شعبان عبد الرحمن  
 
ثلاثة وستين عاما  هي عمر المسافة بين الانقلابين ..مسيرة مليئة بالآلام.. الأول استقبله الشعب المصري بفرحة غامرة لأن المأمول منه كان التخلص من الاستعمار والملكية الفاسدة .. والثاني أحيط بتمثيلية هزلية عن ملايين خرجت لتأييده بدعوي تخليص البلاد من حاكم ظالم كما صوره الإعلام المصنوع والمعد جيدا .
الأول قامت به حركة ضباط أحرار من الشباب توفرت لها حاضنة شعبية كبري من الشعب المتعطش للاستقلال وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين والثاني قام به وزير دفاع بتأييد من الكنيسة والتيار العلماني والأزهر الرسمي وفلول نظام مبارك وظن الناس أنها انقلابات وطنية خالصة وتبين أنها انقلابات ضد الشعب نفسه ولصالح الحفاظ علي المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة وقد أثبت ذلك عشرات الوثائق ومذكرات شهود انقلاب يوليو ( كعينة إقرأ : لعبة الأمم – ثورة يوليو الأمريكية – كلمتي للمغفلين لمحمد جلال كشك – مذكرات ثروت عكاشة – حوار أحمد حمروش لمجلة نصف الدنيا بتاريخ 26 / 10 / 1997 ) . والحال مع انقلاب 3 يوليو أبقي من المقال.  
 
الأول  أعلن عن خريطة طريق لخلاص البلاد تمثلت في مبادئ يوليو الست التي كان أولها إقامة حياة ديمقراطية سليمة وآخرها تحقيق العدالة الاجتماعية ولم يتحقق منها سوي العكس تماما والثاني طرح خريطة طريق لحكم البلاد جاءت في حقيقتها لتكريس حكم العسكر والعسكر فقط .
الأول تخلص من كل القوي السياسية الموجودة علي الساحة في البلاد ثم استدار للقوة السياسية والاجتماعية الأكبر ( الإخوان المسلمين ) فحاول القضاء عليها عبر حملتي اعتقال غير مسبوقتين في 1954م و1965م تم خلالها الزج بأكثر من 35 ألف معتقل وأعدم فيها عشرة من قيادات الإخوان وقتل العشرات الآخرين . والثاني بدأ بحملة واسعة من الاعتقالات طالت حتي اليوم ما يقرب من خمسين ألف معتقل وحكم قضاءهم المسيس بالإعدام علي المئات في مقدمتهم الرئيس المنتخب والمرشد العام للجماعة .أما بقية القوي السياسية التي أيدته فجاري التخلص منها ... وقد التزمت  الحكومات الغربية ومنظمات حقوق الانسان الصمت إلا من بعض الهمهمات الخجولة ذرا للرماد ..وهل تحتج واشنطن والصهاينة علي جرائم هندسوها ونسقوا لارتكابها .
الأول والثاني اتخذ القضاء والإعلام والقبضة العسكرية أدوات رئيسية لتتثبيت حكمه .. كان قضاة محاكم انقلاب 23 يوليو في المحاكم الرئيسية هم العسكر أنفسهم .. حسين الشافعي – أنورالسادات – جمال سالم – صلاح سالم – الدجوي وكانت أحكامهم جزافية بل حفلت بسخريات من القرآن الكريم فضلا عن المتهمين من الإخوان كطلب جمال سالم من أحد المتهمين قراءة الفاتحة بالمقلوب ! نفس الأمر تكرر مع قضاة 3 يوليو .. أحكام بالاعدام بالجملة في دقائق معدودة ومن أول جلسة . وإعلام الانقلاب في الانقلابين كان البوق الزاعق لتبرير وتجميل ما يجري وذر الأمل في العيون ولكنه كالسراب .
في عهد انقلاب 23 يوليو سادت أجواء الاستهانة بالإسلام وعلمائه وفتح المجال علي مصراعيه لكل المعتقدات المخاصمة للإسلام .. الشيوعية – الاشتراكية – الإلحاد  وتم إلغاء القضاء الشرعي وتأميم الأزهر وأهملت معاهده واليوم تسود نفس الأجواء بل ألعن حتي في إعلام رمضان ويتبني الدعوة للإلحاد ويهاجم النصوص الدينية الإسلامية ولأول مرة نسمع عبارة " محلد لكنه مسلم "! وأصبحت مؤسسة الأزهر ضمن مؤسسة الانقلاب كتفا بكتف وتمت مصادرة المدارس الإسلامية النموذجية وتم تجريف المدارس الحكومية من المدرسين ذوي التوجه الإسلامي وتخليص كل المؤسسات من أي رائحة إسلامية حتي حضانات المواليد في المستشفيات الخيرية .
انقلاب 23 يوليو حول مصر من دولة دائنة لبريطانيا إلي دولة مدينة  وولد مراكز قوي أثرت ثراء فاحشا علي حساب الشعب وتجبرت عليه وانقلاب  3 يوليو وضع البلاد كلها في قبضة العسكر ويتم نزح  ثروات مصر ويسير وفق خطة ممنهجة لإفقار وتجويع الشعب المصري .
انقلاب 23 يوليو صنع الحاكم الفرد المتأله علي الشعب .. لا برلمان ولا مؤسسات رقابية ولا رأي آخر وإنما فقط حاكم واحد ورأي أوحد .. وهو نفس ما يجري اليوم .. لا برلمان ويتم إبطال مفعول الجهات الرقابية وتشويه الدور الذي تقوم به بل وتهديد من يجرؤ علي القيام بدوره الرقابي ويكشف فسادا وهشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات نموذجا .  
 انقلاب 23 يوليو هزم في كل الحروب التي خاضها وأشهرها حرب 67 وقبلها تم تبديد الجيش في اليمن وتورط في انقلابات في الأردن والعراق وغيرها ... والانقلاب الحالي  تورط في الاعتداء علي ليبيا وشارك وفي الحرب بجنوب السودان لصالح سيلفا كير وتم اسر جنوده ونشرت الصحافة السودانية صورهم بل إن انقلاب اليوم سخر الجيش لحرب الشعب المصري والقوات المنتشرة في ربوع مصر تشهد .
 لو وسعنا دائرة البحث والنظر وعدنا  بالقضية إلي جذور الصراع الدائر في العصر الحديث بين المشروع الصهيو- غربي من جانب والمشروع الإسلامي الناهض بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924م من جانب آخر نجد أن الصلييبية العالمية ( الغرب ) والصهيونية( الحركة الصهيونية ) تقف بالمرصاد لأي بروز إسلامي وتعمل علي اجتثاثه أولا بأول .
أحكام الإعدام التي صدرت بحق الرئيس محمد مرسي وقيادات الثورة المصرية و قادة الإخوان هي حلقة من حلقات القضاء المبكر على أي بادرة تمكن للإسلام ومشروعه الحضاري .
وهي استمرار لما حدث مع قادة الحركة وكل الوطنيين الشرفاء من اغتيالات ومحاكمات واعدامات وسجون وتشريد متزامنا مع حملات اعلامية ضارية على الاسلام .
جريمة الرئيس محمد مرسي لدي الأمريكان والصهاينة هي نفس جريمة كل الأحرار والشرفاء ، هي نفس جريمة قائد الجماعة الكبرى الدكتور محمد بديع وهي نفس جريمة أكثر من أربعين ألف حر تم الزج بهم في غياهب السجون ليموتوا في صمت .. وهي هي نفس جريمتهم التي حوكموا عليها سبع محاكمات عسكرية في عهد مبارك وهي هي نفس جريمة قادة الإخوان المسلمين ورجالهم تحت مقاصل عبد الناصر في محنتي 1954 و1965م بل وهي نفس جريمة مؤسسهم الشيخ حسن البنا الذي دفع حياته ثمنا ودفع الآلاف حريتهم ثمنا لها في سجون إبراهيم عبد الهادي في عهد الملكية .
ما يجري اليوم للرئيس محمد مرسي حدث مع آخرين مثله أرادوا لبلادهم ولشعوبهم التحرر والاستقلال بعيدا عن الهيمنة الأمريكية الصهيونية فقد تم إعدام رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس رئيس وزراء تركيا شنقا عام 1961 بعد انقلاب عسكري مجرم عام 1960 م عقابا له علي إعادة الآذان جهرا باللغة العربيبة فاعتبر ذلك بادرة نحو إعادة تركيا للاسلام من جديد . بل وتم قتل الرئيس التشيلي اليساري المنتخب سلفادور أليندي ( 1908 م – 1973) زعيم تحرير شيلي والذي انقلب عليه العسكر واعدموه بمساعدة امريكا ..إلخ  .
عراب انقلاب 23 يوليو هو عراب 3 يوليو هو محمد حسنين هيكل متعهد الانقلابات العسكرية في مصر وصاحب وصفات وضع الشعب المصري في قفص العسكر الحديدي .
وبعد .. متي نقرأ التاريخ جيدا لنعي ما يدبره الغرب الاستعماري والصهاينة  لأمتنا وحاضرنا ومستقبلنا ؟!
 
صفحة الكاتب  علي فيس بوك https://goo.gl/1tPW7C