عادة انتشرت بشكل كبير بين كثير من الأسر المسلمة , وخصوصا في فصل الصيف وأيام الإجازة من المدرسة , حتى تحولت إلى ظاهرة يمكن رصدها بالعين المجردة , وأضحت مشكلة تربوية اجتماعية تحتاج إلى توجيه وتنبيه وحل .
 
بداية لا بد من القول بأن جلوس الأولاد في الطريق قد تعدى حدود المعقول أو المقبول , وتجاوز نطاق الترويح عن النفس و تجديد النشاط وتبديد الملل والسأم , ووصل إلى درجة العادة و الإدمان المذموم , ويكفي مثالا على ذلك أولاد الحي الذي أسكن فيه , فمعظمهم يقضي ساعات طويلة من النهار والليل في الشارع والطريق , الأمر الذي ينجم عنه آثار سلبية على الفرد والأسرة والمجتمع .
 
ومن هنا فإن تسليط الضوء على هذه الظاهرة أضحى من الضرورة بمكان , فأمثال هذه الممارسات والسلوكيات الخاطئة المخالفة لأوامر وتوجيهات ديننا الحنيف لها تأثير كبير وآثار سلبية شديدة الخطورة على الأولاد , خصوصا في سن الطفولة ومرحلة اكتساب القيم والمبادئ والأخلاق .
 
أول مخالفة لأوامر الإسلام يقع فيها الآباء والمربون حين يتركون أولادهم في الطرقات لفترات وساعات طويلة هي : مخالفة أمر الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بعدم خروج الصبيان للطريق في وقت غروب الشمس , ففي الحديث جابر بن عبدالله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إذا جنح الليل - أو أمسيتم - فكفوا صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم ..... صحيح مسلم برقم/97
 
جاء في تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم : أي امنعوهم من الخروج ذلك الوقت .... ( فإن الشيطان ينتشر ) : أي جنس الشيطان ومعناه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ .
 
والحقيقة أن الأجداد والجدات وكبار السن في زماننا يذكرون مدى التزامهم بهذا الحديث الشريف حين كانوا صغارا , ويقصون علينا كيف كانوا يدخلون إلى البيوت في وقت الغروب فلا تكاد ترى صبيا صغيرا في الشارع , بينما غفلت الكثير من الأسر اليوم عن الالتزام بهذا التوجيه النبوي , فترى الطرقات والأرصفة مزدحمة بالأولاد والصبيان والصغار والكبار على حد سواء .
 
ويبدو الفرق واضحا وصارخا بين جيل الآباء والأجداد الذين عاصروا وعايشوا عهد الالتزام بهذا التوجيه النبوي , وبين جيل الأولاد والصبيان المعاصر الذين لم يجدوا من يربيهم على هذا الهدي النبوي , فظهرت عليهم سلوكيات العجلة والاضطراب والتخبط والعبث ..... التي ربما يكون مصدرها التعرض لوقت انتشار الشياطين في وقت الغروب كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .
 
أمر آخر تبدو فيه مخالفة الأسر المسلمة واضحة اليوم لهدي النبي وتعاليم الإسلام فيما يتعلق بجلوس الأولاد في الطرقات , ألا وهو : عدم تعليمهم وتربيتهم على آداب الطريق التي أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عموم المسلمين الالتزام بها إن أبوا إلا الجلوس في الطرقات .
 
فقد ورد في الحديث عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا . فَقَالَ : إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ . قَالُوا : وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ ) . صحيح البخاري برقم/6229
 
والحديث وإن كان يخاطب المسلمين البالغين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعموم المسلمين من بعدهم , إلا أنه يشمل بلا شك أولاد المسلمين من حيث وجوب تعليمهم تلك الآداب وتنشئتهم عليها , ومتابعة ما يمكن أن يصدر عنهم من أخطاء وتجاوزات لتصويبها وتصحيحها , حتى يغدو جلوسهم في الطريق متوافق مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليم الإسلام .
 
والحقيقة أن التقصير في هذا الجانب التربوي باد وظاهر للعيان , ولعل السلوكيات السلبية التي يمكن لكثير من المسلمين ملاحظتها على الأولاد الذين يجلسون في الطريق تشير بوضوح إلى هذا التقصير , وتنذر بتفاقم الآثار السلبية لهذه الظاهرة إن استمر هذا التقصير أو لم يُتدارك بالتوجيه والتعليم والتربية .
 
ولعل أكثر ما يمكن ملاحظته من عدم الالتزام بتلك الآداب هو : كف الأذى , فعبث الأولاد بالممتلكات الخاصة والعامة أثناء جلوسهم في الطرقات أكثر من أن يحصى , وشكاوى أصحاب السيارات وغيرها من الممتلكات الخاصة في ازدياد مستمر , ناهيك عن مسألة العبث بالممتلكات العامة التي حرمت الكثير من سكان الحي الاستفادة منها .
 
بل إن الكثير من الخلافات والنزاعات بين بعض الأسر المسلمة في الحي الواحد أو العمارة الواحدة كان سببه الرئيسي عبث بعض الأولاد أثناء جلوسهم في الطريق بممتلكات الآخرين الخاصة , والتي دفعت بعض الأسر لترك منزلها وتغيير محل إقامتها أحيانا بسبب هذه الظاهرة .
 
وإذا كان العبث وعدم كف الأذى هو المظهر السلبي الأكثر وضوحا لظاهرة عدم التزام الأولاد بآداب الطريق أثناء جلوسهم فيه , فإن عدم تأدبهم بالآداب الأخرى التي نبه إليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد زاد من آثار هذه الظاهرة السلبية .
 
فغض البصر يكاد يكون معدوما عند كثير من الأولاد أثناء مرور الآخرين في الطريق , فمعظمهم يحدّق بالداخل والخارج والمار في الطريق , ويعلم تفاصيل ما يحمل كل واحد منهم وما يخرج به من بيته , و رد السلام لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكاد يكون عند الأولاد منكوسا , فبعضهم يأمر بالمنكر والعبث والأذى , وينهى عن البر والإصلاح والمعروف .
 
لا حل لهذه الظاهرة إلا بتضافر جهود مصادر التربية ومنابعها الأصيلة في البيت والمسجد والمدرسة نحو المعالجة بالتوجيه والتعليم والإرشاد , وإذا كان للمدرسة والمسجد أثر كبير في تصحيح ما سبق من أخطاء وتجاوزات , فإن دور البيت يبقى الأهم و الأكبر وصاحب المسؤولية الأعظم .