بالنسبة لكثير من الأسر في مصر، كانت حتى سنوات ليست بالبعيدة تدبر احتياجاتها الشهرية مع مطلع كل شهر، مما يساعدها على توفير احتياجاتها الأساسية من مأكل ومشرب، لكن هذا الأمر أصبح مثل أشياء كثيرة في مصر من الماضي، بعد أن دهس قطار الغلاء المصريين بلا هوادة أو رحمة خلال السنوات الأخيرة.
حتى باتت معظم الأسر تبحث عن تدبير احتياجاتها يومًا بيوم، في ظل موجة الغلاء التي طالت كل شيء في مصر، وقلصت بالتالي قائمة متطلباتها إلى الحدود الدنيا، لتشعر مستورة كما يأملون في ظل حكومة لا ترأف بأحوالهم، ولا تبالي باحتياجاتهم المعيشية، ولا تعمل على التخفيف عن كواهلهم.
وقد بلغ معدل التضخم الاستهلاكي السنوي في المدن المصرية 12.5 بالمائة في أكتوبر الماضي ارتفاعًا من 11.7 بالمائة في سبتمبر، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، وذلك بعد تراجع استمر لأربعة أشهر.
ارتفاع تكاليف الغذاء والشراب
وتشير بيانات سابقة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن تكاليف الغذاء والشراب زادت بنحو 200 بالمائة تقريبًا خلال الفترة التي ارتفع فيها سعر الدولار من 6 جنيهات إلى 24 جنيهًا، ويمثل الغذاء المكوِّن الأكبر في إنفاق الأسرة المصرية بنسبة 37 بالمائة مما يجعل لزيادته أثرًا مهمًا على مستوى معيشة الملايين من الأسر المصرية.
في حين أن سعر صرف الدولار أمام الجنيه وصل الآن إلى نحو 50 جنيهًا، مما يعني أن أسعار المواد الغذائية زادت بنسب كبيرة بفعل تغير سعر صرف الدولار بجانب العوامل الأخرى، التي تزيد نسبة التضخم، ومن بينها زيادة السيولة النقدية في الأسواق، بسبب زيادة طباعة الأوراق النقدية "البنكنوت".
ويشكو مواطنون من أن أسعار السلع تضاعفت ربما 4 أو 5 مرات خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وأصبح دخل معظم الأسر لا يكفيها طوال الشهر بخاصة وأن الأسعار تزيد من شهر إلى آخر باستمرار، إلى جانب ارتفاع فواتير الكهرباء والمياه والغاز.
توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء
ومع الارتفاعات المتتالية في الأسعار، بات رهان كثير من الأسر على كيفية توفير الغذاء الذي يضمن لهم العيش، حيث يصبح البقاء على قيد الحياة هو الهدف، وليس نوعية وجودة الحياة، كما هو المفترض قياسًا بالدول الأخرى التي تضع رفاهية المواطن على قائمة أولوياتها.
فباتوا يبحثون عما يسد رمقهم، دون النظر إلى جودة الطعام، اعتمادًا على دخلهم اليومي، ويتفاقم هذا الوضع داخل الأسر التي يوجد فيها أكثر من ابن في مراحل تعليمية مختلفة، والتي تستقطع جزءًا كبيرًا من ميزانيتها لتوفير نفقات الدروس الخصوصية، فضلاً عن مصروفات الانتقال والطعام لأبنائها، وهو ما يشكل عبئًا كبيرًا في الوقت الذي أصبح فيه أقل سندوتش يتراوح من 7 إلى 10 جنيهات.
يزداد الوضع صعوبة مع فقدان العائل، كما هو الحال بالنسبة لكثير من الأسر، التي تصبح فيها الزوجة هي المعيل الأول بعد وفاة الزوج، مما يدفعها للنزول إلى سوق العمل، والعمل في أية وظيفة تدر دخلاً ماديًا يقيها شر العوز والاحتياج.
كما أن ارتفاع الأسعار وتزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي لا يُحسّنان صحة الأسر ذات الدخل المحدود. ففي ظل هذا الوضع، تنتشر الأمراض الناجمة عن سوء التغذية، ويصبح الذهاب إلى الطبيب آخر ما يفكر فيه المصريون لعجزهم عن توفير قيمة الكشف، مفضلين التضحية بصحتهم من أجل توفير لقمة العيش لأبنائهم.
قمع مطالب العمال
ولا يستطيع العمال ذوو الدخل المنخفض التعبير عن مطالبتهم برفع الأجور خوفًا من التنكيل بهم، بخاصة وأن الدولة غالبًا لا تنصفهم، وتنحاز إلى المؤسسات والشركات الكبيرة التي عادةً ما يكون لها الكلمة الأخيرة في تحديد مصير الموظفين.
ولا يفي الحد الأدنى للأجور في مصر الذي ارتفع إلى 7 آلاف جنيه في مارس الماضي بما هو مطلوب لتحقيق مستوى معيشي لائق، مما يجعل المصريين الذين يعملون في وظائف حكومية أو بالقطاع الخاص يكافحون لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وذلك بسبب التضخم المتزايد الذي يؤدي إلى تآكل الأجور، مما يقلل من القدرة الشرائية الحقيقية.
ولا تعود زيادات الحد الأدنى للأجور بالفائدة على معظم المصريين غير العاملين في القطاع الرسمي، بمن فيهم الأطفال والطلاب والمتقاعدون وأصحاب المشاريع الصغيرة ومقدمو الرعاية المنزلية.
في عام 2023، كان المستفيدون الوحيدون 29.6 بالمائة من السكان في سن العمل، ولا تصل زيادات الحد الأدنى للأجور إلى العديد من العمال الذين لا يعملون في القطاع الحكومي، أو في شركات ومؤسسات القطاع الخاص في مصر، حيث يوفر العمل الرسمي عقودًا وحماية قانونية، بينما غالبًا ما تكون الوظائف غير الرسمية غير منتظمة وتفتقر إلى الاستقرار.

