لا يدري قائد الانقلاب من أين ستأتيه الصفعة التالية بعد أن تخلى عنه الحليف الروسي في المحك الأول عقب سقوط الطائرة الروسية، بينما كشف رئيس الحكومة البريطاني ديفيد كاميرون كيف يتصاغر الجنرال بعيدًا عن مليشياته الدموية، فيما تعمد الرئيس الفرنسي إهانته في قمة المناخ في أكثر من مناسبة ليصبح عبدالفتاح السيسي مثار سخرية الجميع كلما حل وارتحل.

السيسي، أيضًا، علاقته العربية ليست على ما يرام في ظل سياسة الابتزاز التي يتبعها ربيب العسكر، وهو ما أجبر المملكة العربية السعودية على مراجعة مواقفها تجاه الانقلاب على خلفية خديعة السيسي في اليمن وموقفه الدموي في سوريا، إلا أن السودان قرر الدخول مؤخرًا على خط الأحداث من أجل استغلال حالة الوهن التي يمر بها الوطن تحت حكم العسكر.

وعلى الرغم من العلاقات التاريخية بين طرفي وادي النيل، إلا أن ممارسات دولة السيسي دفعت الخرطوم إلى تبني سياسة معادية للقاهرة على خلفية تعمد السلطات المصرية قتل قرابة 21 سودانيًا على الحدود، فضلاً عن توالي حوادث الانتهاكات وسرقة أموال السودانيين، إلى جانب نبرة الاستعلاء التي تتعامل بها سلطات العسكر مع بلد الجوار.

وقررت السودان التصعيد ضد القاهرة على خلفية إدراج النظام الحاكم لمدينة حلايب وشلاتين ضمن التقسيم الانتخابي لمسرحية برلمان الدم، وهو ما دفع الخرطوم إلى اللجوء إلى الأمم المتحدة من أجل حسم الخلاف الدبلوماسي التاريخي بين الدولتين على ترسيم الحدود.

ومع تصاعد لجهة التصعيد في وسائل الإعلام المصرية، واتهام النظام الحاكم في البلد الشقيق بتلقي رشوة من دول أجنبية للانضمام إلى المؤامرة الكونية التي تحاك ضد دولة العسكر، خرج الرئيس السوداني عمر البشير ليوجه صفعة جديدة لقائد الانقلاب قد تدفع العلاقات إلى نفق مظلم لا يمكن الخروج منه في الأفق المنظور.

البشير- في حواره المتلفز مع قناة "العربية"- قرر التلويح بورقة سد النهضة من أجل الضغط على السيسي في ملف حلايب وشلاتين، ليوثق ما هو معلن من قبل بشأن البناء الإثيوبي على منابع النيل، حول وقوف الخرطوم إلى جانب أديس أبابا واعتبار السد يفيد بلاده ولا يؤثر على حصتها بعكس مصر التي تنازل رئيسها طوعًا عن حصة بلاده التاريخية بتوقيع اتفاقية الاعتراف بالسد.

وشدد البشير على أن "سد النهضة أصبح واقع وهيقوم سد يعني هيقوم سد، ويجب أن نتحرك الآن مع السد وألا يؤثر علينا سلبا"، وهى التصريحات التي ترجمها الجانب المصري على طريقة "إياك أعني وأفهمي يا جارة"، حيث تحدث الرئيس السوداني من منطلق العجز المصري في إدارة الملف ودلالة قلة الحيلة على مائدة المفاوضات في الوقت الذي قاربت فيه إثيوبيا على إنجاز البناء.

وعرج الرئيس السوداني بعد اللعب بورقة سد النهضة إلى الحديث على مطالب بلاده بمثلث حلايب، مشيرًا إلى أن بلاده تقدمت بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن، اعتراضا على ضم مثلث "حلايب" ضمن العملية الانتخابية التي جرت في مصر، رغم أنه جزء من الأراضي السودانية، بحسب زعمه.

وصعّد البشير من لهجة التحدي ضد نظام السيسي بأنه لا يمكن لأحد أن ينزع عن بلاده أحقيتها في المثلث المتنازع عليه، مضيفا: "حلايب كانت طوال الحكم الثنائي جزء من السودان، وهناك بعض الأطراف تحاول أن تصعد الأمور بين البلدين".

الرد المصري كعادته في الآونة الأخيرة لم يخرج من دائرة البله والخبل الدبلوماسي؛ حيث اعتبرت تصريحات البشير خرافات لا يمكن السكوت عليها، فيما طالب عدد من المحسوبين على دولة السيسي بضرورة الرد بشكل قوي وحاسم على هذه التصريحات- التي وصفوها- بـ "المستفزة".

تصريحات البشير ومن قبلها حالة التقزم الدبلوماسي التي عاشتها مصر وعانت من تبعاتها في موسكو ولندن وباريس والرياض، وتصاعد حالات الغضب في الشارع المصري على خلفية ممارسات الداخلية الدموية بحق المواطنين وانهيار الاقتصاد وارتفاع الأسعار وتهاوي البنية التحتية والنقص الحاد في السلع الأساسية والأدوية، يجسد حالة الفشل التي تسيطر على مفاصل الدولة، ويدعم تحركات الشارع من أجل الإطاحة بالحكم الفاشي مع اقتراب الذكري الخامسة لثورة 25 يناير.