بقلم/ ماهر إبراهيم جعوان
 
يمر الفرد في دعوة الإخوان بأطوار متعددة ليرقى في سلم التربية فتتعمق الأخلاق وتسموا النفوس وتسلم العقيدة وتصح العبادة بشمولها وكمالها وبهائها وتصحح المفاهيم وتصوب الأخطاء ويشع الفكر نورا على صاحبه ودوائر حركته واحتكاكه.
فلا عجب أن نرى عظيم التضحيات والصبر والثبات ونصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم نزولا في الميادين والشوارع والحارات في الإعلام والصحافة والندوات والمؤتمرات للصدع بكلمة الحق في وجه سلطان جائر.
فهذا طبيعي في إطار هذه التربية العظيمة وفي سبيل المشروع الإسلامي الحضاري الكبير مشروع أهل السنة والجماعة الذي يربون أنفسهم وأهليهم وأبنائهم وأحبابهم عليه
آملين في الوصول إلى قمته بالنصر أو الشهادة.
ولكن العجب كل العجب عندما يسلك كثير من البسطاء والعوام والشباب والعلماء والمفكرون والأدباء وغيرهم من اتجاهات شتى فردية كانت أو جماعية إسلامية التوجه أو غير إسلامية ملتزمة أو غير ملتزمة رجالا ونساءا صغارا وكبارا أغنياء وفقراء أميين ومتعلمين أو طالبي علم فيسلكوا ذات المسلك، فهذا من نور الحق الذي يقذفه الله تعالى في قلوب الصادقين المخلصين من كل الاتجاهات المحبة لدينها وأمتها وأوطانها مضحية بكل غال وثمين في سبيل نصرة الحق المبين، يخرجون لا لغرض ولا منفعة ولا مصلحة إلا أن يكونوا أنصارا لله وحده
يريدون الفوز والنجاة ك(مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) البخاري.
 
وما يزيد من عجبك من تراهم جميعا وقلوبهم شتى (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) يسقطون سقوطا مزريا ليس لأنهم جبنوا أو خذلوا أو كذبوا ولكن لأنهم يثبطون من علت همتهم ويثيرون حولهم الشبهات والشهوات ويدعمون القاتل الخائن ويمدونه بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، يكتمون ويبدلون كلام الله ولا يبيننه للناس ويشترون به ثمنا قليلا فبئس ما يصنعون.
 
والله إنها لمفارقة عجيبة تذكرنا بالمهاجرين والأنصار، فالمهاجرون رضى الله عنهم أخذوا حظا وافرا من التربية والتضحية والصبر وكف اليد وكظم الغيظ استمرت من بعثته ﷺ وحتى غزوة بدر ما يقرب من خمسة عشر عاما.
بينما الأنصار رضى الله عنهم لم يلازموه ﷺ إلا عامين اثنين حتى فرض الجهاد وبدأت التضحيات وثبت الجميع ثبات الرجال الأبطال وأروا الله من أنفسهم خيرا ونالوا خيري الدنيا والآخرة (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا).
 
فمعاً جميعا نصل لغاية التربية اﻹسلامية وهى الحياة بحرية في سبيل الله أو الموت بعزة في سبيله ليرضى عنا ويقبلنا، وتلك الغاية أحق بها كل مخلص عامل لدينه ولاسيما الأحرار أصحاب السبق سريعي الخطى رواد الهمم العالية والقلوب المخلصة والعمل المتواصل.
فشجرة الحرية تروى بدماء الأحرار وتضحياتهم حتى تعمق جذورها وتقوى ساقها وتنضج ثمارها فإذا متنا في سبيها دبت بها الحياة.