الداعية الأديب الشيخ محمد الغزالي .. بقلم/ المستشار عبدالله العقيل

تمهيد
حين أكتب عن الشيخ محمد الغزالي السقا، فإنما أكتب من خلال معرفتي به عن قرب، ومعايشتي له، وقراءتي وسماعي له، وهذا بعض حقه عليّ، وشيء من الوفاء لمن تتلمذت على يديه، وهي ذكريات وخواطر مضى على بعضها قرابة نصف قرن، وقد سبقني للكتابة عنه في حياته وبعد مماته الكثير من الإخوان الذين يعرفون قدر الغزالي ومنزلته، وعلى رأسهم العلاَّمة الدكتور يوسف القرضاوي الذي كان أكثر قربًا، وأطول رفقة.


معرفتي به
عَرفتُ أستاذنا الغزالي من خلال ما كنت أقرأ له من مقالات في مجلة الإِخوان المسلمون) التي كانت تصل إلينا بمكتبة الإخوان المسلمين في الزبير سنة 1946م.
ولمَّا قـدمت إلى مصر للدراسة الجامعية سنة 1949م، تعـرّفت إليـه عن طـريق الإخوة الزملاء: مناع القطان، ومحمد بكري، ويوسف القرضاوي، ويعقوب عبد الوهاب، وأحمد العسال، ومحمد الصفطاوي، ومحمد الدمرداش، والحاج وهبة حسن وهبة.


كانت لنا مع شيخنا الغزالي لقاءات متكررة كثيرة يزودنا فيها بالعلم النافع، ويثير في نفوسنا الحماس للعمل في سبيل الله والمستضعفين، ويبصرنا بمكائد الأعداء في الداخل والخارج، ويكشف مخططاتهم الماكرة لحرب الإسلام والمسلمين، ويفضح دعاوى الشيوعية والعلمانية والماسونية والإلحاد والوجودية والصليبية والصهيونية، ويحذِّرنا من التحالف المشؤوم بين قوى الشر ضد الإِسلام ودعاته، ويوضح لنا سبل التصدي لمقاومة هذه الهجمة الشرسة من قوى الكفر مجتمعة.


إن أستاذنا الشيخ الغزالي داعية متوقد الذهن، جياش العاطفة، عميق الإيمان، مرهف الإحساس، قوي العزم، شديد المراس، بليغ العبارة، يتأثر ويؤثر، حلو المعشر، رقيق القلب، كريم الطبع... يلمس هذا فيه كل من عاش معه، أو رافقه أو التقاه، فهو لا يحب التكلف، ويكره التعالم والتحذلق، يعيش الواقع بكل مشكلاته، ويتصدى للمعضلات، ويكشف الحقائق، ويدق جرس الخطر؛ ليحذر الأمة من الوقوع في المهالك والسقوط في الهاوية التي يقود إليها شياطين الإنس والجن في الشرق والغرب على حدٍّ سواء.


والشيخ الغزالي من أعلام الإسلام في العصر الحديث، وهو داعية قل نظيره في العالم الإسلامي اليوم، يتمتع ببديهة حاضرة، وديباجة مشرقة تأخذ بمجامع القلوب، حتى إنني كنت أحفظ مقاطع بل صفحات كاملة من كتبه، وأرتجلها في الخطب بنصها، وقد ذكر ذلك الدكتور القرضاوي في كتابه (الشيخ الغزالي كما عرفته) فقال: «أذكر أن الأخ عبد الله العقيل حين كان يدرس في كلية الشريعة بالأزهر في أوائل الخمسينيات، كان يحفظ مقدمة الطبعة الثانيـة لكتاب (الإسلام والأوضاع الاقتصاديـة) ومطلعها: لم تستذلّ شعوب كما استذلت شعوب الشرق، ولم يُستغل شيء في هضم حقوقها كما استغلّ الدين.. إلخ» انتهى.


لقاؤه الندوي
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه القيِّم (مذكرات سائح في الشرق العربي): «كنت حريصًا على الاجتماع بالشيخ محمد الغزالي الذي حدثني عنه الطالب عبد الله العقيل وأثنى عليه بصفة خاصة وأهداني بعض مؤلفاته، فهو من شخصيات الإخوان المسلمين البارزة، وأحد كتَّاب النهضة الدينية بمصر، وقابلت مؤلف (الإسلام والأوضاع الاقتصادية) و(الإسلام والمناهج الاشتراكية) و(الإسلام المفترى عليه) و (من هنا نعلم)، قابلت الرجل الذي يغذي جماعة الإِخوان المسلمين بالغذاء الفكري والروحي الصحيح والأدب الإِسلامي الدسم، وسررت لهذه المقابلة؛ لأني رأيت فيه رجلاً صالحًا مثقفًا نشيطًا صاحب قلب حيٍّ وعقل نيِّر، ووجه يفيض بالبشر، ورأيت أن كلاً منا يعرف صاحبه عن طريق الكتب والرسائل ويرى في هذه الكتب صورة أفكاره ومبادئه...» انتهى.


مولده ونشأته ومشايخه
ولد شيخنا الغزالي في يوم 1917/22/9م في قرية (نكلا العنب) من إيتاي البارود بمحافظة البحيرة بمصر.
ونشأ في أسرة محافظة يغلب عليها العمل بالتجارة، وكان والده من حفظة القرآن الكريم، وقد نشأ الابن على ذلك، فحفظ القرآن الكريم وعمره عشر سنوات، وتـلقى تعليمه في كتّاب القرية، ثم التحق بالمعهد الـديني بالإسكندرية، حيث أكمل المرحلتين الابتدائية والثانوية، ثم انتقل إلى القاهرة، ودرس بكلية أصول الدين سنة 1357هـ 1937م، وحصل على الشهادة العالمية سنة 1361هـ 1941م، ثم تخصص في الدعوة والإرشاد، حيث نال شهادة الماجستير 1362هـ 1943م، وتزوج وهو طالب بكلية أصول الدين ورزق بتسعة من الأولاد.


من أهم مشايخه الذين تأثر بهم فترة الدراسة: الشيخ عبد العزيز بلال، والشيخ إبراهيم الغرباوي، والشيخ عبد العظيم الزرقاني وغيرهم.
عمله
بعد تخرّجه عمل إمامًا وخطيبًا في مسجد (العتبة الخضراء) ثم تدرّج في الوظائف حتى صار مفتشًا في المساجد، ثم واعظًا بالأزهر ثم وكيلاً لقسم المساجد، ثم مديرًا للمساجد، ثم مديرًا للتدريب فمديرًا للدعوة والإرشاد.
وقد قضى في معتقل الطور سنة 1369هـ 1949م، حوالي السنة، وقضى في سجن طرة عام 1385هـ 1965م فترة من الزمن.
وفي سنة 1391هـ 1971م أعير للمملكة العربية السعودية أستاذًا في (جامعة أم القرى) بمكة المكرمة، ودرّس في كلية الشريعة بقطر، وفي سنة 1401هـ 1981م، عُيِّن وكيلاً لوزارة الأوقاف بمصر، كما تولى رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الجزائري الإسلامية بالجزائر لمدة خمس سنوات وكانت آخر مناصبه.
أول معرفته بالإمام البنا
وعن صلته بالإمام الشهيد حسن البنا، يروي الأستاذ محمد المجذوب في كتابه (علماء ومفكرون عرفتهم) على لسان الغزالي قوله:
«... كان ذلك أثناء دراستي الثانوية في المعهد الديني بالإسكندرية، وكان من عادتي ملازمة مسجد عبد الرحمن بن هرمز في منطقة رأس التين بعد المغرب من كل يوم لمذاكرة الدروس، وذات مساء، وإذا بالإمام البنا يلقي على الناس موعظة قصيرة شارحًا فيها الحديث الشريف: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»، وكان حديثًا مؤثرًا يتصل بأعماق القلب، فما إن فرغ منه حتى وجدت نفسي مشدود القلب إليه، ومنذ تلك الساعة توثقت علاقتي به، ومضيت معه عقب صلاة العشاء إلى مجلس يضم بعض رجال الدعوة، ثم استمر عملي في ميدان الكفاح الإسلامي مع هذا الداعية العملاق إلى أن استشهد سنة 1369هـ 1949م» انتهى.


علاقة الغزالي بمرشدي الإخوان المسلمين
وكتب الغزالي في مقدمة كتابه (دستور الوحدة الثقافية للمسلمين) فقال: «... مُلْهم هذا الكتاب وصاحب موضوعه الأستاذ الإمام حسن البنا، الذي أصفه ويصفه معي كثيرون، بأنه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة. فقد وضع الإمام البنا جملة من المبادئ تجمع الشمل المتفرق، وتوضح الهدف الغائم، وتعود بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، وتتناول ما عراهم من خلال الماضي من أسباب العوج والاسترخاء بيد آسية، وعين لماحة، فلا تدع سببًا لضعف أو خمول...» انتهى.


وعن الأستاذ حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين، كتب الغزالي يقول: «... من حق الرجل أن أقول عنه: إنه لم يسع إلى قيادة الإخوان المسلمين، ولكن الإخوان هم الذين سعوا إليه، ومن حقه أن يعرف الناس عنه، أنه تحمل بصلابة وبأس كل ما نزل به، فلم يجزع ولم يتراجع، وبقي في شيخوخته المثقلة عميق الإيمان واسع الأمل حتى خرج من السجن.
الحق يُقال إن صبره الذي أعز الإيمان، رفعه في نفسي، وإن المآسي التي نزلت به وبأسرته، لم تفقده صدق الحكم على الأمور، ولم تبعده عن منهج الجماعة الإسلامية منذ بدأ تاريخها. وقد ذهبت إليه بعد ذهاب محنته وأصلحت ما بيني وبينه، ويغفر الله لنا أجمعين» انتهى.


وعن الأستاذ عمر التلمساني المرشد الثالث للإخوان المسلمين كتب الغزالي يقول: «... في سنة 1369هـ 1949م، ونحن في معتقل الطور مع الألوف من الإخوان بعد استشهاد الإمام حسن البنا، رأيت الأستاذ عمر التلمساني في خطواته الوئيدة، ونظراته الهادئة، يمشي في رمال المعتقل باسمًا متفائلاً، يُصبِّر الإخوان على لأواء الغربة وقسوة النفي ويؤمل الخير في المستقبل، ورأيتني أمام رجل من طراز فذ، تحرِّكه في الدنيا مشاعر الحب والسلام، وكان يكره الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، ويؤثر العزلة، ويرى أنسه في الانقطاع إلى الله، ولم تكن رذائل الرياء والتطلع تعرف طريقًا إلى فؤاده، ذهبت إليه لأتعاون معه في خدمة الإسلام، فقال لي: تعلم أن هذا عبء ثقيل تحملته برغمي وقبلته وأنا كاره؟! قلت: نعم أعلم ذلك، فأنت ما سعيت إلى صدارة، ولا تطلعت إلى إمارة، ومثلك جدير برعاية الله وتسديده..» انتهى.
هذا الذي قاله الغزالي عن الإمام البنا ثم الهضيبي ثم التلمساني يكشف لنا عن نفسية الشيخ الغزالي وأصالته ونفاسة معدنه.


شهادات بحق الغزالي
وحسبه فخرًا واعتزازًا أن يتلقى وهو في مرحلة الشباب الرسالة التالية من الإِمام حسن البنا سنة 1945م وهذا نصها: «... أخي العزيز الشيخ محمد الغزالي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، قرأتُ مقالك (الإخوان المسلمون والأحزاب) في العدد الأخير من مجلة الإِخوان المسلمون) فطربت لعبارته الجزلة، ومعانيه الدقيقة، وأدبه العف الرصين، هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون، اكتب دائمًا وروح القدس يؤيدك، والله معك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حسن البنا» انتهى.


يقول د. عبد الصبور شاهين: «... ما أكتبه هنا شرف لي قبل أن يكون تقديمًا للكتاب، والحق أن كتابًا يوضع على غلافه اسم الأستاذ الغزالي لا يحتاج إلى تقديم، فحسبه في تقديري أن يتوج بهذا العلم الخفاق وقد قرأت الدنيا له عشرات الكتب في الإسلام ودعوته، وتلقت عنه ما لم تتلق عن أحد من معاصريه، حتى إن عصرنا هذا يمكن أن يطلق عليه في مجال الدعوة عصر الأستاذ الغزالي» انتهى.
ويقول الأستاذ عمر عبيد حسنة ـ مدير تحرير مجلة الأمة القطرية ـ: «... كتابات الشيخ الغزالي تحمل عاطفة الأم على وليدها المريض، الذي تخشى أن يفترسه المرض، وبصيرة الطبيب الذي يقدم العلاج، وقد يكون العلاج جراحة عضوية إن احتاج الأمر إلى ذلك، وكانت كتبه تواجه التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء، ونجد الشيخ الغزالي في الخندق الأول، حيث أدرك الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها أعداء الإسلام» انتهى.


ويقول الأستاذ قطب عبد الحميد قطب: «إنني واحد من عشرات الألوف المؤلفة التي تعشق من أعماق قلوبها الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي.. وأشهد أن حبي لهذا العالم الكبير والداعية الشهير أكبر من حبي لنفسي، فهو من القلة النادرة التي تربّى على علمها وفضلها أكثر من جيل، لا في مصر وحدها، ولكن في كثير من البلدان العربية والإسلامية، كيف لا وهو الذي تربى في أحضان الدعوة ورضع من لبانها وتتلمذ على جهابذة العلم وأساتذة الفكر وأساطين الدعوة، وعلى رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا» انتهى.


ويقول د. عبد الستار فتح الله سعيد: «.. لا ينسى تاريخ الإسلام، ما قام له الأئمة الأعلام من جهد ناصب لرد الغارة الجاهلية العارمة، وحشد الأمة حول معالم الإسلام الشامل، الذي لا يقبل التجزئة والتفريق، ولقد قامت أفواج متلاحقة تذود عن معالم الوحي والحق، وفي ظلال المدرسة الربانية المجاهدة التي أسسها الإمام الشهيد حسن البنا تربى شيخنا محمد الغزالي وحمل أعباء الدعوة مع رجالها الكبار، ثم صار ـ بفضل الله ـ علمًا من أعلامها، ومضى يرفع لواءها شامخًا في وجه الاستبداد والإلحاد، ويذود عن شرف الإسلام بقلمه ولسانه، ويجلي حقائق الوحي الأعلى، ويقارع الجاهلية الطامسة يوم ضرب الطغيان على أمتنا ليلاً بهيمًا» انتهى.


أما شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود، فقد كان يقدِّر الشيخ الغزالي ويعـرف له حقـه وفضـله، ويفخر به ويعتز ويقول: «ليس لـدينا إلاَّ غزالي الأحـياء والإحياء» يعني الغزالي المعاصر، والغزالي أبا حامد صاحب إحياء علوم الدين.


لقد استفاد شباب الصحوة الإسلامية المباركة من علم الشيخ الغزالي وجرأته وصراحته، وصدقه ووضوحه، وكان له تلامذة في الأزهر في مصر وفي أم القرى في مكة المكرمة وفي كلية الشريعة في قطر وفي جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية في الجزائر، ومن خلال: الخطب، والدروس، والمحاضرات، والندوات، والكتب، والمقالات، والاجتماعات والمؤتمرات.
وهؤلاء التلامذة يعدون بالألوف من أنحاء العالم الإسلامي، وهم أوفياء لدعوة الإسلام حملوا الراية مع أستاذهم وشيخهم وانطلقوا يبلغون دعوة الله وينشرون رسالة الإسلام ويقودون الأمة إلى مواطن الخير والفلاح والنصر والنجاح.


وقد برز منهم أساتذة كبار وعلماء فحول، تقرّ بهم العيون وتعلّق عليهم الآمال، ومن هؤلاء: العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ منَّاع القطان، والشيخ محمد الراوي، والدكتور أحمد العسَّال.. وغيرهم.


إنتاجه العلمي
إن لشيخنا الغزالي مؤلفات كثيرة جاوزت الستين كتابًا في موضوعات مختلفة، بالإضافة للمحاضرات والندوات والخطب والمواعظ والدروس والمناظرات التي كان يلقيها داخل مصر وخارجها، وإن خطبه في الجامع الأزهر وجامع عمرو بن الـعاص وخطب العيد في ميدان عابدين وجامع مصطفى محمود.. لها شأن عظيـم وأثر بـالغ كبير، حيث كان يحضرهـا الألوف من الناس.

مؤلفاته
الإسلام والأوضاع الاقتصادية
الإسلام والمناهج الاشتراكية
من هنا نعلم
الإسلام والاستبداد السياسي
عقيدة المسلم، خلق المسلم
فقه السيرة، ظلام من الغرب
قذائف الحق
حصاد الغرور
جدد حياتك
الحق المر
ركائز الإيمان بين العقل والقلب
التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام
مع الله
جهاد الدعوة بين عجز الداخل وكيد الخارج
الطريق من هنا
المحاور الخمسة للقرآن الكريم
الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر
دستور الوحدة الثقافية للمسلمين
الجانب العاطفي من الإسلام
قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة
السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث
مشكلات في طريق الحياة الإسلامية
سر تأخر العرب والمسلمين
كفاح دين
هذا ديننا
الإسلام في وجه الزحف الأحمر
علل وأدوية
صيحة تحذير من دعاة التنصير
معركة المصحف في العالم الإسلامي
هموم داعية
مائة سؤال عن الإسلام
خطب في شؤون الدين والحياة "خمسة أجزاء
الغزو الفكري يمتد في فراغنا
كيف نتعامل مع القرآن الكريم
مستقبل الإسلام خارج أرضه كيف نفكر فيه
نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم
من كنوز السنة
تأملات في الدين والحياة
الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين
كيف نفهم الإسلام
تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل
قصة حياة
واقع العالم الإسلامي في مطلع القرن الخامس عشر
فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء
حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي
دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين
الإسلام والطاقات المعطلة
الاستعمار أحقاد وأطماع
حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة
نظرات في القرآن
ليس من الإسلام
في موكب الدعوة... إلخ.
ولقد تُرجم الكثير من هذه المؤلفات القيمة إلى العديد من اللغات، كالإنجليزية والتركية والفارسية والأوردية والإندونيسية وغيرها. ومعظم الذين قاموا بهذه التراجم هم من تلامذة الشيخ الغزالي ومحبيه وعارفي فضله الذين استفادوا من فيض علمه وعطائه.
صفاته
يقول العلاَّمة الدكتور القرضاوي:
«قد تخالف الغزالي أو يخالفك في قضايا تصغر أو تكبر وتقل أو تكثر، ولكنك ـ إذا عرفته حق المعرفة ـ لا تستطيع إلا أن تحبه وتقدِّره، لما تحسه من إخلاص لله، وتجرد للحق واستقامة في الاتجاه، وغيرة صادقة على الإسلام.
صحيح أنه أُخذ على الشيخ أنه سريع الغضب، وأنه إذا غضب هاج كالبحر حتى يغرق، وثار كالبركان حتى يُحرق، وسر هذا أن الرجل يبغض الظلم والهوان لنفسه وللناس، ولا يحب أن يَظلم أو يُظلم، ولا أن يستخف بكرامة أحد، كما لا يستخف بكرامته أحد، كما أنه لا يطيق العوج والانحراف، وبخاصة إذا لبس لبوس الاستقامة، أو تستر بزي الدين، فهو الذي يقاتله سرًا وعلانية.
ثم إن من صفات الشيخ الغزالي أنه ـ إن كان سريع الغضب ـ فهو سريع الفيء، رجاع إلى الحق إذا تبيَّن له، ولا يبالي أن يعلن خطأه على الناس علانية، وهذه شجاعة لا تتوافر إلاَّ للقليل النادر من الناس.. فهو شجاع عندما يهاجم ما يعتقده خطأ، شجاع عندما يعترف بأنه لم يحالفه الصواب فيما كان قد رآه.
قد يأخذ الناس على الشيخ الغزالي بعض آرائه وفتاويه؛ لأنها ليست على مشربهم ولكن الذي أعلمه أن الشيخ الغزالي لم يخرج في فتوى أو رأي على إجماع الأمة المستيقن، وقد اتُّهم شيخ الإسلام ابن تيمية قديمًا بأنه خرق الإجماع في قضايا الطلاق، وما يتعلق به، وهي التي قال فيها تلميذه الحافظ الذهبي: «وله فتاوى نيل من عرضه بسببها وهي مغمورة في بحر علمه».
والغزالي يعترف بالفضل لإخوانه وزملائه أمثال الشيخ سيد سابق والشيخ عبد المعز عبد الستار والشيخ زكريا الزوكة والشيخ إسماعيل حمدي وغيرهم.
بل كان يُخجلني بقوله أمام الملأ: (اسألوا يوسف القرضاوي فهو أولى مني، لقد كان فيما مضى تلميذي، وأما اليوم فأنا تلميذه). وهذه منزلة لا يرقى إليها إلا الصادقون» انتهى.
لقد كثرت لقاءاتي مع الشيخ الغزالي وتعددت منذ التقيته أول مرة بمصر سنة 1949م وإلى أن لقي ربه.
فقد زار الكويت أكثر من مرة وخطب وحاضر، وسعدنا به في الندوة الأسبوعية مساء الجمعة وكانت آخر ندوة له هي التي شاركه فيها الشيخ عبد العزيز المطوع والدكتور عصام البشير، كما كانت زياراتي له بالقاهرة أكثر من مرة وآخرها قبل فترة وجيزة من وفاته.
ثم شاء الله أن يحضر مؤتمر الجنادرية ليشارك في ندوة (الإسلام والغرب) وكنت وقتها في زيارة لسورية بدمشق، فإذا بالأنباء توافينا بالخبر الذي زلزل كياني حزنًا على فقده، فهو شيخي وأستاذي وأنا مدين له بفضل كبير.
لقد كان الغزالي علمًا شامخًا، وداعية مجددًا، ومجاهدًا صلبًا، ومقاتلاً شجاعًا، وكاتبًا قمة في البلاغة والأدب قل نظيره في دنيا العروبة والإسلام، كما ذكر ذلك الأستاذ عبد العزيز عبد الله السالم في جريدة الرياض.
من أقواله
"إن البركة هي رعاية السماء لعملك المتقن، فلا يخطئ هدفه ولا يفقد ثمرته.
هي التوفيق لاستغلال الشيء على أحسن وجوهه، ووضع الأمور في مواضعها دون عناء أو عوج.
هي الإفادة الكاملة من الوقت والمال، فلا يضيع هذا في لغو، ولا يضيع ذاك في باطل.
البركة هي هداية الله للجهد الإنساني، فلا يذهب فريسة خطأ، ولا يفشل نتيجة غضب" ... كتاب "مع الله" طبعة دار القلم ص230
وفاته
وقد توفي في الرياض يوم 1996/9/3م ـ 1416هـ ونُقل إلى المدينة المنورة، حيث دفن في مقابر البقيع. وكان لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله ابن عبد العزيز آل سعود دوره المشكور في تقدير الرجل وتكريمه في حياته وبعد مماته ومواساة أسرته.
رحم الله شيخنا الجليل الشيخ محمد الغزالي السقا وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي عباده الصالحين، وحشرنا الله وإياه مع الأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
وقفة نقدية مع الشيخ محمد الغزالي - الأديب الشاعر .. بقلم/ الدكتورجابر قميحة

في سبتمبر سنة 1917م كان مولده، وفى مارس سنة 1996م كان رحيله.. رحيله من دنيا الناس الفانية، إلى عالم البقاء في رحاب الله(1)، كان آخر ما سمعناه منه في مصر خطبة عيد الفطر سنة 1416هـ بمسجد مصطفى محمود بالجيزة.
فكان - كعهدنا به - متوهج العقل والمشاعر، معبرًا في صراحة وتفتح، وشباب وإيمان عن هموم المسلمين والعرب، وما حيك، ويحاك لهم من مؤامرات الظلم والعدوان.
وكان - يرحمه الله - يعالج القضايا الإسلامية والعربية والاجتماعية بالنظرة الشاملة الفاحصة الواعية، موزعًا نظره على كل الزوايا والمنحنيات والنتوءات، فلا يترك من «مساحة» الموضوع قيد أنملة إلا استوعبه، وعالجه.
وكان - يرحمه الله - يتمتع بقدرة خاصة على استدعاء الشواهد القرآنية والنبوية، والتاريخية، والعلمية، والإحصائية لتأييد آرائه وتدعيمها، ولكن بدون تعنت أو تعسف، أو افتئات، متحليًا في جدله بأدب الإسلام في أناة ووقار ولين ورحمة، ولكن دون أن يتخلى عن حماسة المتمكن، واستعلاء الإيمان.
حتى الذين هاجموا - في شدة وقسوة وتشنج - بعض مؤلفاته الأخيرة، وخصوصًا كتابه في السنّة، وطور بعضهم هجومه من «تجريح» ما كتب، إلى «تجريح من كتب»، حتى مع هؤلاء ظل عف القلم، عف اللسان، إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى(2).
بعض من أعطياته
ومما يشهد له في هذا المقام موقفه من كتاب خالد محمد خالد «من هنا نبدأ»، لقد أحدث الكتاب ضجة كبرى؛ لأنه كان غاصًا بالغلط والمغالطات والهجوم الضاري على ثوابت الإسلام، منتصرًا للتوجهات والمذاهب الغربية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن هذا الهراء كان صادرًا من «عالم أزهري»، تصدى له الإمام محمد الغزالي سنة 1950م بكتابه «من هنا نعلم»، وبعلمه الموسوعى الغزير، وقوة عارضته، استطاع أن ينقض كتاب خالد عروة عروة، وخيطًا خيطًا دون أن يخدش الرجل في خلقه وعقيدته، وبذلك استطاع الغزالي - بهذا الكتاب، وبما تلاه من كتب - أن يرسي أدب الإسلام في الجدل والمناظرة، والحوار، والتحدي، والتصدي(3).
ونشهد لأستاذنا الغزالي - كذلك - قدرته الفائقة على الربط بين القديم والحديث، وكان يؤمن بأن «الحديث» يجب ألا يرفض لحداثته «بدعوى أنه بدعة»، أو يرفض «لعلمانية» صاحبه، وإلا كنا ممن لا يعدلون لشنآن قوم، والتوجيه الإلهي الحق هو {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.
وقبل البعثة حضر محمد – صلى الله عليه وسلم - في دار عبد الله بن جدعان حلفًا لنصرة المظلومين والمستضعفين هو «حلف الفضول»، وبعد أن بُعث نبينا أثنى على الحلف، وأعلن أنه لو دعى إليه في الإسلام لأجاب(4).
ومما يزيد على نصف قرن، وضع الغزالي أمامنا «الميزان الصحيح»، إذ كتب «... نحن نقول: إننا نحارب التدين الباطل بالتدين الصحيح، ونحارب الكهانة المنافقة بالإسلام الحق، ونختبر كل ما يجد في الدنيا من أسماء وحقائق بما لدينا من كتاب وسنة، فما وافق مواريثنا المقدسة من كتاب الله وسنة رسوله قبلناه، وما جافاه نبذناه، ولا كرامة»(5).
ومن إبداع الغزالي - رحمه الله - تلك الخاطرة التي كان يكتبها أسبوعيًا في صحيفة «الشعب» بعنوان «هذا ديننا»، يعالج في كل منها قيمة من القيم الإسلامية الإنسانية، أو مشهدًا من مشاهد «انكسار المسلمين» أمام «الأكلة» من الصهاينة والصليبية العالمية، ومن على دربهم سار، وقد تمثل خاطرته حملة على بدعة ضارة أو عادة اجتماعية خبيثة، أو ما دار في هذا الفلك، وكانت الخاطرة لا تزيد على ثلاث مئة كلمة، ولكنها كانت - بما تتمتع به من «تكثيف» و«تقطير» في التقييم وجمال عرض - شهادة حقيقية بأن الغزالي من أبرع من يكتب «الخاطرة» في عصرنا هذا، وبذلك اجتمع لقلمه القدرة على كتابة «السفْر الضخم»، وكتابة الأسطر المقطرة الوافية، وما أصعبها إلا على أمثال الغزالي العظيم.
واحد من تلاميذه أنا..
وأشهد وأعتز بأنى كنت واحدًا من تلاميذ شيخنا محمد الغزالي، وما زلت، ولكننى - وأعترف - كنت تلميذًا «لفكر» أكثر منى تلميذًا «لمفكر»، كنت تلميذًا أتلقى، أكثر منى تلميذًا يلتقي، فقد عشت الغزالي: فكرًا، وأدبًا، وحصائل نفس وعقل وروح، أكثر من معايشة مجالس ولقاءات، وقد يكون من أسباب ذلك سنوات غربة موزعة على قرابة ربع قرن قضيتها متقطعات بين الكويت وباكستان والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية.. غربة إرادية تهدف إلى تعليم الشباب في جامعات هذه البلاد أدبًا ونقدًا وفكرًا ودراسات نقدية وإسلامية.
ولكن واقعى النفسى يقول - بلا غلو أو إفراط وإسراف -: إننى إن فاتنى «الرسم» فما فاتنى «الوسم»، وإن كانت «سيما» المؤمنين في وجوههم من أثر السجود، فإنى رأيتها في شخصية الغزالي التي جمعت في أقطار النفس بين التواضع واستشعار العزة واستعلاء الإيمان، وجمعت في أقطار القلب بين روحانية دفاقة، وواقعية لا تجور، وجمعت في أقطار العقل بين سعة الأفق، والحسم، والقدرة على النقد والنقض والإقناع. إنه الحضور الدائم للشيخ العظيم:
وما كلّ مفقود يُراع لفقدِهِ
ولا كل حيٍّ فائقٌ ومحبّب
ولا كل من يحيا الحياة بحاضرٍ
ولا كل من في القبر ماضٍ مغيّب
فإن خلود المرء بالعمل الذى
يقودُ مسار الخير لا يتهيبُ
عزيزًا مع الحق القويم.. منارةً
تشد إليها كل قلب وتجذب
فالغزالي ما غاب، وما زال - وسيظل - حاضرًا فائقًا، وإن غاب برسمه وجسمه، وهذه سمة العظماء الأجلاء من البشر، أيًا كانت مواقعهم في دنيا الناس... قيادة ورياسة وجندية، وفكرًا وأدبًا وشعرًا.
ولكنى أعود فأقول بصدقية المحب المتابع: إننى عشت الغزالي وسمًا ورسمًا وجسمًا وحسًا وشعورًا وصوتًا، ومجالسة ومصاحبة، ومعاناة وفكرًا؛ فقد اكتشفت أن بين «المادى الغزالي»، و«المعنوى الغزالي» ترادفًا؛ لأنه كله يمثل منظومة اسمها محمد الغزالي، ذات أنساق متسقات، وإن اختلفت في الأشكال، كباقة الزهر تجمع بين الورد والنرجس والفل والريحان، ولكنها جميعًا تلتقى في سمات ثلاث: التلاحم والجمال والتقطير.
وهكذا كان شيخنا الغزالي، اتساقًا في الفكر، ودقة في العرض، وإيمانًا بالمقول، وتوافقًا في الأعطيات، وقوة في الإقناع والاستمالة، ولا نزاع.
قطوف من الشجرة الشامخة
وأشهد أننى - وأنا طالب في بداية المرحلة الثانوية أواخر الأربعينيات - فتحت عينى وعقلى وقلبى معايشًا متتلمذًا على بواكير أعطياته الفكرية: الإسلام والأوضاع الاقتصادية (1947م) والإسلام والمناهج الاشتراكية، والإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين، ثم الإسلام والاستبداد السياسى، وتأملات في الدين والحياة، وعقيدة المسلم، وخلق المسلم، ثم كتاب: من هنا نعلم (1950م) الذى قصم ونقض فيه كل ما كتبه: خالد محمد خالد: من هنا نبدأ، وعشرات من الكتب بعدها.
وزيادة على ما أثريته من هذه الكتب في مجالات العقيدة والفكر ومناهج التناول والمعالجة والبحث والخلق الإسلامي العتيد... خرجت بأدب رفيع آسر جميل «وإن من البيان لسحرًا»، فالرجل - رحمه الله - كان يعرض الحقائق الإيمانية، والمضامين الفكرية، وقواعد الدين والخلق في أسلوب طلى أخاذ، يشد القارئ إلى المعروض - كتابًا أو مقالاً، أو خطبة، أو محاضرة - ويحقق له المتعة الوجدانية، زيادة طبعًا على الحصائل الفكرية... إنه يقدم الدواء في «عصائر» طيبة المذاق، فواحة الأريح، منزهًا عن التجرد والجفاف، فجاء نقيًا نديًا، يؤتى أكله - بإذن ربه - كل حين، وإن كل شريحة من شرائحه النصية في أى كتاب من كتبه لتصلح شاهدًا على هذه السمة: حلاوة الأسلوب وطلاوته، وتدفقه وقوة أسره، ونقدم في السطور الآتية بعض القطوف التى تدل على هذه السمة:
1 - إذا دهمتك شدة تخاف منها على كيانك كله، فما عساك تصنع؟ تدع الروع ينهب فؤادك، والعواصف الجائحة ترمى بك في مكان سحيق، أم تقف مطمئنًا، وتحاول أن تتلمس بين هذه الضوائق مأمنًا يهديك إليه الفكر الصائب؟(6)
2 - ... والحق أن الرجولات الضخمة لا تعرف إلا في ميدان الجرأة، وأن المجد والنجاح والإنتاج تظل أحلامًا لذيذة في نفوس أصحابها، وما تتحول حقائق حية إلا إذا نفخ فيها العاملون من روحهم، ووصلوها بما في الدنيا من حس وحركة.
وكما أن التردد خدش في الرجولة، فهو تهمة للإيمان، وقد كره النبي (ص) أن يرجع بعدما ارتأت كثرة الصحابة المصير إليه(7).
3 - الرجل صاحب الرسالة يعيش لفكرته، ويعيش في فكرته، فحياته فكرة مجسمة تتحرك بين الناس، تحاول أبدًا أن تفرض على الدنيا نفسها، وأن تغرس في حاضر الإنسان جذرها ليمتد على مر الأيام والليالى فروعًا متشابكة تظلل المستقبل. وتتغلغل فيه(8).
4 - إن محمدًا وصل الناس بربهم على ومضات لطاف من تقدير العظمة ورعاية النعمة، فهم إذا انبعثوا لطاعته كانوا مدفوعين إلى أداء هذه الطاعات، بأشواق من نفوسهم، ورغبات كامنة تجيش بتوقير العظيم وحمد المنعم.
والعبادة ليست طاعة القهر والسخط، ولكنها طاعة الرضا والحب، وليست طاعة الجهل والغفلة، ولكنها طاعة المعرفة والحصافة(9).
التمثل والاستشهاد
ومن اللوازم الأسلوبية للغزالي الإكثار من الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية والحكم السلفية، والمأثور من الشعر القديم، وكذلك بعض الشعر الحديث، وهو يملك موهبة بصيرة قادرة على التقاط الشواهد، ووضعها في أنسب مكان لها، فيتحقق الانسياب والاندماج والتوافق، وكأن شواهده - غير القرآن والأحاديث النبوية - ما صيغت إلا للنص المعروض، ومن دقة اختياره المأثورة الآتية في سياق النعى على أدعياء الدين والتدين، الذين يفرطون في دينهم من أجل الحياة الناعمة، وزهرة الحياة الدنيا:
«عن مالك بن أنس قال لي أستاذي ربيعة:(10)
يا مالك، من السفلة؟ قلت: من أكل بدينه. فقال: من سفلة السفلة؟ قلت: من أصلح دنيا غيره بفساد دينه»، فصدقني (أي قال لي: صدقت).
وقال الفضيل بن عباس: «لأن آكل الدنيا بالطبل والمزمار أحب إليّ من أن آكلها بدين»(11).
ولا يكاد فصل من كتاب للغزالي - وأكاد أقول صفحة - يخلو من شاهد من شواهد الشعر القديم يلتحم بنثره كأنهما يخرجان من مشكاة واحدة، يقول الغزالي:
«وإنني بعدما بلوت الناس أجدني مضطرًا لأن أقول: محِّض عملك لله، وانشد ثوابه وحده، ولا تنتظر أن يشكرك أحد من الناس، بل توقع أن يضيق الناس بك!! وأن يحقدوا عليك، وأن يبتغوا لك الريبة، وينسوا الفضل!! وأن يكونوا كما قال الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحًا
عنى وما سمعوا من صالحٍ دفنوا
جهلاً علينا، وجبنًا عن عدوهمُ
لبئست الخلتان: الجهلُ والجبنُ(12)
وللشعر الحديث مكان في كتاباته وخطبه، ومن كلماته: «فالنهج الأقوم أن يكون مصدر طاقتنا المادية والمعنوية هو الحق وحده.
وماذا على المريض المصاب بقرحة الأمعاء، لو أنه حسب الموت نُقلة من بلد إلى بلد، وماذا لو تحمل نبأ العلة التى أصابته بطمأنينة وتسليم لأنه يؤمن بالله، ولا يحزن من لقائه، وإن اقترب موعده؟! ومن أبيات للشاعر محمد مصطفى حمام:
علمتنى الحياة أن حياتى
إنما كانت امتحانًا طويلا
قد أرى بعده نعيمًا مقيما
أو أرى بعده عذابًا وبيلا
علّ خوفى من الحساب كفيلٌ
ليَ بالصفح يومَ أرجو الكفيلا
عل خوفى يردنى عن أمورٍ
خبثتْ غايةً وساءت سبيلا
وعد الله من يُنيب ويخشى
بطشه رحمة وصفحًا جميلا
وبحسبى وعدٌ من الله حقٌ
إنه كان وعده مفعولا»(13)
الوجوه المتقابلة
وفي أداء الشيخ يكثر توظيف التضاد، أو ما يمكن أن نسميه «الوجوه المتقابلة»، وما يسمى فنيا «المفارقة»، وهو أسلوب «يعتمد بصفة أساسية على عرض المتناقضات، أو المتقابلات، فهو يقتضي وجود «طرفين» تربط بينهما علاقة الضدية، وقد تكون المفارقة بين لفظين كالأبيض والأسود، كما تكون بين صورتين أو لوحتين متقابلتين لهدف فني أو فكري»(14)، ويسميها بعضهم «بلاغة الأضداد»(15).
والتناقض في المفارقة التصويرية فكرة تقوم على استنكار الاختلاف والتفاوت بين أوضاع كان من شأنها أن تتفق وتتماثل، أو بتعبير مقابل: تقوم على افتراض ضرورة الاتفاق فيما واقعه الاختلاف(16).
وواضح أن الهدف الأساسي من المفارقة هو خلق التمييز القوي الواعي لإدراك الفرق الشاسع بين الوجهين المتقابلين، فبضدها تتميز الأشياء، وذلك يكون قوة نفسية دافعة للمتلقي أن يختار الوجه الأحسن الأفضل.
ونقدم في السطور التالية نموذجين لهذه المفارقة، أو «الوجوه المتقابلة» من كتابات الشيخ:
1 - النفس المختلة تثير الفوضى في أحكم النظم، وتستطيع النفاذ منه إلى أغراضها الدنيئة، والنفس الكريمة ترقع الفتوق في الأحوال المختلة، ويشرق نبلها من داخلها، فتحسن التصرف والمسير وسط الأنواء والأعاصير.
إن القاضي النزيه يكمل بعدله نقص القانون الذي يحكم به، أما القاضي الجائر فهو يستطيع الميل بالنصوص المستقيمة.
وكذلك نفس الإنسان حين تواجه ما في الدنيا من تيارات وأفكار، ورغبات ومصالح.

ومن هنا، كان الإصلاح النفسى الدعامة الأولى لتغلب الخير في هذه الحياة، فإذا لم تصلح النفس أظلمت الآفاق، وسادت الفتن حاضر الناس ومستقبلهم(17).
2 - تمثيلية الصلاة في إطار من غيبوبة عقلية تامة، هل له من صلاته شيء؟ إننا لن نعده مبارزًا بالعصيان، وتاركًا للفريضة، لكن هل هذه التمثيلية تزكي نفسًا، وترفع رأسًا؟
هذا المصلى الذاهل صنو المؤمن المقلد، وكلاهما لا تنهض به حياة، ولا يرشد به مجتمع؛ لأن كليهما معطوب من داخله، وأجهزته النفسية والفكرية في حالة ركود، على أن خطورة هذا النوع من التدين تبدو في ميادين الأعمال العادية، فالرجل صاحب الفكرة أو صاحب الدعوة يتفاعل مع الحياة العامة، وتتفاعل معه؛ لأنه يستحيل أن يتحرك بمعزل عنها، فإن كان صاحب عقل يقظان، ويقين وثّاب فرض نفسه عليها، وطوع كل شيء حوله لما يريده.
والبيئة الفاضلة أثر أناس لهم شرف وهمّة، والبيئة المائعة أثر أناس أمرهم فرط، وأخلاقهم سائبة.
والأمة المجاهدة صنْع أناس يغالون بإيمانهم، ويسخرون ما يملكون لدعمه، ويوجهون مواهبهم العلمية، وأنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية لخدمة ما يعتنقون.
والمؤمنون المقلدون، والمصلون الذاهلون ينفعلون، ولا يفعلون، ويقادون ولا يقودون، ويعيشون وفق ما يقال لهم، لا ما توحيه ضمائرهم(18).
من ملامح الأداء التعبيرى
ومع سهولة الأسلوب وتدفقه وحلاوته نرى السجع قليلاً في عباراته، وأكثر منه الازدواج، فالأسلوب في مجموعه أسلوب مرسل لا تكلف فيه ولا تصيد، كما أنه في أدائه يكثر من التكرار المعنوي أو ما يسمى بالترادف، أى أداء المعنى الواحد بأساليب متعددة بهدف تأكيد المعنى وترسيخه، كما أنه يزيد من امتداد جاذبية الأسلوب، ومن ثم تقوية ارتباط القارئ بالمقروء تحقيقًا للغرض المرجوّ المنشود.
ومع ذلك نجد في «التكرار المعنوي» بعض الفروق الكمية بزيادة محدودة في المعنى، أو ملمحًا - ولو ناصلاً - بفتح الطريق لزيادة في التفكير والتوليد، ومن التكرار المعنوي قوله:
«ونظرت للقراء الذين يطالعون الصحف، والجمهور الذي يسمع الإذاعة، فما وجدت جبينًا مقطبًا، ولا عينًا دامعة، ولا تعليقًا محزونًا!! إنهم يقرءون أخبارًا لسكان كوكب آخر!!
إن الغزو الثقافى نجح أتم نجاح في إماتة الأخوة الإسلامية، وإهالة التراب عليها»(19).
ومن سماته الأسلوبية إيثار نوعين من الجمل: الجمل المساوية التي تأتي على قدر الفكرة المعبرة عنها، وأكثر منها الجمل الطويلة التي تتسع للفكرة المنبسطة الممتدة، كما رأينا في نص سابق: «والبيئة الفاضلة أثر أناس لهم شرف وهمّة...
والأمة المجاهدة صنع أناس يغالون بإيمانهم...
وتجسيم المعنويات - أي إبراز المعنوي في صورة حسية - وكذلك تشخيص الجامد ببث الروح والنبض فيه - فكأنه حي من الأحياء - هي ظاهرة مطردة في التصوير عند الغزالي، كما نرى في الأمثلة الآتية:
- ولن يتم تذوق النفس لبرد الرضا بإصدار أمر جاف، أو فرض تكليف أجوف، كلا، فالأمر يحتاج إلى تلطف مع النفس، واستدراج لمشاعرها النافرة، وإلا فلا قيمة لأن تقول: أنا راض، ونفسك طافحة بالضيق والتقزز!! وأول ما يطلبه الإسلام منك أن تتهم مشاعرك حيال ما ينزل بك(20).
لقد جسم الغزالي الرضا، والأمر، والتكليف، والضيق والتقزز.. فبدت في صورة حسية مجسَّدة، كما شخص: النفس والمشاعر؛ فإذا بها في صورة حية نابضة.
وهذه الظاهرة التصويرية - زيادة على ما فيها من طرافة - تبرز المعروض أمامنا كأننا نراه رأى العين، فيزيد إحساسنا به، ومعايشتنا له.
تأثر بالأداء القرآنى
وكل ما ذكرناه آنفًا من الملامح الموضوعية والفنية في نثر الغزالي إنما جاءت أثرًا من آثار معايشته للأسلوب والمضامين القرآنية، وعن السمة الأخيرة يقول شهيد الإسلام سيد قطب: «التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن، فهو يعبر بالصورة المحسَّة المتخيلة عن المعنى الذهنى والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور، وعن النموذج الإنسانى، والطبيعة البشرية، ثم يرتقى بالصورة التى يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة، أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنسانى شاخص حى، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية..»(21).
والمفارقة أو «الوجوه المتقابلة» من أبرز سمات الأسلوب القرآنى، وخصوصًا في عرض مشاهد القيامة كما نرى في الآيات الآتية:
{هل أتاك حديث الغاشية. وجوه يومئذ خاشعة. عاملة ناصبة. تصلى نارًا حامية. تسقى من عين آنية. ليس لهم طعام إلا من ضريع. لا يسمن ولا يغنى من جوع. وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية. في جنة عالية. لا تسمع فيها لاغية. فيها عين جارية. فيها سرر مرفوعة. وأكواب موضوعة. ونمارق مصفوفة. وزرابي مبثوثة}(22).
فالغزالي عاش القرآن معنى ومبنى، وتربى على مائدة الإسلام بعقيدة قوية، وعقلية ناضجة، وحافظة واعية، فلا عجب أن يتأثر بالأسلوب القرآنى، وطوابعه الفنية، ومضامينه وتوجيهاته الإنسانية.
هذا عن الغزالي كاتبًا وخطيبًا.. أي الغزالي ناثرًا، فماذا عن الغزالي الشاعر؟
الشاعرية والشاعر
وهو في الثامنة عشرة من عمره، وكان طالبًا في السنة الرابعة من المعهد الدينى الثانوي صدر لمحمد الغزالي ديوان شعر باسم «الحياة الأولى»(23)، وفى طبعته الأخيرة(24) قرأنا لأستاذنا الكبير الدكتور مصطفى الشكعة تقديمًا، بل دراسة ضافية للديوان وشعر الفقهاء: مناحيه وموضوعاته وتطوره، وهي دراسة من ثمانين صفحة، أي بعدد صفحات الديوان نفسه.
و«الحياة الأولى» عنوان كالمنشور الزجاجى الذى يعطى ألوان الطيف السبعة، مع أن مصدرها شعاع واحد.
وكذلك هذا العنوان قد يبادر ابتداء فيعطينا دلالة دينية تعني (الحياة الدنيوية)، استلهامًا لقوله تعالى: {وللآخرة خير لك من الأولى}(الضحى: 4)، وقد يعطي دلالة زمانية.. تعني أنه «شعر الحياة الأولى»، أى الشبيبة الباكرة.
وقد يكون المقصود «الأولوية» بمفهومها القيمي، لا «الأوَّلية»، بمفهومها الزمني، كأن الديوان يرسم الحياة الأوْلى - بفتح الهمزة وتسكين الواو - أي الحياة «الأجدر» بأن تعاش دينًا وخلقًا وسلوكًا.. فهي صاحبة المرتبة الأولى - بضم الهمزة - متقدمة على كل المراحل.
ونقرأ القصيدة التى استهل بها ديوانه، فإذا عنوانها: «الحياة الأولى أو نحو المجد»؛ مما يشى بأنه يريد الدلالات الأخيرة، وإن أشار إلى الدلالة الزمانية في مطلع القصيدة:
ثمانى عشرة مرت سهادًا
أُردتُ على المنام ولن أُرادا(25)
ويقول الدكتور الشكعة: «.. هكذا طمأن الشيخ قارئ شعره من مجرد أن تقع عيناه على عنوان أولى قصائده أنها سيرة ذاتية رفيعة المحتوى، بل هي منهج لسيرة ذاتية سوف يقوم الشيخ الشاب على التزامه في مسار نقى، ومضمار نظيف، سعيًا إلى مستقبل مجيد، ومكانة رفيعة، كل ذلك القول الرصين أطلقه الشاعر، وهو ابن ثمانية عشر ربيعًا»(26).
والديوان خلا تمامًا من الغزل حتى البريء منه، وخلا من الهجاء والنفاق، والمدح الكاذب، وكل ما يشين ذوي المروءة، ولكنه عالج الحكمة والإخوانيات، والتعبير عن ذاته وسلوكه، ومكارم الأخلاق والإنسانيات والروحانيات في طوابع ووجهات صوفية، وتحدث عن بعض مظاهر الطبيعة كالفجر والشروق والشمس وبعض الموضوعات الوطنية(27).
فشعره إذن دار حول محاور ثلاثة رئيسية لا يكاد يتعداها، وهي:
1 - قصائد الطرح أو الدفق الروحى والأخلاقيات.
2 - قصائد الطبيعة.
3 - قصائد الوطنية أحداثًا وشخصيات.
حقائق ثلاث
وبين يدى الديوان تطالعنا - بعد معايشة قصائده - بضع حقائق تتلخص فيما يأتي:
1 - المعروف أن الشعراء الإسلاميين، وذوي التوجهات الدينية، وأكاد أقول شعراء العربية بعامة، وخصوصًا في شعر الشباب والبدايات، يميلون بل يكثرون من النظم في المناسبات الإسلامية كذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم والهجرة، والإسراء والمعراج، وبدر، والفتح.. وغيرها، وعلى ذلك كان شوقي و حافظ، وأحمد محرم، ومحمد الأسمر، ومحمود غنيم، وعزيز أباظة وغيرهم.
ولكننا لم نجد شاعرنا الغزالي يخوض هذا المخاض، وينظم في هذه المناسبات التى تهم كل مسلم، وهو مَنْ هو تدينًا وفقهًا، واعتزازًا بالإسلام.
وقد يفسر ذلك بأن الشاعر قد استغرقه شعر الدفق الروحى التصوفى، فوجد فيه ما يكفيه مئونة هذه الموضوعات من شعر المناسبات.
وربما جاء هذا التوجه كنوع من «الاعتزاز الذاتى» دفعه إلى إغفال نهج الآخرين، وتوجههم الموضوعى والفنى.
2 - في عناوين كثير من قصائد الغزالي عرامة وقوة إيحاء بعيدًا عن المباشرية والتصريح، مثل: الزمن السَّحور - سرى وثرى - نور الحقيقة - صمت الريف الهامد - الموت الضال في مرض الطفولة - سقطت ولما تنضج - النور الغريق - الشروق في القبور - ابن الظلمات.
وأشهر من نجد عنده هذه السمة في العصر الحديث الشاعر محمود حسن إسماعيل - رحمه الله - فمن عناوين قصائده: أحزان الغروب - ثورة الضفادع - الناي الأخضر - لهيب الحرمان - سجينة القصر - أدمع ومآتم - أغاني الرق - عبيد الرياح - جلاد الظلال - حصاد القمر - عاشقة العنكبوت - هدير البرزخ(28).
3 - الغزالي في تشكيله الشعري اتباعي كلاسيكي فهو ينهج النهج الخليلي في نظام القصيدة: الوزن الواحد والقافية الواحدة، وهو يعتز بهذا «النظام» ويُخلص الولاء له في مغالاة؛ حتى إنه يرى أن الخروج عليه يُخرج الإبداع من وصف الشعرية ليدخله دائرة النثر، ولذلك حمل حملة شعواء على ما سماه «بالشعر المرسل»، فهو - في نظره - تقليد أعمى لما يكتبه الغربيون، وهو انسلاخ منكود من النظام الشعرى العربى الأصيل الذى أرسى قواعده من قرابة عشرين قرنًا، وهو لا يزيد على كونه تقطعًا عقليًا في الفكرة المعروضة كأنها أضغاث أحلام، أو خيالات سكران، في ألفاظ يختلط هزلها وجدها، وقريبها وغريبها، وتراكيب يقيدها السجع حينًا، وتهرب من قيوده أحيانًا.
فالسمة الغالبة على هذا اللغو لا تتخلف أبدًا: التفكير المشوش، أو اللاتفكير، والتعبير الذى يجمع الألفاظ بالإكراه من هنا ومن هنا، ويحاول وضعها في أماكنها، وتحاول هى الفرار من هذه الأماكن(29).
ونأخذ على هذا الرأى أنه خلط بين مصطلحات ثلاثة: الشعر المرسل، والشعر الحر، وقصيدة النثر، ومقصد شيخنا الحملة على الشعر الحر لا الشعر المرسل، وهما مختلفان:
فالشعر المرسل Blank Verse: هو الشعر الذي يلتزم بوحدة الوزن مع اختلاف القافية(30)، ولعبد الرحمن شكري كثير من هذا النوع، ولكنه لا يجد له نصيرًا في الوقت الحاضر.
أما الشعر الحر Free Verse، أو شعر التفعيلة فهو الشعر الذي لا يلتزم بوحدة الوزن أو وحدة القافية(31)، فهو متحرر من الوزن الواحد والقافية الواحدة، ولكنه يجعل «التفعيلة» - لا البحر - أساس الوزن. ورائد هذا اللون - في الأدب العربى - بدر شاكر السياب بديوانه «أزهار ذابلة»، أو نازك الملائكة بقصيدتها «الكوليرا» على خلاف في ذلك.
وما يسمى بقصيدة النثر - وهي ترجمة للمصطلح الفرنسى Poeme en Prose - هناك شبه إجماع على صعوبة وضع تعريف جامع مانع لها، وإن كان الرافضون لها - وما أكثرهم - يسجلون عليها ما تحتويه من فوضى وانقلاب وتمرد عشوائى، وتنكر لكل مفاهيم البناء والشكل، وخصوصًا البناء الموسيقي(32).
وتؤكد «سوزان برنار» أنه يوجد في قصيدة النثر - في آن واحد - قوة فوضوية مدمرة تميل إلى رفض الأشكال الموجودة، وقوة منظمة تميل إلى وحدة شاعرية(33).
ونح