يحلّل عبد الحفيظ الصاوي تداعيات قرار صيني حديث أعفى الصادرات المصرية من الرسوم الجمركية، في خطوة فتحت باباً واسعاً أمام القاهرة لدخول أحد أكبر أسواق العالم، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن تحديات هيكلية قد تقلل من العائد المتوقع. أعلن القرار خلال المنتدى المصري-الصيني للاستثمار في القاهرة، واعتبره السفير الصيني آنذاك جزءاً من مبادرة أوسع تشمل أكثر من خمسين دولة أفريقية ضمن مشروع “الحزام والطريق”

 

يوضح العربي الجديد أن الإعفاء يمنح السلع المصرية ميزة تنافسية نظرياً داخل السوق الصينية، التي بلغ حجم تجارتها السلعية نحو 6.16 تريليونات دولار عام 2024 وفق بيانات البنك الدولي، إلا أن أرقام التبادل التجاري تكشف اختلالاً واضحاً في الميزان التجاري لصالح بكين

 

ميزان تجاري مختل

 

تُظهر البيانات أن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين ارتفع إلى 16.1 مليار دولار عام 2024 مقارنة بـ14.3 مليار دولار في 2023، لكن الصادرات المصرية تراجعت بحدة من 1.08 مليار دولار إلى 398 مليون دولار، في مقابل ارتفاع الواردات من 13.2 مليار دولار إلى 15.7 مليار دولار. تشكّل الصين قرابة 7% من إجمالي تجارة مصر الخارجية البالغة 104.6 مليارات دولار خلال 2023/2024، بحسب البنك المركزي المصري.

 

تتركز الصادرات المصرية إلى الصين في الوقود والزيوت المعدنية وبعض المنتجات الغذائية، بينما تستورد القاهرة أساساً الآلات والمعدات الكهربائية والغلايات. يعكس هذا النمط فجوة هيكلية تجعل مصر مورداً لمواد أولية ومستورداً لسلع ذات قيمة مضافة أعلى، وهو ما يعمّق العجز التجاري ويحدّ من الاستفادة الفعلية من أي إعفاءات جمركية.

 

قيود الإنتاج والتنافسية

 

يرى خبراء أن الإعفاء الصيني يكمّل اتفاقيات تفضيلية أخرى تتمتع بها مصر، مثل الكوميسا، ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والشراكة الأوروبية-المتوسطية، وبرنامج المناطق الصناعية المؤهلة الذي يتيح نفاذاً تفضيلياً للمنسوجات المصرية إلى السوق الأميركية. مع ذلك، يستمر العجز التجاري عند مستويات مرتفعة، إذ سجّل ميزان المدفوعات لعام 2024/2025 عجزاً يناهز 51 مليار دولار، مع صادرات عند 40.2 مليار دولار وواردات بلغت 91.2 مليار دولار.

 

تحدّ القدرة الصناعية المحدودة من فرص التوسع التصديري. لم تدفع تخفيضات العملة المتتالية منذ 2016 الصادرات إلى القفز كما حدث في دول جنوب شرق آسيا أو تركيا، لأن قطاعات واسعة تعتمد على مدخلات إنتاج مستوردة من آلات وخامات، ما يرفع التكلفة ويضعف القدرة التنافسية. تزيد أيضاً تكاليف الطاقة والخدمات العامة من أعباء الإنتاج، فتتآكل مكاسب الأسعار التي يوفرها الإعفاء الجمركي.

 

من الرهان القصير إلى الاستراتيجية الطويلة

 

تستورد الصين سنوياً ما يزيد على 2.58 تريليون دولار من السلع، ما يفتح نظرياً مساحة كبيرة أمام الصادرات المصرية. لكن التقاط حصة ذات معنى من هذا السوق يتطلب تخطيطاً استراتيجياً. قد تحقق مصر مكاسب قصيرة الأجل عبر زيادة صادرات السلع الخام ونصف المصنعة، غير أن تقليص الفائض التجاري الصيني الذي بلغ نحو 15 مليار دولار في 2024 يستلزم تحولاً نحو منتجات أعلى قيمة.

 

يحذّر الخبراء من أن بقاء الصادرات محصورة في الطاقة والمعادن والمواد الغذائية الأساسية سيجعل أثر الإعفاء محدوداً، ويضع عبئاً إضافياً على المصدرين لدراسة السوق الصينية وتكييف منتجاتهم ومعاييرهم. على المدى الطويل، يرتبط النجاح بتطوير صناعات قادرة على المنافسة في الجودة والسعر، وبناء سلاسل قيمة محلية تقلل الاعتماد على الواردات.

 

في السياق الأوسع، تشكّل الإعفاءات جزءاً صغيراً من تجارة الصين العالمية التي تتجاوز 6 تريليونات دولار، بينما تحافظ بكين على تفوقها التكنولوجي والصناعي في أفريقيا والعالم. ينسجم القرار أيضاً مع سعي الصين لتعزيز علاقاتها بالدول النامية في ظل المنافسة الاقتصادية مع الولايات المتحدة، عبر تقديم نفسها شريكاً داعماً. عند هذه النقطة، يرى محللون أن الفرصة قائمة، لكن تحويلها إلى مكسب حقيقي يتطلب من مصر استراتيجية تصدير واضحة تعيد هيكلة اقتصاد طال اعتماده على الأسواق الخارجية دون بناء قاعدة إنتاجية صلبة.

 

https://www.newarab.com/news/explained-can-egypt-benefit-chinese-tariff-exemptions?amp