انتابتني عدة خواطر أثناء مشاهداتي الكثيرة والمتنوعة لتغطيات ما قبل مباراة مصر والجزائر وما بعدها والأحداث التي هيجت كثيراً من المصريين من اعتداءات همجية لغوغائيي الجمهور الجزائري بالسودان ، وما تبعه من تحذيرات الموقف الرسمي المصري للحكومة السوادنية بإمكانيات التدخل ، ومن استدعاء السفير المصرى بالجزائر للتشاور ..

وما صحب ذلك من صراخ الإعلاميين المصريين ودعوتهم للانكفاء على الذات المصرية وترك الأخوة العربية ومراجعة الموقف من الشعوب العربية الأخرى والاهتمام بالشأن الداخلي المصري ..
هذه الأحداث مجتمعة هيجت عدة خواطر أردت تسجيلها لك عزيزي القارئ في محاولة للفهم والتدبر ..
 
أولاً : أكدت هذه الأحداث والصرخات الإعلامية انهيار " القومية العربية " وعدم وجود مقوم ثبات يحصنها ضد الاختلافات أو المحن .. وهى القومية التي صدع العلمانيون العرب رؤوسنا منذ الخمسينات والستينات والسبعينيات بأهميتها وفرضيتها والقيام برعايتها .. وكل ذلك كان محاولة يائسة فاشلة لإيجاد مقوم للأمة خلاف الإسلام الذي يكرهه أولئك العلمانيون .. إلا أن الله يأبى إلا أن يتم نوره .. ويبين سبحانه لنا فشل هذه المشاريع المناهضة للدين وللأمة الإسلامية وبأيدي من ؟ .. بأيدي العلمانيين العرب أنفسهم .
 
ثانياً : أعجب بشدة من تغير المواقف وتلونها لدى العديد من هؤلاء ، وعلى رأسهم شوبير .. وكنت آليت على نفسي ألا أكتب عنه ولكني عجبت كيف له من أسبوعين فقط يزور الجزائر ويدعو إلى التصالح معهم ويكرم هناك ويلبس عباءة جزائرية ويذيع الاحتفال على قناته الملاكي " الحياة " .. ثم بعد الأحداث .. وبعد ظهور الموقف الرسمى المصرى ووضوح بوصلته المضادة للجزائر .. إذا به ينادى بموقف فاصل ضد الجزائر .. ورفضه للتكريم الذى لاقاه هناك وطلبه من الجميع أن ننكفئ على ذاتنا ونبحث عن قضايانا الداخلية وننسى ما يسمى العرب والعروبة !!!
هذا التغير في الموقف لا مبرر له .. إلا إذا كانت " رحلة الجزائر " لأسباب أخرى يسئل عنها شوبير و " مرتضى منصور " ..
 
ثالثاُ : الإعلام الرياضي المصري إلا أقل القليل ، سريع جداً في اتخاذ المواقف والقرارات ، فلمجرد سلوك غوغائي لمجموعة من جماهير الجزائر تجدهم يطالبون بموقف فاصل وانكفاء على الذات كما ذكرنا .. ونسوا أن المصريين أيضاً يملكون هذه المجموعات الغوغائية التي يمكن أن تدمر كل شئ في طريقها أثناء لحظات عصبيتها ..
وأن كل أمة لديها غوغائيون يمكن أن تصدر منهم تصرفات مؤذية وتخريبية عند الخصومة حتى ولو في مباراة كرة .. وإلا فبماذا تتذرع الحكومة المصرية في منعها لنا من المظاهرات المؤيدة للقدس أو للقضاة أو لأي قضية مصيرية ، أليس بحجة أن هناك من يسير بالمظاهرات وهمه التدمير والتخريب !! على تهافت هذا المنطق ..
وإلا فلماذا سموا تظاهرات المصريين العشوائية في العهد الساداتي بانتفاضة الحرامية .. أليس ذلك نسبة للغوغاء ، وأن بالمصريين غوغاء ..
وأيضاً فلماذا ينسوا أو يتناسوا هذه العصبية المقيتة التي يتمتع بها الغوغائيون المصريون في مباريات الكرة الداخلية بين جماهير الأهلي والزمالك والإسماعيلي والمصري ... أليس هؤلاء مصريون  .. فماذا يحدث للأهلي مثلاً بالإسماعيلية وبورسعيد ( أقرب مثال في العام الفائت .. في الإسماعيلية والقاهرة .. وحذاء شيكابالا الذى رفعه للجمهور .. ودفعة الناشئ الزملكاوي حازم إمام في صدر كابتن منتخب مصر أحمد حسن والفارق بينهما في العمر يقرب من العشرين عاماً .. وشتائم الجماهير للحضري ولإبراهيم سعيد و ....... )
هل سنطالب الأهلاوية بالانكفاء على الذات وإعلان الحرب على الزملكاوية أو الإسماعيلاوية ؟!!!!
لماذا ينسى الإعلاميون ذلك الهم المصري الداخلي .. وهم يتحدثون عن غوغائيي الجزائر ..
 
رابعاً : الموقف الرسمي المصري المستأسد على الجزائر .. لماذا لا نراه إلا أمام بعض – ولاحظ – بعض إخواننا العرب دون غيرهم ..
 وأين هذا الاستئساد أمام الصهاينة وهم ينتهكون سيناء بغارات حدودية ، وأين هذا الاستئساد وعمالتنا المصرية تنتهك في الخليج ..
هل هو حقيقة تصفية حساب نتيجة اختلاف مواقف سياسية بين الحكومتين ؟ ولماذا الاستئساد أمام السودان بالتصريح بالتدخل ، أو أمام الجزائر بسحب السفير للتشاور ؟

ولماذا لم تستأسد الحكومة المصرية ونحن نرى الجنود والضباط يصرعون على الحدود برصاصات اليهود ( الطائشة ؟ ) 


 خامساً : الظهور الفج لأبناء الرئيس في مباريات الكرة في استفزاز صريح لمشاعر المواطنين الذين لا يرون الرئيس وأبناءه إلا بمباراة كرة ..
فأين كان أبناء الرئيس من كارثة الدويقة .. وأين كانوا من مآسي القطارات في أماكن مختلفة .. وأين كانوا من مشهد حريق الشورى .. وأين كانوا من غرق العبارة وضحاياها ..

لماذا لا نرى أبناء الرئيس إلا في أوقات اللهو ومباريات الكرة ..

والنفاق بالكاميرا لمخرج المباراة وذلك بتسليط الضوء على انفعالات أبناء الرئيس عند الأهداف لنا أو علينا .. وكأن مصر هي ابني الرئيس .. ولا سيما الوريث المزعوم ..
ومحاولة التسييس للمباراة بحضور هذا الكم من الوزراء والنواب وأعضاء لجنة السياسات بخلاف ابني الرئيس .. الذين جميعاً كأنهم رأوا النصر في السودان فأرادوا أن يسرقوا الفرح .. وأراد الله لهم أمراً أخر فكان ..
 

سادساً : تثبت الأيام أهمية الإعلام المرئي والفضائيات على التأثير في تشكيل وعي الأمة وتوجيه فكرها .. وهى وقفة ضرورية لكل مصلح لعلنا نستفيد منها ، ولعل المصلحين المخلصين يسعون في جهادهم لتأسيس فضائيات تحمل الفكرة وتوقظ الأمة من غفلتها ..

سابعاً وأخيراً : هذا الاجتماع اللافت للنظر للشعب كله على مباراة كرة بكافة طوائفه الاجتماعية والسياسية والدينية ( إلا القليل ) .. 
 هل هو حقيقة كما يزعمون مقياس لتوحد أمة على قضية وطنية .. أم هو اتباع للأهواء والشهوات .. شهوة كرة القدم وتشجيعها ..
 هل هو حقاً جانب إيجابي لقضية مصيرية اجتذبت كافة الأعمار والأطياف فتوحدت عليها ولها ..
أم هي خيبة أمل في أمة نسيت قضاياها المصيرية داخلياً أو خارجياً .. واجتمعت على الملاهي ..
كيف لأمة تعانى من لقمة العيش ومن الإسكان ومن المواصلات ومن المياه ومن المرافق الأدنى الضرورية للحياة ومن انتشار الأوبئة وضعف الصحة ومن التعليم ومن الزواج والعنوسة ومن الفقر ومن الاستبداد ومن الطوارئ ومن القهر ومن المحاكمات العسكرية ومن .... كيف لأمة هذه معاناتها أن تتفرق وتتشرذم وتتقوقع بالبيوت ولا تنفر لهذه القضايا بينما تتوحد هكذا وتفرغ نفسها وتعطل مصالحها لمباراة كرة ..
كيف لأمة انتهكت أرضها واغتصبت نساؤها في فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان وفى الصين وفى الهند .. بل وفى داخل بعض البلاد العربية .. كيف لها أن تنسى هذه الهموم ولا تجتمع عليها وتجتمع لمباراة كرة ..

كانت هذه بعض خواطر المتابعة الإعلامية للفضائيات الرياضية .. وهى كما ترى – عزيزي القارئ – خواطر متفرقة قد لا يربط بينها رابط .. إلا أنى رأيت أن أسجلها لك .. لعلنا نقف عند بعض ما فيها بالتأمل والتدبر الدافع على تغيير هذه الأوضاع المؤلمة للأمة الإسلامية لعلنا نفيق ونتذكر أخوتنا الإسلامية العاصمة لنا من التفرق والاختلاف ..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت .. أستغفرك وأتوب إليك ..