محمد الشبراوي :
 
المشهد الهوليودي للقبض على وزير الزراعة المصري الدكتور صلاح هلال  بعد خروجه من لقاء رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب وهذا الحضور اللافت  لوسائل إعلام تابعة للنظام سجلت عدساتها المشهد المهين والميلودرامي المحبوك  لعميلة القبض يضع علامات أستفهام كبرى حول حقيقة الأتهامات الموجهة للرجل والمقاصد من ورائها.
 
 النيابة العامة بحسب المنشور أعلاميا وجهت الأتهام بالرشوة لكل من وزير الزراعة ومدير مكتبه والإعلامي محمد فودة الذى وصفه البيان بأنه الوسيط في عملية تسهيل الرشوة.
 
وجود محمد فودة في هذه القضية علامة أستفهام كبري  في حد ذاته خاصة أن ملف محمد فودة معلوم وسوابقه  فى عهد وزير الثقافة فاروق حسنى المحصن بحماية الأجهزة السيادية لم تمنع من فتح أبواب المال والشهرة والكتابة فى صحف تحظى بالرعاية المباشرة للجهات السيادية ؟!
 
الدكتور صلاح هلال عُين وزيرا للزراعة فى الخامس من مارس 2015  أى أنه قضى في هذا المنصب حتى تقديم أستقالته حوالي خمسة شهور وخمسة أيام ومنذ اليوم الأول لتوليه حقيبة الزراعة في مصر صرح بأنه جاء للقضاء على الفساد وقد كانت تصريحاته جميعها تركز على هذا الجانب.
 
فى تصريحات صحفية تداولتها وسائل أعلامية لخيري حسن المتحدث باسم وزارة الزراعة  يوم الأثنين الثامن من سبتمبر2015  ذكر أن الوزير صلاح هلال هو من قام بإبلاغ الجهات المختصة عن الفساد فى الوزارة  ولكن فوجئنا بالقبض عليه.
 
 التناول الأعلامي لخبر القبض على الوزير صب فى ناحية تأكيد الأتهام على الرغم من أن الأمر مازال قيد التحقيق ولا معلومات سوي التى تتردد إعلاميا ويريد النظام نشرها  كذلك جاء التناول للخبر مصحوبا بإشارات لأتهام وزراء آخرين حاليين وسابقين  مع التركيز على أن الأمر بتوجيهات من السيسي وأن مصر الآن تعيش زمنا جديدا فى عهد السيسى ؟!
 
الفساد ماء الحياة للنظام المصري.
 
البعض يتساءل هل  حقا يريد النظام المصري القضاء على الفساد؟
 
 أعتقد أن الواقع  الذى تعيشه مصر الآن  يعطي الأجابة الشافية  حول ما إذا كان السيسي ونظامه يريدون  حقا محاربة الفساد م أم أن الأمر خلافا لذلك  أم أن الأمر لا يعدو كونه مشاهد خاطفة ومسكنات لحظية وتصفية حسابات وحرب تكسير عظام  و إعادة تدوير للنظام  عبر عملية إحلال وأبدال لشخصيات عهد  مضى بشخصيات عهد حاضر.
 
الحقيقة الواضحة والجلية هى أن الفساد ماء الحياة للنظام المصري  ومن ثم فالقضاء على الفساد يعني القضاء على النظام ذاته لذلك لا يتصور أحد أن النظام سيقتل نفسه بيديه أو أن السيسى يمارس حملة ضد الفساد فالسيسي نفسه جاء بالفساد والأنقلاب.
 
التوجه الواضح في أختيارات من يتولون حقائب وزارية ومسؤوليات مختلفة منذ عهد مبارك يؤكد أن النظام يبحث في كافة المناصب عن المجروحين في قضايا فساد مالية أوأخلاقية وغيرها حتى أن  أصبح  الأمر منهجيا وازداد رسوخا بعد الأنقلاب فكثير من الشخصيات التى تم أختيارها ملفاتهم متخمة بقضايا فساد وتعيين الزند وزيرا للعدل خير مثال و دليل على منهجية السيسي ونظامه.
 
رئيس الوزراء إبراهيم محلب الرجل رقم ثلاثة في لجنة المائة  التي كانت تجهز لتوريث جمال مبارك وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل  متهم بقضايا فساد منذ كان مسؤولا عن شركة المقاولون العرب  سافر على أثرها خارج البلاد وعاد بعد ذلك رئيسا للوزراء؟!
 
الرجوع بالذاكرة لعهد مبارك وقضايا الفساد الكبرى  التى تم كشفها في عهده لمسؤولين ووزاء أحدهم هو الدكتور محيي الدين الغريب وزير المالية  الأسبق في القضية المعروفة (بقضية الجمارك الكبرى) والذى كان أتهامه  مصحوبا بصخب أعلامي كبير وقضت محكمة النقض بعد ذلك ببراءته و ثبت تلفيق القضية له من جهات رسمية بتواطئ من عاطف عبيد رئيس الوزراء واللواء هتلر طنطاوي رئيس الرقابة الأدارية  وعلى عين حسني مبارك رأس النظام لتأتى ثورة 25 يناير فتكشف فساد عاطف عبيد وهتلر طنطاوى وفساد مبارك وأنه الراعي الأول للفساد في  مصر هو حاشيته المقربة و إذا بذلك كله يصير في خبر كان منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013.
 
قوانين السيسى و تشريعات مابعد الثالث من يوليو 2013 تُنشأ الفساد و ترعاه.
 
كثير من التشريعات المصرية على مدار عقود فتحت الباب لتوطين الفساد عن عمد فى مصر وبعد الثالث من يوليو كان أسوأ القوانين من نصيب عهد السيسي حيث صدرت حزمة من القوانين السيئة السمعة بطريقة متسارعة كان القاسم المشترك بينها زيادة هيمنة السلطة وإنشاء الفساد ورعايته و ترسيخ أقدامه ، ولعل أبرز التشريعات الصريحة في تقنين الفساد و رعايته يتمثل في قانون تحصين عقود الدولة من الطعن و تعديلات قانون المناقصات والمزايدات الخاصة عبر فتح الباب لأسناد المشروعات لجهات بعينها بالأمر المباشر؟ كذلك التعديلات الأخيرة على قانون الكسب غير المشروع التي صبت في مصلحة رجال عهد مبارك ومن بعدهم من الناهبين والمفسدين؟!.
 
المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات جمع وجهازه ملفات متخمة بالفساد (وكذلك جهاز الرقابة الأدارية الذى يحتل نجل السيسى منصبا رفيعا فيه ) و قد تداول الأعلام مرارا عبر حواراته ما صرح به عن فساد جهات سيادية وشخصيات نافذة فى النظام و رجال أعمال لكن طوال الفترة الماضية لم يقترب ولن يقترب أحد من هذه الجهات فما قام به المستشار هشام جنينة كان بمثابة الورقة الرابحة لعبد الفتاح السيسي وأحد أدوات السيطرة  الهامة على  المشهد من خلال استخدام الملفات بما يصب في المصلحة الشخصية لعبدالفتاح السيسى عبر تطويع واستخدام أصحاب الملفات و كذلك استخدامها كورقة من أوراق التلميع بين وقت آخر للفت الأنتباه وأثارة الغبار والضباب بعيدا عن المصادر الأصلية للفساد المستشري في مصر وأشغال الجماهير عن الحقيقة الصادمة للحالة المصرية.
 
في مصر أموال المصريين تهدر على جهات عديدة منها ثلاث جهات رئيسية لدعم السيطرة والهيمنة وهى الجيش والشرطة والقضاء وأى فساد يُكشف عنه لا يقارن بحجم الفساد المستشتري في تلك الجهات والذى تداولت معلوماته الكثير من التقارير وكشفت عنه العديد من المصادر.
 
وزير الزراعة المستقيل صلاح هلال إذا كان حتى اللحظة متهما في قضية رشوة أي أنه و فقا للقانون لم تثبت إدانته والأتهام مازال في طور التحقيق فإن فى مصر من ثبتت إدانتهم من قبل فيما هو أفدح وأكبر من أتهام صلاح هلال ولم يقترب أحد منهم ويحظون برعايات سيادية ورئاسية.
 
قضية وزير الزراعة وغيرها من القضايا التي سيتم إثارتها هى أشبه بالأسماك الصغيرة جدا التى يبتعلها حوت كبير ليتغذى ويبقى حيا  وماهى إلا نقطة صغيرة في محيط هادر من الفساد يغرق مصر بأكملها.
 
التوقيت وطريقة الإعلان عن الأتهام  والإخراج السينمائى الردئ لعملية القبض على الوزير المستقيل تحمل إشارات لا تقبل الشك حول المقاصد من قضية كهذه فهى تلميع  في المقام الأول وتمهيد لأبراز  شخصيات ستطرح على الساحة و تحمل رسائل عديدة لمن هم مع وللمتأرجحين وللطامعين .
 
غير أن أهم ما نستطيع أن نخلص إليه فى ظل المرحلة الحالية أن ثمة توجه استراتيجى لدى من يقود المشهد  لنقل مصر بسرعة  من مرحلة فساد الأفراد والمجموعات المحدودة والنخب إلى فساد مؤسسي مقنن لقطاعات بأكملها يضرب اركان الدولة من جيش وشرطة وقضاء وأقتصاد بما يؤدي إلى تدمير مصر بالكامل. لذلك خدعوك فقالوا وزير الزراعة فاسد ولكن الحقيقة أن الفساد ماء الحياة وسفينة النجاة لمن يحكمون مصر حاليا.