"حكمت المحكمة على المتهم بالشنق حتى الموت"، جملة تلفظ بها قاضي الانقلاب وانتظر حتى يرى وقع كلماته على وجه برئ في قفص الانقلاب، ذلك البريء الذي أراد الله له الشهادة على يد قاضٍ، بينما أرد الله للأخير الأكل والشرب ومشاهدة دوري كرة القدم عقب كل ظلم كالأنعام، ثم مرده إلى منصة العدالة الإلهية يوم الحساب، يوم لا ينفعه عسكر ولا بنون.

اليوم السبت قضت محكمة النقض، برفض الطعن المُقدّم من سبعة معتقلين من رافضي الانقلاب العسكري، في القضية المعروفة إعلامياً باسم "خلية أكتوبر"، كما أيدت الحكم على خمسة متهمين فيها بالإعدام شنقاً، والمؤبد لمتهمين آخرين، وتغريمهما 20 ألف جنيه.

وهكذا حوّل الانقلاب عقوبة الإعدام إلي آلية قمعية يمارسها ضد كل معارضيه ؛ ما يحدث في مصر لا يعني تطبيقا لعقوبة بل إنه تجاوز هذا إلي معني آخر من التصفية والانتقام السياسي ، وهو ما يعني أن متغيرات الأوضاع السياسية حاليا تشكل تغيرًا نوعيًا في معني العقوبة ومدي موافقتها للدستور والقانون.

مصر في قرن كامل وهو القرن العشرين أصدرت 1220 حكمًا بالإعدام ، في حين أنه ومنذ أحداث 3 يوليو 2013 وحتى الآن فقط - أي منذ ما يزيد قليلا عن عاميين - أصدرت محاكم الانقلاب 1760 قرارا بالإحالة للمفتى - وهي الخطوة التي تسبق النطق بالإعدام - في 32 قضية فقط، ما أسفر حتى الآن عن 621 حكما بالإعدام فيما لم تصدر بقية الأحكام بعد.

ويرى حقوقيون وسياسيون أنه رقما مخيفا لا يتناسب إطلاقا مع الفترة الزمنية التي صدر فيها، خصوصاً أن معظمهم من شرائح اجتماعية وتعليمية ومهنية مرموقة ، أو من الطلاب أو تحت سن الثمانية عشرة، بالإضافة إلى أن كثير من هذه القضايا صدرت فيها أحكام إجمالية بأعداد كبيرة وصلت في إحدى القضايا إلى 180 حكمًا بالإعدام في جلسة واحدة، بما يتضمنه ذلك من إهدار لحق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم.

وقد قامت سلطات الانقلاب بتنفيذ أحكام الإعدام بحق سبعة أشخاص منذ ذلك التاريخ، رغم صدور قرارات وتوصيات دولية بوقف تنفيذ العقوبة نظرًا للعوار الذي أصاب هذه الأحكام.

تحذير حقوقي

وكانت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان قد حذرت "السيسي" من الانتهاكات الخطيرة للمواثيق الدولية، مُطالبة بوقف أحكام الإعدام ضد عشرة متهمين في ثلاث قضايا مختلفة، بينهم سامية شنن ونجلها طارق شنن.

وباتت محاكم الانقلاب تصدر أحكامًا مطلقة بالإعدام دون محاكمة عادلة ونزيهة للمتهمين في القضايا بسبب انتمائهم السياسي، أغلب تلك الأحكام ليس لها سند قانوني في صدورها، كما أنه لم تُراعي شروط العدالة والنزاهة في تلك المحاكمات، والتي أثبتت فشل الانقلاب في احترام حقوق الإنسان وخصوصا فيما يتعلق بالإجراءات القانونية الواجبة وضمانات المحاكمة العادلة.

فهذا العدد من أحكام الإعدام الذي أصدرته محاكم الانقلاب منذ إطاحة العسكر بالرئيس محمد مرسي يفوق أحكام الإعدام التي تصدرها عدة دول ما زالت تتبنى الإعدام طوال عام كامل، حيث أن العدد الكلي للإعدامات التي تنفَّذ سنويًا على مستوى العالم يبلغ قرابة 700 حالة، ما يجعل من الأحكام المذكورة أكبر عقوبة إعدام جماعي في التاريخ الحديث.

ويبدو أن محاكم الانقلاب ستستمر في الاستخفاف بكافة القوانين والأعراف الدولية، دون احترام الحق في الحياة الذي كرسته مواثيق أممية، منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و البرتوكول الاختياري الثاني الملحق به.