مصطفى عبد السلام

رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"

 

عندما يكون المسؤول رجل دولة من الطراز الأول ومنتخبًا بإرادة حرة من الناخبين فإنه يستقيل من منصبه فورًا في حال القصور في أداء وظيفته المكلف بها، أو الإخفاق في تنفيذ وعود أو خطط، أو عندما يفشل في احتواء ومعالجة أزمات اقتصادية ومالية تمر بها بلاده حتى لو كانت أسبابها خارجية لا محلية.

 

ويسرع المسؤول في اتخاذ قرار الاستقالة عندما يتعرض المواطن لأزمات معيشية تفوق قدرته الشرائية ودخله، أو عندما تصطدم حكومته الرأي العام بقرارات لا تحظى برضا شعبي، مثل زيادة ضرائب، وخفض دعم، ورفع أسعار، وإجراءات تقشفية، وخفض إنفاق عام على التعليم والصحة والخدمات الحيوية، أو عندما تتسبب سياسات تلك الحكومة في إغراق الدولة في وحل الديون والعجز المالي والفقر والبطالة، وهو ما حدث بالفعل خلال العام الجاري، حيث دفعت تلك الأزمات وغيرها ستة من رؤساء حكومات دول أجنبية إلى الاستقالة من مناصبهم، بل واستقالة الحكومة كلها، استشعارًا بالمسؤولية وبالحرج والخجل.

 

في سبتمبر الماضي أعلن رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا استقالته، بعد أقل من عام على توليه السلطة، بعدما خسر حزبه غالبيته في مجلسي البرلمان. وبعدها استقالت الحكومة جماعيًا، وجاءت الاستقالات على خلفية حدوث استياء شعبي ملحوظ داخل اليابان، بسبب اندلاع أزمة اقتصادية حادة دفعت البلاد نحو الركود والتضخم ومعدلات النمو المتدنية، فاقم من هذا الاستياء حدوث زيادات في تكلفة المعيشة وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، مثل الأرز، وتراجع القوة الشرائية للمواطن، وتعرض العملة المحلية؛ الين، لضغوط. كما استشعرت الحكومة الحرج بسبب فشلها في تطبيق وعود إصلاحية وعدت بها الناخب وتتعلق بالشأن الاقتصادي وغيره.

 

وقبل أيام أعلن رئيس الوزراء البلغاري روسين جيليازكوف استقالة حكومته بعد أقل من عام على توليها، تحت ضغط المعارضة، عقب تظاهرات واسعة في العاصمة صوفيا ضد ما سمته بتفشي الفساد، مع سحب مشروع موازنة 2026 عاجلًا، وهو المشروع الذي أثار غضب المواطن الذي اتهم الحكومة بمحاولة تمريره بسرعة للتغطية على الفساد المستشري وإجراء زيادات ضريبية.

 

وبداية العام، أعلن رئيس الحكومة الكندية، جاستن ترودو، تعليقَ عمل البرلمان، واستقالته من منصبه، الذي يتولاه منذ 9 أعوام، وذلك على خلفية أزمات اقتصادية ومعيشية، منها دخول الاقتصاد في حالة ركود، وحدوث زيادة بنسبة 30% في تكلفة المعيشة، وارتفاع غير مسبوق في أسعار العقارات وقيمة الإيجارات، وحدوث نقص حاد في الوحدات السكنية منخفضة التكلفة، بل واتهمت الأحزاب المنافسة ترودو بأن تكلفة السكن تضاعفت في عهده، إذ ارتفعت قيمة الإيجارات بنسبة 107%.

 

وكلنا تابعنا الأزمة السياسة الحادة التي مرت بها فرنسا هذا العام على خلفية الاضطرابات الاقتصادية والمالية وتفاقم أزمة الدين العام والعجز غير المسبوق في الموازنة العامة، ففي 6 أكتوبر استقال رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو، بعد أقل من ساعات قليلة على إعلان تشكيل حكومته بسبب رفض البرلمان مشروع الموازنة العامة التي اقترحتها، وقبل ذلك استقال رئيس وزراء فرنسا فرانسوا بايرو في 9 سبتمبر 2025 بعد احتجاجات واسعة بسبب خطط التقشف وخفض الإنفاق العام وارتفاع العجز في الميزانية وتصاعد الديون العامة.

 

وفي 3 يونيو 2025 استقال رئيس وزراء منغوليا لوفسان نامسراي أويون-إردين، على خلفية اندلاع تظاهرات شعبية ناتجة عن استياء اقتصادي واجتماعي لأسباب عدة، منها أزمة عجز الموازنة والانتقادات المتعلقة بنفقات حكومية فاخرة، بما في ذلك ضجة حول حياة أفراد أسرته، والتلكؤ في تنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة وتحسين الشفافية.

 

في الغرب يستقيل رؤساء الدول والحكومات لأسباب نعتبرها نحن تافهة في منطقتنا، كما في حالة رئيسة البرلمان النرويجي إيفا كريستين هانسن التي استقالت من منصبها، على وقع ضجة حول شقة تحتفظ بها في العاصمة خلافًا للقانون، إذ تبيّن أنها تستعمل شقّة مساحتها 50 مترًا مربّعًا تابعة للدولة، وفي منطقتنا العربية لا أحد يستقيل حتى لو تسببت سياساته في انهيار دولة بالكامل سياسيًا واقتصاديًا ومجتمعيًا، وفي القذف بالملايين في أتون الفقر والبطالة والجوع.