يُسدل الستار على عام 2025 تاركاً الاقتصاد المصري يئن تحت وطأة أزمات هيكلية عميقة، حيث شكّل هذا العام ذروة سياسات "إطفاء الحرائق" عبر التوسع في الاقتراض وبيع أصول الدولة لسداد أقساط الديون المتراكمة. فبينما روّجت الحكومة لبرامج الإصلاح مع صندوق النقد، كشفت الأرقام الرسمية عن عام اتسم بـ "نزيف العملة" عبر فاتورة استيراد الطاقة، و"عصر الجباية" عبر تحصيل ضريبي غير مسبوق، في حين ظلت الديون الخارجية سيفاً مسلطاً يلتهم عوائد التنمية المزعومة.
1. الديون الخارجية: الغرق في دوامة السداد
رغم التعهدات الحكومية بخفض الدين، إلا أن عام 2025 شهد استمراراً لارتفاع فاتورة خدمة الدين بشكل خانق.
• إجمالي الدين: سجل الدين الخارجي ارتفاعاً ليصل إلى نحو 161.2 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2025، مقارنة بـ 156.7 مليار دولار في مارس 2025، وذلك نتيجة لزيادة القروض الجديدة وفروق تقييم العملات.
• فاتورة السداد: وجدت الحكومة نفسها مطالبة بسداد فاتورة ثقيلة خلال العام، حيث قدر البنك الدولي التزامات مصر (أقساط وفوائد) بنحو 43.2 مليار دولار خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر 2025 فقط.
• خدمة الدين: ارتفعت تقديرات سداد فوائد الدين وحدها لتصل إلى أرقام قياسية، مما اضطر الدولة للاقتراض الجديد لسداد القروض القديمة في حلقة مفرغة لا تنتهي.
2. صندوق النقد الدولي: الوصاية المستمرة
شهد عام 2025 تعثراً واضحاً في العلاقة مع صندوق النقد، تخلله ضغوط "إصلاحية" قاسية.
• تأجيل المراجعات: في 3 يوليو 2025، أعلن الصندوق تأجيل المراجعة الخامسة ودمجها مع السادسة حتى خريف العام، بسبب تباطؤ الحكومة في تنفيذ شروط "تخارج الدولة" وتحرير سعر الصرف بشكل كامل.
• الاتفاق الأخير: بحلول 23 ديسمبر 2025، أعلن الصندوق التوصل لاتفاق "على مستوى الخبراء" بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة، مما يمهد لصرف شرائح مؤجلة بقيمة تقارب 2.5 مليار دولار، لكن ذلك جاء مشروطاً بمزيد من الإجراءات التقشفية ورفع الدعم.
3. التفريط في الأصول: بيع تحت ضغط الحاجة
تحت شعار "وثيقة سياسة ملكية الدولة"، تسارعت وتيرة بيع الأصول العامة لسد الفجوة التمويلية.
• حصاد البيع: استهدفت الحكومة جمع ما بين 2 إلى 3 مليارات دولار في العام المالي 2024/2025 من برنامج الطروحات. وشملت القائمة المستهدفة محطات توليد طاقة (مثل جبل الزيت والزعفرانة) وعقارات مملوكة للدولة، بالإضافة إلى طرح حصص في بنوك مثل "المصرف المتحد".
• نقل الملكية: شهد العام قرارات بنقل ملكية أراضٍ وعقارات لصندوق مصر السيادي تمهيداً لبيعها لمستثمرين عرب وأجانب، في خطوات وصفها مراقبون بـ "رهن أصول الأجيال القادمة" لسداد ديون آنية.
4. الضرائب: عام "الجباية" بامتياز
لجأت الحكومة إلى جيب المواطن والشركات لتعويض عجز الموازنة، حيث شهد 2025 طفرة في التحصيل الضريبي.
• الأرقام المستهدفة: استهدفت الموازنة العامة تحصيل إيرادات ضريبية تتجاوز 2 تريليون جنيه (تحديداً 2.2 تريليون للعام المالي 24/25)، بزيادة تتجاوز 30% عن العام السابق.
• التنفيذ الفعلي: أظهرت مؤشرات الربع الأول من العام المالي ارتفاع حصيلة الضرائب بنسبة 37%، لتصل إلى 566 مليار جنيه، مع توسع في فرض ضريبة القيمة المضافة وملاحقة الاقتصاد غير الرسمي.
5. أزمة الطاقة: نزيف الدولار وعودة الاستيراد
بعد سنوات من الحديث عن "الاكتفاء الذاتي"، عاد ملف الطاقة ليكون ثقباً أسود يلتهم العملة الصعبة في 2025.
• فاتورة الاستيراد: قفزت فاتورة استيراد المواد البترولية والغاز المسال (LNG) لتصل إلى نحو 1.2 مليار دولار شهرياً في المتوسط، وترتفع إلى 2 مليار دولار في أشهر الصيف لتفادي انقطاع الكهرباء.
• إجمالي الفاتورة: تشير التقديرات إلى أن فاتورة استيراد الوقود لعام 2025 كاملاً قاربت 15-20 مليار دولار، مما شكل ضغطاً هائلاً على الاحتياطي النقدي وأدى لتآكل عوائد السياحة والتصدير.
6. التجارة الخارجية: عجز مزمن
• الواردات والصادرات: رغم محاولات زيادة الصادرات، إلا أن فاتورة الواردات ظلت ضخمة بسبب الاعتماد على استيراد الغذاء والوقود ومستلزمات الإنتاج. ولم تفلح الحكومة في تحقيق حلم "الـ 100 مليار دولار صادرات"، حيث ظلت الصادرات غير البترولية تدور في فلك الـ 35-40 مليار دولار، بينما التهم استيراد الغاز أي وفرة تحققت من الصادرات البترولية.
7. بيئة الأعمال: غلق وهروب
• أدى نقص العملة الصعبة في فترات من العام، والتشديد الضريبي، وارتفاع تكلفة التمويل (الفائدة)، إلى تعثر العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتخارج بعض الاستثمارات الأجنبية التي لم تستطع تحويل أرباحها بسلاسة، مما عمق من أزمة البطالة المقنعة والركود التضخمي.
الخلاصة:
ينتهي عام 2025 ومصر تدور في حلقة مفرغة: تقترض لتسدد، وتبيع لتأكل، وتجبي الضرائب لتدفع الفوائد، في نموذج اقتصادي يفتقر لأي حلول إنتاجية مستدامة، ويضع مستقبل البلاد الاقتصادي على المحك.

