هشام المنصور
 
فلترتفع الرايات ولتتجهز المسارح ولتدفع الملايين فمصر ترقص كما رقصت بمعسكرات الجنود قبل فضيحة 1967، ولأن تفكير العسكر لا يتغير وكما مرر تمثيلية الانتخابات عبر عدة هزات لوسط الفتيات أمام اللجان فكذلك يفعل في افتتاح توسعة لقناة السويس إذا صدقت توقعاتهم فإنها ستدر نصف مليار دولار سنوياً ولأن العسكر انفقوا عليها 64 مليار جنيه أي ما يعادل نحو 9 مليار دولار أي أن القناة لن تدر عائد فعلياً إلا بعد 18 عاماً من تغطية مصاريف أنشائها.
 
وثمة تشابه كبير بين الترويج لحفل قناة السويس وما سبق المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في مارس من هذا العام وما صاحبه من دعاية ومزايدة علنية على حجم المليارات المتدفقة على مصر وأهلها، فكلاهما روج له على أنه الحدث الذي سيغير مصر من حال إلى حال وأنه حالة النجاح المرتقبة والنقطة الفاصلة في حياة الانقلاب ولربما قبلة الحياة لنظام لا يملك مقومات بقائه منذ ظهوره على مسرح الأحداث، وإذا كانت المقدمات متشابهة فمن المؤكد أن النتائج ستكون متطابقة فكما استيقظ المصريون بعد المؤتمر على تضخم الديون واعتماد موازنة بعجز فاق كل التوقعات وبلغت المساعدات والمنح الخارجية المتوقعة ملياري جنيه خلال العام المالي 2015/2016 في حين أن التصريحات الرسمية التي صاحبت هذا المؤتمر أعلنت عن أكثر من مائة ملياردولار ستتدفق على مصر ولم يحدث شئ.
 
ومع هذه الحقائق فلماذا تنفق الدولة ملايين الدولارات على حفل القناة؟ في الوقت الذي تعاني فيه من عجز غير مسبوق في الموازنة وانهيار للعملة والإجابة قد تكمن في تحقيق هدف عظيم من وجهة نظر الانقلاب يكمن في تخدير الشعب لينسى غرق العشرات أو حرقهم في مصانعهم أو زيادة في أسعار الخدمات وبعض وسائل النقل، وذلك بترويج نوع جديد من المخدرات للشعب الذي لا يجد بصيص أمل ويلجأ إلى الانتحار أو قتل أبناءه لمواجهة الفقر ويكفي أن تقرأ خبراً في جريدة مصرية يوم 31 يوليو نصه (أب يلقي بأبنه الرضيع من الطابق الرابع بالأسكندرية لمروره بضائقة مالية) قد يكون الخبر معبراً عما آلت إليه الأوضاع في مصر، وقد يعبر عن ذلك أكثر تصريح من رئيس مجلس لوزراء الانقلاب يدعو الشباب المتعلم الذي تحيط به البطالة من كل جانب بأن يتجه إلى سياقة التوك توك، وقد دعاهم سابقاً قائد الانقلاب إلى العمل على عربات الخضار في سوق العبور بالقاهرة، فأين مليارات الاستثمارات التي بشر بها  المؤتمر الغابر؟!.
 
 ولأن المخدر يجب أن يستمر أكبر فترة ممكنة للمتعاطي وكلما حاول الإفاقة تلاحقه بجرعة زائدة، فإن جرعة قناة السويس جاءت لتعالج زوال أثر المؤتمر الاقتصادي، ليعيش الشعب بدعوى (مصر بتفرح) أو (مصر بترقص) إلى حين يتم تجهيز مؤتمر جديد واحتفال أخر لننتقل من إدارة الدول بالاستراتيجيات والخطط إلى الإدارة بالمؤتمرات والاحتفالات والمخدرات الإعلامية.
 
ولربما يكون هذا الزخم الإعلامي الموجهة هو للبحث عن نقطة نجاح في وسط مستنقع الفشل الذي يحيط بالعسكر في كل الميادين ولا يستثنى منها الميدان العسكري الذي نراه في سيناء كل يوم، والحقيقة على الرغم من أن هذه النقطة إذا حدثت لن تغير شئ فمن المستبعد حدوثها في ظل إدارة تعمل بلا رؤية سوى رؤية الزعيم الأوحد الذي تتحقق أحلامه بمزيد من الدماء التي تسيل بلا توقف.
 
ومن يختزل مشكلة مصر في الخروج من أزمتها الاقتصادية فهو واهم، فمليارات الخليج تدفقت داعمة للانقلاب ظناً منها بأن الشعب المصري تحركه معدته، فضاعت المليارات وبقيت الثورة مشتعلة في نفوس الأحرار، إن الألاف الذين قتلوا في ميادين مصر لم يخرجوا طلباً لتخفيض الاسعار أو زيادة الرواتب والمخصصات المالية بل خرجوا يطالبون بالحرية وحقهم في الحفاظ على أصواتهم الانتخابية التي أهدرها العسكر.
 
فمهما أزداد صخب الاحتفال وكثر عدد المشاركين وكثرت المؤتمرات والاحتفالات للهروب من الواقع المر في مصر فلن يحدث استقرار إلا بزوال الانقلاب واسترداد إرادة الشعب المغتصبة.