علي باكير
كاتب ومحلل سياسي يركز على السياسات الإقليمية لكل من تركيا وإيران
نجحت تركيا خلال عام 2025 في تنفيذ استراتيجية وطنية متكاملة تربط التنمية الاقتصادية بتحسين هيكل الإنتاج، والقدرات الدفاعية المتقدمة، والنشاط الدبلوماسي متعدد الأبعاد. وقد أتاحت هذه الاستراتيجية ترسيخ موقع تركيا كدولة تمزج بين القوة الاقتصادية والتقنية والدبلوماسية الفعّالة على الساحة الدولية والقدرات الدفاعية الوطنية المتقدّمة. وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن أبرز الإنجازات التركية في العام 2025 على الصعيد الاقتصادي والدفاعي والسياسي بالإضافة الى أبرز الأهداف أو الطموحات التركية في هذا المجال.
شهد العام 2025 إصرار الحكومة التركية على التعامل مع الصعوبات الاقتصادية التي عانت منها البلاد خلال السنوات الماضية من خلال إدارة مرحلة ما بعد التضخم التي شهدت انخفاضًا في معدلات التضخم الى نحو 31%، وهو أدنى مستوى خلال أربع سنوات مع توقعات بمزيد من التراجع في 2026. ونمت الصادرات التركية في العام 2025 لتصل الى أعلى مستوى لها على الاطلاق في تاريخ الجمهورية التركية، متجاوزة التوقعات المرصودة سابقًا، ومحققة 390 مليار دولار حتى أكتوبر الماضي. استند النمو الكبير في الصادرات الى التوسع الذي قادته الصادرات غير التقليدية كالسلع الصناعية، والتكنولوجية ذات القيمة المضافة، والإلكترونيات، والأجهزة الطبية، والأنظمة الرقمية. ويمثّل هذا الأداء في الصادرات تحولًا هيكليًا في الاقتصاد التركي حيث بلغت قيمة هذه الصادرات في الأشهر التسعة الأولى من العام 2025 حوالي 80.7 مليار دولار من أصل إجمالي الصادرات.
وكان قطاع الدفاع والفضاء واحدًا من أهم المحركات لنمو الصادرات في العام 2025، حيث ساهم بصورة ملموسة في تعزيز العائدات بالعملات الأجنبية، حيث تجاوزت الصادرات في هذ المجال 8.5 مليار دولار أمريكي يما يزيد عن 1.4 مليار دولار عن العام السابق بدفع من شبكة واسعة من الشركات المتخصّصة وعقود مع دول في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وضم قطاع الدفاع والفضاء التركي حوالي 3500 شركة عاملة وظّفت حوالي 100 ألف شخص، مع معدّل توطين محلي في الاعتماد على الصناعات الدفاعية يتجاوز 80٪. وقد احتلت العديد من الشركات التركية مراكز متقدمة ضمن أفضل 100 شركة مصنعة للأسلحة في العالم، بما في ذلك أسيلسان، والصناعات الجوية التركية (TAI)، وروكيتسان، وأسفات، وشركة الصناعات الميكانيكية والكيميائية.
وشكّل معرض الدفاع الدولي (IDEF) 2025 الذي استضافته إسطنبول هذا العام فرصة بارزة لعرض التقنيات الدفاعية والعسكرية التركية المتقدمة وإبرام صفقات كبيرة. فعلى سبيل المثال، تمّ الكشف خلال أعمال المعرض عن قنبلتين تحملان اسم "الغضب" و"الشبح"، حيث تعتبر الأولى أقوى قنبلة غير نووية على الإطلاق، فيما تعتبر الثانية من أكثر الذخائر الخارقة للتحصينات تقدمًا. كما كشفت تركيا خلال أعمال المعرض عن صاروخها "تايفون-4" فوق الصوتي الذي يصل مداه الى ما بين 800 الى ألف كلم ويشكّل عنصرًا إضافيا حاسمًا في معادلة الردع التركية.
وكانت تركيا قد كشفت خلال العام عن صاروخ "أتماجا" لإستهداف السفن البحرية وصاروخ "جوكبورا" جو-جو المتطور بعيد المدى بالإضافة الى صاروخ "جوكهان". وتسلمت القوات المسلحة التركية في العام 2025، الدفعة الأولى من الدبابة الوطنية محلّية الصنع من الجيل الخامس "ألتاي"، والتي يتم انتاجها بالشراكة مع دولة قطر. علاوة على ذلك، شهد العام 2025 حدثان هامان وغير مسبوقان، أوّلهما تسليم شركة أسلسان الدفاعية للقوات المسلّحة التركية الدفعة الأولى والاكبر لمنظومة "القبّة الفولاذية" الدفاعية متعدّدة الطبقات. امّا الثاني، فهو غير مسبوق عالميًا ويتمثّل في نجاح المقاتلة المسيّرة النفّاثة "كيزيل ألما" في الطيران بتشكيل مع مقاتلات "اف-16" واسقاطها لمقاتلة نفّاثة باستخدام صاروخ جو-جو محلي الصنع.
وشهد العام 2025، توقيع عقد بين تركيا واندونيسيا يتيح للأخيرة شراء 48 مقاتلة "خان" المحلّية الصنع من الجيل الخامس، وشراكات تركيّة-أوروبية لاسيما مع إسبانيا وانكلترا، وبيع أنقرة للعديد من منتجاتها الدفاعية الى عدد من الدول الأوروبية ودول الناتو من بينها بولندا. وأدى النمو في القطاع الدفاعي إلى تأثيرات إيجابية على بقية قطاعات الصناعة، مثل تعزيز سلاسل التوريد المحلية، وتوسيع الشبكات البحثية والتطويرية، وخلق فرص عمل. كما عزز مستوى الاعتماد على الإنتاج الدفاعي المحلي من سياسة تركيا الخارجية واستقلاليتها الاستراتيجية ومن قدرتها على المناورة والتفاوض ومواجهة التغيرات الجيوسياسية.
ومن اللافت أن نهاية العام 2025 شهدت كذلك مؤشرات مختلفة على طموح تركيا في المجال الدفاعي حيث أعلن الرئيس التركي عن تدشين العمل بمشروع بناء حاملة طائرات جديدة ستتفوق على نظيرتها السابقة وعلى حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول"، بالإضافة الى بناء 39 سفينة حربية من بينها مدمّرات وغواصات وقطع بحرية حديثة، مما سيعزز من قوّة تركيا البحرية بشكل غير مسبوق.
على مستوى السياسة الخارجية للبلاد، واصلت تركيا جهودها في الدبلوماسية الإقليمية من خلال مبادرات الوساطة في النزاعات، لا سيما في النزاع الروسي ـ الاوكراني، وفي سياق التوصل إلى اتفاقات التهدئة في غزة ووقف العدوان الاسرائيلي. وقد عزز هذا الدور من مكانة أنقرة كقوة إقليمية محورية فاعلة في محادثات تسعى إلى تحقيق الاستقرار وتقليل التصعيد.
وحرصت تركيا على الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الكبرى، سواء من خلال الناتو أو العلاقات الثنائية مع القوى الكبرى، أو عبر تطوير علاقات اقتصادية وتجارية مع شركاء من الاتحاد الأوروبي وخارجه. وقد أتاحت هذه السياسة متعددة الأبعاد المجال لأنقرة لكي تمارس دبلوماسية أكثر استقلالية دون الانحياز الكامل لأي قطب.
وكان من اللافت تعزيز علاقات تركيا مع محطيها الإقليمي بشكل غير مسبوق لا يسما الخليج وسوريا والعراق ومصر وليبيا والجزائر والمغرب، عملت تركيا في 2025 على توسيع نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي في القارة الأفريقية، بما في ذلك المشاركة في منتديات اقتصادية وتجارية مع شركاء أفارقة لتعزيز التبادلات التجارية والاستثمارية الثنائية. ويمثّل هذا التوجّه جزءًا من سياسة خارجية تسعى إلى توسيع دائرة الشراكات خارج نطاق الجوار التقليدي، وبالتالي تعزيز التأثير التركي في مسار التنمية الإقليمية.
وساهمت تركيا في العام 2025 أيضًا في تعزيز صورتها الدولية عبر الجهود الإنسانية والمساعدات الخارجية، ولا سيما في الأزمات، مما عزّز من دورها الإنساني والدبلوماسي في المشهد العالمي بانتظار ما سيحمله العام 2026 من إنجازات ومصاعب وتحديات.

