عزت النمر :

 

من حق المرء أن يتسائل ما السبب في وصول مصر الى ما وصلت اليه من تردي شامل في كل مناحي الحياة . والاجابة بسيطة وميسورة وحقيقية وهي أن أزمة مصر ببساطة في نخبتها .


التاريخ الطويل للشأن المصري ــ بكل أسف ــ يشي بالإدانة الكاملة للنخبة المصرية , وتبقى الملامة والمؤاخذة على الشعب هي فقط في عدم انتاج وإفراز نخبة أقل أخطاءً وأكثر احتراماً تقوم على مصالحة وترعى حقوقه .


النخبة المصرية للأسف التي أوصلتنا لهذا الهوان هي كل الأرقام الفاعلة في معادلة المشهد المصري سواء في نظام الحكم أو المعارضة أو حتى جماعات الضغط إن وجدت .


نظام الحكم من زمن يقوم على شخص الرئيس الذي يبدأ ولايته غالباً بصلاحيات مناسبة وخيارات مقبولة وتصريحات منطقية ثم ما يلبث أن يتحول بمرور الوقت ــ بفعل حاشيته ومعارضته على السواء ــ الى فرعون يجمع بين استبداد فاشي وقرصنة كاملة ونهم في السرقة والاستحواذ ليس له حدود .


حاشية الفرعون تدخل تحت لواءه ويسعى أفرادها الى التملك والاغتراف طيلة بقائهم فيها حتى أن من يُخْرَج منها انشغل بمملكته هو , ويسعى في كَرَّة ثانية أن يعود , لا يشغله تطوارات الحكم والنظام ولا سقطات الحاكم ولا المحكوم إلا فيما يرتبط بسعيه وأهدافه وأطماعه.


المعارضة بمعظم أطياف ليست سوى قطيع يمكن أن نصنفه ضمن حاشية الفرعون وبنفس مواصفاتها, فالكثير منهم مشغول بتلقي هبات وعطايا من النظام لقاء هذه المعارضة سواء بصورة ضمنية خافتة أو سافرة فاجرة.


هناك جزء من المعارضة الشريفة نظيفة اليد والتاريخ لكنها تظل في دائرة الإدانة واللوم طالما استهلكت طاقتها في أهداف جزئية, وغاب عن برنامجها خطة استراتيجية ذات جدول زمني محدد لتغيير الواقع ومواجهة النظام وخطاياه.


الإعتذار بضغط الواقع وقسوة النظام وغيرها أعذار واهية تزيد من جرعة الملامة لهؤلاء وتطالبهم أن يربأوا بأنفسهم أن ينشغلوا باللحظة ويدوروا في ساقية الواقع ويغيبوا عن مهمة صنع الحاضر والمستقبل الأمر الذل حولهم في الحقيقة الى ديكور تجميلي وحواشي زاهية في برواز الاستبداد الأسود.


جاءت ثورة يناير لتزلزل الواقع وتضع أمام لجميع فرصة تاريخية للتغيير . وانتظرنا من النخبة أن تغير من نفسها وترتدي ثوبا قشيباً يناسب الظرف والحدث , لكنها فاجأتنا بأنها ذهبت كل مذهب بعيد عن فريضة اللحظة وواجب الوقت.


المعارضون القدامى تحولوا الى أحذية بائسة بذلت كل جهدها في إعادة انتاج الاستبداد, وخلعوا في سبيل ذلك كل أقنعتها الزائفة وتجردت من كل فضيلة ظاهرة أو حجاب ساتر أو إحتشام وقور.


الشرفاء فلم يغادروا مواقعهم ولم يكسروا قيدهم ولم يتمردوا على سجانيهم وحبسوا أنفسهم قريباً من أصنام لم يعبدوها , لكنهم لم يحطموها.


هكذا ضاعت مكتسبات الثورة وعاد الجميع الى مواقعهم القديمة الأثيرة . ولم يشفع لأولئك الشرفاء شهادة حسن سير وسلوك التي حصلوا عليها ولا وسام الأخلاق الرفيعة والأدب الجم الذي نالوه , فساروا بمنتهى الحماسة والجد تجاه أقبية نفس السجون القديمة التي لم يبعدوا عنها كثيراً حتى تفتقدهم أو تشتاق اليهم ربما بأكثر مما اشتاقوا لها.


الانقلاب وما تلاه بكل سوءاته وآلامه كان فيه إثم كبير ومنافع للناس , الإثم طال الجميع وان اختلفت درجاته ودركاته , أما المنافع فأقلها ذلك التمايز التام الذي حدد بوضوح خريطة النخبة المصرية ورسم حداً فاصلاً بين الأصدقاء والأعداء, الأحرار والعبيد ,الوطنيين والعملاء , بين دعاة الكرامة وأحذية الذل وأذناب الاستبداد.


من منافع الانقلاب كذلك أنه لم يخل من دروس ملهمة وعبر وآيات يجب أن نتوقف عندها ويستشرفها الأصدقاء ودعاة الحرية والكرامة حتى لا نُلْدَغ من الجحر الواحد مرتين خاصةً ومازال ألم القرصة الأولى وسمها الزعاف في جسد الوطن لم يبرأ بعد .. من هذه الدروس ..


لا يجب أن ننسى أن ضياع ثورتنا كان بسبب اختلافنا واستفادة أعداء ثورتنا من هذا الخلاف لذا لا يجب ونحن نرجو نجاح ثورتنا أن نظل ندور في خلافات متعددة. نعم مناهضي الانقلاب مشارب مختلفة ويصعب جمعهم ايدلوجياتهم المتنوعة لذا فعلينا أن يجمعنا طريق ألا وهو كسر الانقلاب فلنعمل جميعاً لتحقيق هذا الهدف كل بطريقته وأسلوبه. هذا الدرس البليغ ينبغي أن يدفعنا لأن نتوافق سريعا لنكون رقماً صعبا يمكنه أن يحقق شيء ويغير . لكن كذلك ينبغي أن ألا يكون التوافق هدف يقفز على مبادئ الثورة واستحقاقاتها.


• هل يمكننا أن نتوافق على أن ثورتنا ستعيد أمرها للشعب وأن آليات الشورى والديمقراطية ودولة الحقوق والحريات وسيادة القانون هي الأمل والغاية؟!.. هل يمكن أن نلتقي هنا أم أنها نقطة مفاصلة وخلاف ؟..


أدعو من يسعى لغير ذلك فليعلن من الآن حتى نتبين مواقفنا ونتحسس مواطن أقدامنا , فلسنا نسعى لاستبدال فرعون قديم بفرعون جديد , ولا أعتقد هذه التلال من التضحية وجبال البذل وضرائب الثبات يدفعها أصحابها مجاملة لشخص ما أو دعماً لمشروع خاص لصاحب طموح أو دفاعاً عن نموذج جديد لــ"عبدة مشتاق".


• حقيقة أثبتتها الأحداث وتستلزم المصارحة هي أن من يتحرك في مسار الثورة معتمداً على دعم خارجي أويبنى مواقفه على مساندة من الغرب القريب أو البعيد أو حتى من الشرق الغني فهذا إما عليل الفهم أو كليل الذاكرة أو ساقط الهمة والعزم أو يحمل في نفسه أجندة خاصة لا تعنى بالاستقلال الكامل لحرية وطن وكرامة شعب.


• أخيراً .. لنعطي التقدير الواجب لثوار الداخل ؛ لكل طفل وامرأة وشاب وفتاه مازال يخاطر بحياته وحريته في مواجهة بغي الإنقلاب وإجرام داخليته. كذلك كل التقدير والإكبار والاحترام المستحق لأبطال السجون وعمالقة الزنازين .. فلولا عطاء الأولين وثبات الآخرين لخرست السنتنا وكرهنا أنفسنا ورضينا بواقعنا.


تلك نبذة من الدروس تحتاج من يضيف اليها لنتوافق جميعاً على دستور واضح للثورة.
هذا الدستور .. عليه نلتقي وعليه يكون الاصطفاف والوحدة , ويكون الرفض والبراء مما سواه.


[email protected]


https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9


https://twitter.com/EZZATNEMER