بقلم : إسماعيل إبراهيم 
 
كما يوجد في بلاد المسلمين تنظيم (داعش)، الذي ينتسب زورا إلى الإسلام، كذلك يوجد في بلاد الحريات والحضارات تنظيم داعش الذي ينتسب زورا أيضًا إلي الديمقراطية، وهي (أمريكا).
 
لست أدافع عن داعش، ولا ألتمس لها الأعذار، بل هي وما تقوم به محل إنكار من كل مسلم يفهم دينه حق الفهم، لكن أريد تسليط ضوء مماثل على ما قامت وتقوم به أمريكا، من تصرفات لا تختلف كثيرا عن تصرفات (داعش).
 
لو نظرنا إلى أعداد من قتلته أمريكا (داعش الديمقراطية) ، لوجدناها أضعاف أضعاف ما قتلته داعش (المنسوبة للإسلام)، غير أن القتل في حالة أمريكا باسم الديمقراطية والحرية والحضارة!
 
• احتلال أفغانستان:
كانت رد فعل فوري على هجمات (11 سبتمبر)، حيث حدد بوش الابن المتهم قبل انقشاع غبار برجي التجارة العالمي، وبدأ الحرب قبل مضي شهر واحد (7 أكتوبر 2001)، وكأن خطة الحرب معدة مسبقًا، والجميع على أهبة الاستعداد للحظة المنتظرة. 
 
والنتيجة (150) ألف قتيل في أفغانستان وباكستان، معظمهم من المدنيين، وارتفاع زراعة وإنتاج المخدرات في أفغانستان إلى خمسة أضعاف عما كان عليه قبل الاحتلال، وتدمير الاقتصاد الأفغاني، والقضاء علي البنية التحتية.
 
• احتلال العراق: 
بدأ الغزو الامريكي للعراق عام 2003م، ودخلت الدبابات الأميركية بغداد، وسقط صدام وأعدم، بدعوى تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتبينت الحقائق بعد ذلك أنه لم يكن هناك أسلحة دمار شامل، وإنما هي ادعاءات وحجج وذرائع واهية روجها الأمريكان لاحتلال العراق.
 
ثم كانت آثاره المدمرة على العراق: تقسيم العراق إلى ثلاثة كتل، وظهور الصراع بين الشيعة والسنة والأكراد، حتى صار إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وقتل مئات الآلاف، وسجن مئات أخرى، وشرد الملايين وصودرت حريتهم، وعذبوا بشتى أنواع التعذيب، واغتصبت النساء، هذا غير تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولم يبق من العراق إلا اسمه فقط.
 
• التواطؤ مع نظام الأسد في سوريا:
وبعد أن اندلعت الثورة السورية، وقام نظام الأسد المجرم بقتل أكثر من (300) ألف سوري، وتشريد الملايين من أبناء الشعب، وتدمير مدن وقرى بأكملها: لم تتحرك أمريكا، ومن معها من الغربيين ممن يتشدقون بالحرية، لتلبية أبسط مطالب المعارضة السورية؛ بإعلان منطقة حظر جوي، لم تستجب له، ومؤخرا قاموا بتدريب عشرات ممن سموهم المعارضة المعتدلة، ثم فرضت منطقة حظر طيران وغطاء جوي لهم، وحذرت نظام الأسد من قتالهم. ألم يكن الأجدر بها أن تحمي المدنيين؟!!
 
•  دعم الانقلاب العسكري في مصر:
حين قام الانقلاب العسكري في مصر، وما تلاه من أحداث ومجازر، في الحرس والمنصة ورابعة والنهضة... إلخ، وقتل الآلاف من المسالمين، وسجن عشرات الآلاف، وقتل الناس في الشوارع، واغتصب الشباب والفتيات في السجون، ، لم تتحرك الادارة الأمريكية وتركت السيسي وأعوانه - رجالها في مصر - يفعلون ما يحلو لهم، بل دعمتهم بالأسلحة والطائرات، وباركت جميع خطواتهم صراحة أو على استحياء، وأرسلت وزير خارجيتها، في كل حدث ليمنح الانقلاب شرعية موهومة، في (المؤتمر الاقتصادي، وإعادة الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي الذي توقف من ست سنوات، وافتتاح قناة السويس الجديدة) وما يستجد من أحداث، بل أكثر من ذلك غيرت القانون من أجل المعونة العسكرية.
 
 • دولة الحريات تنتهك الحريات: 
أما سجلها في الحقوق والحريات فحدث عن انتهاكاتها ولا حرج، سجن جونتانمو، وسجن أبو غريب في العراق، وعشرات السجون السرية حول العالم، بالمخالفة لدستورها الذي يقدس حقوق الانسان وحرياته، واعتمدت التعذيب كوسيلة مشروعة في استجواب السجناء، ووضعت الملايين على قوائم المراقبة، وتنصتت على المكالمات الهاتفية وعلى رسائل البريد الالكترونية للجميع، حتى رؤساء الدول الحليفة، ، واغتالت طائراتها بدون طيار عشرات الآلاف من المدنيين، ثم كان الاعتذار الفج (عن طريق الخطأ وجاري التحقيق!!)، حتى أنها قد اغتالت مواطنين أمريكان بهذا الأسلوب البربري الهمجي.
 
فإذا كانت داعش الأولى (تنظيم الدولة) تبرر قتل الناس باسم جهاد الكفار، فالثانية تبرر قتل الناس باسم الحرية والديمقراطية والحضارة!! وإن كانت الأولى نبتت وترعرعت بسبب الظروف التي لم تخلقها، من الظلم والطغيان، الذي يمارسة الحكام والأنظمة المستبدة، وهيمنة الدول الكبرى، فالثانية تخلق الظروف والأحداث، لتقتل العباد، وتدمر البلاد، وتنهب خيراتها.
 
وكلا المسلكين يتبرأ منه الدين والخلق، والحقوق والحريات، والحضارة والمدنية.