عبد الحميد البلالي :
 
بعد أن أنهى الشيخ «نعمة الله» حديثه الإيماني للمخمورين في المرقص الذي زاره في ألمانيا، و بدؤوا يبكون ندماً وتفاعلاً مع هذا الحديث الذي لم يستمعوا إلى مثله من قبل، تعاهدوا معه على التوبة النصوح، وطلب منهم أن يرافقوه إلى المسجد القريب من المرقص ليصلوا، برهاناً على توبتهم الصادقة.. وبدؤوا يخرجون من المرقص طابوراً يتكئ بعضهم على بعض بصحبة بعض الدعاة الذين كانوا يرافقون الشيخ، إلا واحداً منهم كان ثملاً إلى درجة عدم القدرة على المشي، فنـزل الشيخ من منصة المسرح واتجه إليه مع أحد الدعاة وأسنده إليه على كتفه، وأخذه إلى المسجد، فوضأه أولاً، ثم أدخله إلى المسجد، وصلى ركعتين، في منظر عجيب.. ومضت الأيام على هذه الحادثة، وفي إحدى السنوات كان الشيخ «نعمة الله» في زيارة إلى المدينة المنورة شرفها الله .. وإذا برجل يتقدم نحوه، ويقبل رأسه ويقول له: يا شيخ ألا تذكرني، فيرد الشيخ بالنفي، فيقول له الرجل: أنا المخمور الأخير ..
 
هكذا هي دعوة الله تعالى في الكلمة الطيبة، فهي كما قال في كتابه الكريم كالشجرة الطيبة أصلها ثابت في الأرض وفروعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. هذا الأُكل يراه الداعية أحياناً في حياته منة من الله تعالى، وتحفيزاً له ليستمر في دعوته بقوة وثبات، وأحياناً أخرى لا يرى الداعية ذلك الأكل، وربما يظهر بعد وفاته، أو لا يراه إلا يوم القيامة في كتابه الذي يعطاه في يمينه يتلألأ نوراً، وجبالاً من الأجر، بسبب كلمة أو كلمات أو خطبة أو خطب، أو عمل أو أعمال خير كان يريد بها وجه الله، فنماها الله تعالى لصاحبها، وأنتجت ثماراً يانعة وآتت أكلها أجيالاً بعد أجيال، وكانت كالصدقة الجارية، التي تستمر بضخ الحسنات إلى صاحبها حتى بعد وفاته، إنها بركة الدعوة إلى الله، وإنه الاجتباء والاصطفاء الإلهي لبعض من يحبهم الله من خلقه، فيجعل منهم دعاة إليه ورثة الأنبياء، والداعين الناس إلى ربهم وعبادته.