مصطفى عبد السلام
رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"
رسميًا، يشغل محمد معيط منصب المدير التنفيذي وعضو مجلس المديرين التنفيذيين وممثل المجموعة العربية والمالديف بصندوق النقد الدولي، وهو منصب دولي حساس شغله اقتصاديون مصريون وعرب مثل عبد الشكور شعلان، وتولى معيط منصبه خلفًا لمحمود محيي الدين الذي شغل المنصب على مدار دورتين منذ عام 2020.
ورسميًا، لا يشغل معيط حاليًا منصبًا في الحكومة المصرية، حيث تولى قبل سنوات منصب وزير المالية ولمدة سنوات طويلة، شهدت مصر خلالها أزمات اقتصادية ومالية صعبة ومعقدة صاحبها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والذي فتح الباب على مصراعيه أمام التوسع في الاستدانة، والقفز برقم الدين الخارجي إلى 161.4 مليار دولار مقابل 43 مليارًا قبل نحو عقد، وتهاوي مدخرات المصريين وقدرتهم الشرائية، وحدوث اضطرابات عنيفة في الأسواق عمقت الفقر والتضخم، وتعمق العجز في الموازنة وزيادة الفجوات التمويلية.
ورغم منصب معيط الدولي الحساس وعدم توليه منصبًا رسميًا داخل الدولة المصرية ظهر خلال الفترة الماضية وكأنه يتحدث باسم رئاسة الحكومة ومجلس الوزراء المصري، حيث وعد المصريين بالمن والسلوى في العام الجديد قائلًا إن المواطن سيبدأ بالشعور بـ"تحسن مستوى المعيشة، والإحساس بتحسن الدخول والمعاش" في مارس 2026، وأن هذه الفترة تمثل نهاية الإطار الزمني المتوقع للإصلاح الاقتصادي. كما يتحدث مطولًا عن قرب قطف ثمار الاصلاح الاقتصادي ليدخل في منافسة مع كبار المسؤولين في الدولة في إطلاق تلك التصريحات الوردية.
ودافع معيط عن سياسات الحكومة في السنوات الماضية رغم الكوارث الناتجة عن سياساتها الاقتصادية، حيث تحدث أشاد بنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أفقر المصريين وأذلهم، وقال إن المشروعات التي تم تنفيذها في مصر خلال 10 سنوات غيرت حياة المواطنين للأفضل، وإن الدولة نفذت مشروعات كبرى في مجالات الإسكان والكهرباء والطرق ووسائل النقل، ضمن جهود تحسين مستوى المعيشة وتحقيق حياة كريمة للمواطنين.
وفي مرات أخرى يتقمص معيط دور وزير المالية حينما يطرح حلولًا لأزمة المالية الحالية التي تمر بها مصر، زاعمًا أنها ليست بسبب الاقتراض، بل يدين الحكومات السابقة، إذ قال إن "فوائد الديون بلغت نحو 480 مليار جنيه عند بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2016، وقفزت إلى ثلاثة أضعاف لتصل اليوم إلى نحو تريليوني جنيه"، وأرجع السبب وراء القفزة الكبيرة في حجم الدين العام، إلى تغير سعر الصرف؛ وليس اللجوء إلى الاقتراض، وهذا كلام مردود عليه ويغسل يد تلك الحكومات ومعيط نفسه من كارثة التنامي المخيف في حجم الدين العام، سواء المحلي أو الخارجي، والذي صاحبه إفراط في فرض الرسوم والضرائب والغرامات، والاعتماد على الأموال الساخنة في تقوية الجنيه وتثبيت سعره مقابل الدولار.
والملفت هنا أن معيط يتحدث هذه الأيام عن حلول للأزمة المالية التي تمر بها مصر، ناسيًا أنه كان أحد الأسباب الرئيسية لتلك الأزمة والتي عالجها خلال توليه وزارة المالية عبر ارهاق المصريين وملاحقتهم بالضرائب والرسوم المبالغ فيها، وزيادة الاقتراض الخارجي والمحلي، وتوجيه مخصصات الدولة لتمويل مشروعات دعائية أو ليس لها مردود على الاقتصاد والمواطن والأسواق.
كما تحدث معيط كثيرًا خلال الأسبوع الماضي عن عجز الموازنة المصرية التي لعبت سياساته دورًا كبيرًا في تعميقها خلال توليه منصب وزارة المالية، إذ قال إن "العجز في الموازنة العامة للدولة هذا العام بلغ نحو 1.5 تريليون جنيه، وإن البند الأكثر إثارة للقلق ليس العجز بحد ذاته، بل خدمة الدين التي تمثل نحو 49% من إجمالي الموازنة، مقارنة ببند الدعم الذي يشكل نحو 16% والمرتبات 15- 16%".
وقدم مقترحات بشأن خفض تكلفة خدمة الدين العام الذي فشلت وزارته في معالجتها، وقال إن "الخفض من 2.1 تريليون إلى 1.2 تريليون جنيه سيوفر نحو 900 مليار جنيه، مما يسمح بخفض العجز من 1.5 تريليون إلى 600 مليار جنيه، ويمكن استخدام الفائض لتوجيه موارد إضافية لقطاعات الصحة والتعليم والنقل، بما ينعكس مباشرة على مستوى معيشة المواطنين".
ليترك معيط الوعود البراقة التي لا تنتهي والحديث عن رغد العيش المرتقب لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي، وليحدثنا بالتفصيل عن الأزمات الاقتصادية والمالية التي سببتها برامج صندوق النقد لمصر منذ العام 2016 ولغيرها من الدول المدنية التي لجأت إلى الصندوق لإنقاذها من أزمات مالية، لكنه أخذ يغرقها أكثر في الوحل الاقتصادي وبئر التعثر والإفلاس، وعن دور الصندوق في تراكم جبال الديون الخارجية لمصر وغيرها، وسقوط أغلب المصريين في أتون الفقر والغلاء والبطالة والبؤس الاقتصادي بسبب برامجه الفاشلة.
وليحدثنا كذلك عن أبرز ملاح الاتفاق الجديد الذي من المحتمل أن تبرمه القاهرة للحصول على قروض جديدة، عن دور وسياسات المؤسسة المالية التي يعمل بها في انهيار العملة المصرية والطبقة الوسطى، وعن وهم ما يسمى بالنجاح الساحق لبرامج الإصلاح الاقتصادي المتعاقبة، وعن خداع الصندوق للمصريين والتواطؤ مع السلطات المسؤولة في إفقارهم وتجويعهم، وإرغام الصندوق الحكومة على تعويم العملة أكثر من مرة وبيع أصول الدولة وخفض الدعم المقدم لفقراء مصر وزيادة سعر رغيف الخبز وأنبوبة الغاز والبنزين والسولار وفواتير الكهرباء والمياه والمواصلات العامة.
ليحدثنا معيط بالتفصيل عن الفشل الذريع لسياسات صندوق النقد وبرامجه حول العالم، وكيف يغرق الدول في أوحال اقتصادية بدلًا من إنقاذها، والأرجنتين أبرز مثال، وما سر إصراره على تطبيق سياسات وبرامج ثبت يقينًا فشلها وضررها للاقتصادات الوطنية، ولماذا يرهن الصندوق مواقفه وسياسته وتمريره للقروض بالرضا الأميركي والجالس في البيت الأبيض؟
فليجب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي عن تلك الأسئلة وغيرها أو ليصمت، فقد حفظ الجميع تصريحاته المعسولة والخادعة وقت أن شغل منصب وزير مالية مصر في الفترة من 2018- 2024.

