ومستقبلنا، وهو ينظر إليَّ نظرَ الرضا والإحساس بإخوانه قيادةً وجندًا.ويصفه رحمه الله أنه كان صادق الوعد قوي العزيمة لا يعرف الضعف عنده إمكانات أن يحمل الجميعَ إلى الطريق الصحيح.
موحد المجاهدين - الحاج أحمد حسبو
رجل شعاره "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" عاش لها وبها ولقي الله عليها، هكذا وصفه الحاج أحمد حسبو أحد الرعيل الأول للإخوان المسلمين بأنه كان يُجسِّد بمفرده كتيبةً من الإخوان الصالحين المجاهدين العاملين، ويضيف: لقد ارتبطتُ به منذ عام 1972م عقب خروجنا من المعتقلات، وقام هو وإخوانه على شأن الدعوة فعمل على نشرها وتثبيت أركانها وغرسها في نفوس الشباب ليعيدوا الجماعةَ من جديدٍ بعد أزمتها خلال الحقبة الناصرية، ولم يقتصر دوره فقط على نشر الدعوة في المنوفية فحسب، بل امتدَّ إلى المحافظات المجاورة، ولا أكون مبالغًا إذا قلتُ إنه امتدَّ إلى العالم العربي والإسلامي فكان من مؤسسي الدعوة في السعودية واليمن والإمارات ودول الخليج بل امتدت دعوته إلى أوروبا وأسيا.
ولم يقف عند هذا الحد فقط، بل كان أحد الذين مثَّلوا الإخوان في جهود المصالحة بين فصائل المجاهدين في أفغانستان، ولا نكون مبالغين إذا قلنا إنه أحد الذين أسهموا بقوةٍ في تحقيق النصر على الروس.ويلخص رحلة الحاج فرج النجار التي امتدت 86 عامًا في معنيين "الإخلاص لله والصدق، والجدية في العمل".
شباب الشيخوخة - م. فتحي شهاب الدين
أما تلميذه المهندس فتحي شهاب الدين أحد قيادات الإخوان المسلمين بالمنوفية فقال عنه إنه كان يتمتع بروح الشباب تشعر أنه في سنِّ العشرين رغم أنه اقترب من الـ90، ويضيف شهاب عندما اختاره الإخوان ليكون مرشحهم في انتخابات مجلس الشعب سنة 2000م كان عمره تجاوز الـ70 عامًا، لكن ذلك لم يقعده فقد طاف المنوفية بأكملها في الوقت الذي يعجز كثيرٌ من الشباب القيام بذلك.
وأشار شهاب إلى أن فكره كان فكر الشباب وآراؤه مؤيدة لهم، وكان دائمًا ما يُقدمهم ويتحدى روح التثبيط واليأس ويبث روح المغامرة والإقدام التي تأصلتا في شخصيته.ويشير إلى معالم شخصيته فيقول: لقد جمع- رحمه الله- الصفة ونقيضها في آنٍ واحد، فكان حازمًا وسهلاً، وكان غليظًا ورقيقًا، يتعامل في كل موقفٍ حسب ما يقتضيه.ويضيف شهاب كان لقاؤنا الأول في أحد جنازات الإخوان، وخلال سيري وجدتُ مَن يسير بجانبي ويلتقط يدي ويعتصرها ثم بادرني وقال لي: ما اسمك؟ فعرفته بنفسي فابتسم وقال سيظل هذا الاسم محفورًا في ذاكرتي، وانصرف ولم يذكر شيئًا عنه، فأسرعتُ لإخواني أسأل عنه حتى علمتُ أنه الحاج فرج النجار، لم أكن أعرفه وجهًا لوجه، وكنت أسمع عنه الكثير متمنيًا اللقاء به حتى لقيته في هذا الموقف، وقد كان- يرحمه الله- يتمتع بصلابة وإقدام ليس لهما حد، ويتعامل بحنكةٍ غير معهودة مراعيًا مشاعر الجميع، محافظًا على نفسيات إخوانه وغير إخوانه، كما كان يقف في نصرةِ الحق بجرأة دون حساباتٍ يخشاها وكان رحمه الله متواضعًا للصغير قبل الكبير.
الأخ الشيوعي - د. فتحي لاشين
المستشار الدكتور فتحي لاشين المستشار السابق بوزارة العدل، وأحد قيادات الإخوان استهل حديثه عن الحاج فرج النجار بتقديم عزائه إلى كل الإخوان المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في رجل الدعوة الفذ الأمين على أسرار الدعوة، مؤكدًا أن المجاهد فرج النجار عاش عصاميًّا محافظًا على ثوابت الجماعة، وتميَّزت حياته المجاهدة بالمواقف البطولية غير مقتصرة على تنفيذ أوامر الجماعة؛ حيث كان صانعًا للمواقف بارًّا بالدعوة الإسلامية.
وأضاف لاشين كفى فخرًا أنه حُكم عليه بالسجن 25 عامًا أيام عبد الناصر، لكنه قرر ألا يُسلِّم نفسه لزبانية الحاكم، فعاش هاربًا في رحلة طويلة بلغت 21 عامًا دون أن يستطيع أحد الوصول إليه.
ويصفه- رحمه الله- بأنه جبلُ الدعوة وجملُها الذي لا يهدأ، وأضاف: أذكر أيضًا أن الإمام البنا قد كلَّفه باختراق الحزب الشيوعي، فقام بالانضمام إليه لنقل كافة أخبارهم وأسرارهم إلى الإخوان ليكونوا على بينة؛ مما يُفكِّر هؤلاء حتى وصل إلى مرتبة كبيرة، وقد كان مرشحًا للقيادة داخل صفوفها لولا أن تم اعتقاله واتهامه بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث كان أخًا وافيًّا ورعًا عاملاً بالكتاب والسنة، محافظًا على أدبيات الدعوة المباركة يحفظ فضل السبق ويراعي حق الإخوة.
وتابع كنا جميعًا نغبطه على ما أكرمه الله به من فصاحة اللسان وجميل القول وتواضعه الجمِّ للجميع، خاصةً إخوانه، إلى جانب حنوه على إخوانه في الكتائب التي كان يقيمها الإخوان، فكان يُؤثر إخوانه بطعامه وملابسه حبًّا فيهم، وكان جوادًا بما في جيبه من نقودٍ ليس له وإنما لإخوانه.
أمين الدعوة - الحاج محمد عبد المنعم شاهين
ويصفه الحاج محمد عبد المنعم شاهين أحد الرعيل الأول للإخوان المسلمين بأنه كان طبيب الدعوة وحامل لوائها في المنشط والمكره؛ حيث علَّم إخوانه الصبر على الشدائد، وكان قدوةً في السر والجهر، وقد علمنا أن الأخوة أصل من أصول الإسلام، وبها تتخطى الدعوات مكاره أعدائها، وكان يذكرنا بقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم" (صحيح الترمذي).
وحول ذكرياته مع الراحل- رحمه الله- قال في أحد الأيام كلَّفه الإمام البنا بتوصيل أوراق مهمة تحتوي على
معلوماتٍ في غاية السرية، خاصةً بتكوين جماعة الإخوان المسلمين لتوصيلها لبعض الإخوان في إحدى المحافظات وأثناء محاولة وصوله للمحافظة تعرَّض لبعض الكمائن البوليسية، وكان آنذاك أحد المطلوبين فقام بمضغ الأوراق وابتلاعها؛ خوفًا من انكشاف أسرار هذه الدعوة العظيمة.
ويتذكره بأنه كان ألفًا مألوفًا حسنَ الخلق، ابتسامته لا تفارقه، تميَّز بالصرامة في الحق والصوت القوي في عرض الحجة، لا يلتقي بأحدٍ وإلا ويسارع بالتعرف عليه ومعرفة كل شيء عنه، وكان يبهر الجميع بمواقفه وأخلاقه وعذوبة كلماته.
ويشير إلى عطفه على زوجته وأبنائه قائلاً: اتسم بين أهله بلين القول وحكمة التصرف مع زوجته وأبنائه هادئ الخطو يُسعد أهله بمزاحه الرقيق، وكان يُوصي إخوانه "بالصبر على ترويض الزوجة وتربية الأبناء"، ويقول الأسرة المسلمة أهم لبنة في لبناتِ المجتمع المسلم فاحرصوا على تكوين أسرة مسلمة صالحة مجاهدة.