تصاعدت في الأشهر الأخيرة ما يمكن وصفه بـ الحرب الكلامية بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حول ملف اليمن، وسط توترات واضحة في المواقف السياسية والدبلوماسية تجاه التطورات الميدانية في هذا البلد الذي يشهد حربًا منذ أكثر من عقد.

 

تعكس هذه الحرب الكلامية خلافات عميقة بين الحليفين الخليجيين حول استراتيجية التعامل مع الأزمة اليمنية، وتأتي في سياق تغيرات ميدانية خطيرة، أبرزها تقدم قوات مدعومة من الإمارات في الجنوب اليمني وامتداد تأثير ذلك على العلاقات الثنائية مع السعودية، التي لها مصالح أمنية وسياسية معقدة في اليمن. 

 

الخلفية: الأزمة اليمنية وتداخل المصالح

 

بدأت الحرب في اليمن عام 2014 مع سيطرة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة صنعاء، ثم تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات عام 2015 لدعم الحكومة المعترف بها دوليًا. ومع مرور السنوات، نشأت خلافات بين الرياض وأبوظبي حول أولويات السياسة اليمنية وكيفية الوصول إلى تسوية سياسية.

 

بينما تركز السعودية تقليديًا على استعادة الحكومة اليمنية الموحدة ومواجهة الحوثيين، دعمت الإمارات على نحو متزايد فصائل جنوبية تميل إلى استقلال جنوب اليمن أو تعزيز نفوذها فيه.

 

تضارب المصالح اختلف في الجوهر – السعودية ترى اليمن جزءًا من أمنها الاستراتيجي لا يمكن التفريط فيه، بينما الإمارات تسعى لتعزيز دور الفصائل الجنوبية كحليف قوي وتحقيق مكاسب جيو-استراتيجية في مضيق باب المندب والموانئ اليمنية. 

 

تصاعد التوتر: العمليات العسكرية وتداعياتها

 

في أوائل ديسمبر 2025، شنت المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، هجومًا واسعًا في محافظة حضرموت الجنوبية، وسيطر على معظم المناطق، بما يشمل أهم المدن ومرافق النفط. هذه التطورات كانت لها نتائج سياسية وعسكرية هامّة، إذ أنها:

 

  • كشفت عن فجوة استراتيجية بين الإمارات والسعودية داخل إطار التحالف في اليمن.
  • أدت إلى توتر العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث اعتُبرت الخطوة من الإمارات محاولة لتوسيع نفوذها على حساب المصالح السعودية.
  • دفعت السعودية إلى سحب قواتها من بعض المواقع وإعادة تقييم حضورها العسكري في الجنوب. 

 

تسارع هذه الأحداث أسهم في زيادة الخلاف الكلامي بين الجانبين، سواء عبر تصريحات رسمية أو تسريبات وتحليلات سياسية، ما جعل الصراع يمتد من ساحات القتال إلى ساحات السياسة والإعلام. 

 

أشكال الحرب الكلامية

 

  1. الخطاب الدبلوماسي والإعلامي

    شهدت منصات التواصل ومؤتمرات صحفية بيانات متبادلة تحمل رسائل ضمنية وصريحة بين الطرفين. ففي بعض التصريحات الرسمية، يحاول كل طرف توجيه النقد للآخر في كيفية إدارة الملف اليمني، مع تأكيد كل منهما على دعمه للاستقرار والأمن، بينما يُبرز الآخر نفوذًا مفرطًا على حساب الدولة اليمنية الموحدة.


    تزامن هذا الأسلوب مع تحليلات صحفية ترى أن الخلاف السعودي-الإماراتي لم يعد مجرد اختلاف تكتيكي، بل بات صراعًا على النفوذ في دولة منهارة سياسيًا واقتصاديًا، مما يزيد من صعوبة أي تسوية شاملة.

     
  2. التبريرات السياسية والأمنية

    كل دولة تسوق لنفسها مبررات متعددة:


    السعودية تؤكد أن موقفها يستند إلى ضرورة حفظ وحدة اليمن وسيادته، وأن تحركاتها تدفع نحو حل سياسي جامع.
    الإمارات تركز على محاربة التطرف وتحقيق استقرار مشروط بالمصالح المحلية الجنوبية التي تدعمها، معتبرة أن خطواتها تعزز الأمن الإقليمي.


    هذه الخطابات المتعارضة أصبحت أداة ضغط داخل الساحة الإقليمية، ما جعل اليمن نفسه محور جدل استراتيجي وليس مجرد ساحة حرب. 

 

آثار الخلاف على جهود السلام

 

أحد أبرز أضرار هذا الخلاف هو تعقيد جهود السلام الدولية والأممية في اليمن. فكل طرف يسعى لترجمة مصالحه إلى مكاسب تفاوضية، وهو ما يربك عملية التفاوض بين الأطراف اليمنية الفاعلة، ويقلل من فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.

 

بالإضافة إلى ذلك، استغلت أطراف أخرى مثل جماعة الحوثيين هذا الخلاف لتكثيف هجماتهم وشن ضربات تهديدًا للملاحة وطرفي النزاع، مما يعمّق الأزمة ويزيد من تكاليفها الإنسانية والاقتصادية.

 

خاتمة

 

الحرب الكلامية بين السعودية والإمارات حول اليمن ليست مجرد سجالات إعلامية، بل تعبير عن تباينات عميقة في المصالح السياسية والاستراتيجية حول مصير بلد مثقل بالصراع.

 

هذه الخلافات تهدد وحدة التحالف القائم، وتضعف فرص السلام، كما تعكس تحديات أكبر في العلاقات بين دولتين أساسيتين في مجلس التعاون الخليجي. في نهاية المطاف، يبقى اليمن أكثر المتضررين من هذا الصراع الذي يتجاوز حربه المحلية إلى نزاع إقليمي مركب.