قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري خفض سعر عائد الإيداع لليلة واحدة إلى 20% وسعر الإقراض إلى 21% وسعر العملية الرئيسية إلى 20.5%، مع خفض سعر الائتمان والخصم إلى 20.5% (خفض 100 نقطة أساس). وعلى الورق يبدو القرار “تخفيفًا” على الاقتصاد، لكن في واقع بلد يعيش تضخمًا مرتفعًا وشحًا في العملة الصعبة وتوترًا في ثقة المستثمرين، قد يتحول الخفض إلى رسالة سلبية: الحكومة تبحث عن مسكنات سريعة لتقليل كلفة الدين وتمرير أزمة السيولة، ولو على حساب موجة غلاء جديدة وضغط إضافي على الجنيه.
الخطورة ليست في رقم 1% وحده، بل في السياق: دولة توسّع الاقتراض، وتزيد الأعباء على المواطن، ثم تقدم قرارًا نقديًا قد يُقرأ كاعتراف ضمني بأن الفائدة المرتفعة خنقت النشاط من جهة، وأن الدولة لم تعد تحتمل كلفة خدمة الدين من جهة أخرى. والنتيجة المتوقعة: ارتباك في توقعات السوق، وتآكل في المصداقية، وفتح الباب أمام هروب استثمارات قصيرة الأجل تبحث عن العائد الأعلى والأكثر استقرارًا.
خفض الفائدة أم خفض الثقة؟
في اقتصاد هش، خفض الفائدة قد يُفسَّر باعتباره “تيسيرًا” لدعم النمو، لكنه قد يُقرأ أيضًا كإشارة أن صانع القرار مضغوط ماليًا ويريد تخفيف فاتورة الفائدة على الدين الحكومي. وعندما تكون الدولة أكبر مقترض في السوق، يصبح أي خفض للفائدة قرارًا له بُعد مالي-سياسي لا نقدي فقط: تقليل عبء الموازنة اليوم، حتى لو دفع المواطن فاتورة الغلاء غدًا عبر ارتفاع أسعار السلع المستوردة أو عودة الضغط على سعر الصرف.
هنا يبرز رأي الخبير الاقتصادي هاني جنينة (اقتصادي وباحث معروف في ملفات السياسة النقدية والديون): جوهر المشكلة ليس مستوى الفائدة وحده، بل “مصدر التضخم” في مصر؛ فإذا كان التضخم مدفوعًا بعوامل عرض وسعر صرف وتكاليف إنتاج، فلن يعالج خفض الفائدة جذور الأزمة، وقد يطلق موجة طلب/دولرة جديدة إذا شعرت السوق أن العائد الحقيقي يتآكل. (لا يمكن تضمين اقتباس حرفي دون نص منشور منه).
الغلاء: المواطن يدفع ثمن “التمويل الرخيص”
المواطن لن يقرأ القرار كجملة فنية عن “تقييم تطورات التضخم”، بل كسؤال مباشر: هل سيهدأ الغلاء أم سيشتعل؟ التجربة تقول إن أي ضغط على العملة أو أي زيادة في توقعات التضخم تنتقل سريعًا إلى الأسعار، خصوصًا في سوق يعتمد على الاستيراد في الغذاء ومدخلات الإنتاج. وخفض الفائدة—إن جاء قبل تثبيت توقعات التضخم وسعر الصرف—قد يعيد تدوير الأزمة: تراجع جاذبية الادخار بالجنيه، زيادة الميل لشراء الدولار/الذهب، ثم ارتفاع تكلفة الاستيراد، ثم موجة أسعار جديدة.
ضمن هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي هاني توفيق (رجل أعمال وخبير مالي) أن القرارات النقدية تصبح بلا معنى إذا لم تُبنَ على خطة اقتصادية متماسكة: ضبط العجز، شفافية في إدارة الأصول، وتقليل مزاحمة الدولة للقطاع الخاص. وعندما تُستخدم السياسة النقدية كـ”مفك” لحل مشاكل مالية للحكومة، ينتهي الأمر بضغط على دخول الناس بدل خلق نمو حقيقي. (لأسباب الدقة لا تُنسب عبارة مقتبسة دون مصدر نصي).
هروب المستثمرين: “الأموال الساخنة” لا تنتظر التطمينات
أكثر ما يهم المستثمر—خصوصًا المستثمر الأجنبي قصير الأجل—هو العائد الحقيقي ومخاطر العملة. خفض 100 نقطة أساس قد يبدو بسيطًا، لكنه في عالم يتنافس على الأموال، قد يغيّر الحسابات: لماذا أبقى في أدوات دين محلية إذا تراجع العائد، بينما لا تزال مخاطر التخارج والتحويل قائمة، والتوقعات حول سعر الصرف مضطربة؟ هنا يظهر خطر “هروب الأموال الساخنة” أو على الأقل تباطؤ دخولها، وهو ما يضغط على الاحتياطي والسيولة الدولارية ويعيد الاقتصاد لدائرة الإجراءات الاستثنائية والجباية غير المباشرة.
في هذا السياق، يحذر الاقتصادي محمد فؤاد (نائب سابق وخبير اقتصادي) من أن أي خطوة نقدية يجب أن تكون جزءًا من برنامج ثقة شامل: إصلاح هيكلي، منافسة عادلة، وإتاحة بيانات شفافة، لأن المستثمر لا يهرب من الفائدة فقط بل من “عدم اليقين”. وعندما تكون الرسالة العامة للدولة أقرب إلى إدارة الأزمات بالمسكنات، تتآكل الثقة ويتحول المستثمر إلى مراقب من بعيد لا شريك في الداخل. (يمكن إدراج اقتباس حرفي إذا زُوِّدت بتصريح موثق).

