قرار محكمة جنايات أمن الدولة العليا إدراج الناشطَين المقيمَين في الخارج أنس وطارق حبيب على قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات، مع إحالة 50 متهمًا آخرين – بينهم المحامية فاطمة الزهراء غريب – إلى الجنايات في قضية جديدة لأمن الدولة، ليس مجرد إجراء قضائي عابر، بل حلقة جديدة في استخدام "الإرهاب" كسلاح سياسي جاهز لتصفية المعارضين وإرهاب المدافعين عن الحقوق. في دولة تحترم القانون، تُستخدم قوائم الإرهاب لملاحقة من يمارس العنف المسلح، لا من ينظّم حملات لفتح معبر رفح أو يوثّق انتهاكات حقوق الإنسان. لكن في زمن الانقلاب، تتحول هذه القوائم إلى منصة انتقام من كل صوت يفضح الجريمة أو يذكّر العالم بأن في مصر شعبًا يُسحق تحت قبضة أمنية لا تعرف سقفًا.

 

إرهاب على الورق.. معارضة على الأرض

 

إدراج أنس وطارق حبيب على قوائم الإرهاب لـ5 سنوات جديدة يأتي استكمالًا لمسار طويل من ملاحقة المعارضين في الخارج، حيث سبق أن وُضع أنس على هذه القوائم عام 2021 مع عشرات المعارضين والمنفيين. التهمة الجاهزة: "الانضمام إلى جماعة إرهابية"، وهي العبارة المطاطة التي تُستخدم لخلط العمل السياسي السلمي بأي نشاط مسلح، بحيث يصبح مجرد الاختلاف مع النظام جريمة أمن دولة. في حالة أنس حبيب، لا يدور الحديث عن قيادي خفي في تنظيم سري، بل عن ناشط علني معروف، غادر مصر عام 2019 واستقر في هولندا كلاجئ سياسي، يمارس نشاطه عبر المنصات الرقمية والحملات الحقوقية، لا عبر خلايا مسلحة. حين يصبح هذا النموذج على قوائم الإرهاب، فالرسالة واضحة: لا فرق عند سلطة الانقلاب بين معارض ومدافع حقوقي ومسلّح، الكل يُسحق تحت نفس التصنيف لإخراس أي رواية بديلة عن رواية الأجهزة.

 

محاكمة جماعية لكلمة "لا"

 

قرار إحالة 50 متهمًا دفعة واحدة إلى الجنايات في القضية رقم 1282 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، بينهم محامية بالنقض هي فاطمة الزهراء غريب، يعكس نمط "القضايا الجماعية" التي تجمع بين أسماء من محافظات مختلفة وصفات مهنية متباينة تحت عنوان واحد: "قيادة وتمويل جماعة أُسِّست على خلاف أحكام القانون". هذه الطريقة ليست إلا محاولة لتجريم شبكة واسعة من الأصوات المعارضة والحقوقية في ملف واحد، بحيث لا يعود أحد قادرًا على تتبع التفاصيل أو فهم الاتهامات الفردية، ويصبح كل من يرفع صوته أو يتواصل مع ضحية أو يوثّق انتهاكًا، مهددًا بالجرّ إلى قضايا الإرهاب. وجود محامية بالنقض ضمن هذا الملف يبعث برسالة شديدة الخطورة إلى المهنة بأكملها: الدفاع عن المتهمين أو التواصل مع ملفات الانتهاكات قد يضعك في قفص الاتهام إلى جوار من تدافع عنهم. هكذا تُغلق آخر نوافذ القانون، ويتحوّل المحامي من حامٍ للعدالة إلى متهم محتمل كلما اقترب من الحقيقة.

 

من حملة لفتح رفح إلى وسم بالإرهاب

 

الأسابيع الماضية شهدت حملة ميدانية ورمزية قادها أنس حبيب أمام عدد من السفارات والقنصليات المصرية في أوروبا للمطالبة بفتح معبر رفح في ظل حرب الإبادة والحصار على قطاع غزة. في أي دولة تحترم إنسانيتها، يُنظر إلى هذه الحملة بوصفها فعلًا تضامنيًا مشروعًا ضد جريمة جماعية، لكن في منطق دولة الانقلاب، هي "تحريض"، و"إساءة لسمعة البلاد"، وذريعة إضافية لإطالة أمد إدراجه على قوائم الإرهاب. النظام الذي يشارك في خنق غزة بغلق المعبر أو تقييد المساعدات لا يحتمل أن يقف شاب مصري في المنفى ليذكر العالم بهذه الحقيقة، فيعاقبه بتكثيف التنكيل القانوني والإعلامي. وهكذا تختلط خيانة الواجب القومي تجاه فلسطين مع خيانة الداخل، في منظومة واحدة ترى في كل تضامن مع غزة أو فضح انتهاكات الداخل خطرًا على "الأمن القومي" بمعناه الأمني الضيق: أمن السلطة لا أمن الشعب.

 

أنس حبيب.. نموذج جيل يريدون قتله معنويًا

 

أنس، البالغ من العمر 30 عامًا، يمثل نموذجًا لشريحة كاملة من الشباب الذين اختاروا المنفى بدل السجن أو القبر، وواصلوا من الخارج فضح انتهاكات حقوق الإنسان، وتنظيم حملات دولية لكسر الحصار عن المعتقلين وغزة. بدلاً من فتح حوار سياسي أو مراجعة حجم الانتهاكات التي دفعت هذا الجيل إلى الهجرة واللجوء، ترد السلطة بتوسيع دوائر القوائم الإرهابية، على أمل عزله قانونيًا وشيطنته إعلاميًا وتخويف أي شاب يفكر في أن يسير على نفس الطريق. لكن ما لا تدركه دولة الانقلاب أن هذه القرارات لا تقتل الفكرة، بل تعمّق قناعة قطاعات أوسع بأن النظام فقد أي شرعية أخلاقية أو سياسية، وأنه لا يملك سوى سلاح "الإرهاب" على الورق لمواجهة معارضة سلمية لا تحمل إلا الكاميرا والمنصة واللافتة.

 

قضاء استثنائي لخدمة استبداد دائم

 

الركيزة الأساسية لكل هذا المسار هي محاكم استثنائية وقوانين استثنائية وأجهزة استثنائية، صُممت خصيصًا للاستعمال ضد المعارضين: محكمة جنايات أمن دولة عليا، قضايا حصر أمن دولة، وقوائم إرهاب تمتد لخمس سنوات قابلة للتجديد، وتجريم واسع وغامض لكل ما هو سياسي أو حقوقي. ما يحدث مع أنس وطارق حبيب وفاطمة الزهراء غريب وده عشرات غيرهم ليس انحرافًا فرديًا، بل تجسيد لنمط حكم قائم على تحويل القانون إلى عصا في يد السلطة، لا مظلة تحمي المجتمع. وفي ظل هذا النمط، سيستمر النظام في صناعة "إرهابيين" على الورق كلما عجز عن إسكات صوت في الشارع أو على المنصات، لكن ما لن يستطيع فعله – مهما توسعت القوائم – هو محو حقيقة بسيطة: أن من يطالب بالحرية والعدالة وفتح معبر رفح ليس إرهابيًا، بل شاهدًا على جريمة يريد انقلاب عسكري أن يخفيها خلف أختام أمن الدولة.