في حلقة جديدة من سلسلة الانتهاكات المروعة التي تشهدها الحرب الدائرة في السودان، كشفت تقارير طبية وحقوقية عن استمرار استخدام العنف الجنسي كسلاح ممنهج ضد المدنيين العزل، وخاصة النساء.
وأماطت شبكة أطباء السودان اللثام عن جريمة إنسانية بشعة تعرضت لها نساء سودانيات أثناء محاولتهن النجاة بأرواحهن من جحيم المعارك في الفاشر، ليفاجأن بانتهاكات وحشية في طريق النزوح نحو الشمال، في واقعة تعيد تسليط الضوء على غياب الحماية الدولية وتصاعد الفظائع في مناطق النزاع.
شهادات مروعة من مخيم "العفاض": الجسد كسلاح حرب
أكدت شبكة أطباء السودان، وهي جهة طبية مستقلة تعمل في ظروف بالغة التعقيد، أنها وثقت تعرض 19 امرأة للاغتصاب على يد أفراد ينتمون لقوات الدعم السريع. وقعت هذه الانتهاكات الجسيمة أثناء رحلة نزوح هؤلاء النسوة الشاقة من مدينة الفاشر في دارفور، متجهات صوب مدينة الدبة في الولاية الشمالية شمالي البلاد.
وبحسب البيان الصادر عن الشبكة يوم الأحد، فإن فريقها الميداني المتواجد في مخيم "العفاض" بمدينة الدبة استقبل الضحايا ووثق حالاتهن. وأشارت الشبكة بأسى إلى تفاصيل تزيد من فداحة الجرم، حيث تبين أن اثنتين من النساء اللواتي تعرضن للاعتداء حاملتان، مما يضع حياتهن وحياة الأجنة في خطر داهم. وتتلقى الضحايا حالياً رعاية صحية خاصة ودعماً نفسياً تحت إشراف فرق طبية محلية تحاول التخفيف من وطأة الصدمة الجسدية والنفسية العميقة التي لحقت بهن.
إدانات طبية: تطور خطير يستوجب التدخل الدولي
لم تكتفِ الشبكة بتوثيق الأرقام، بل أعربت عن إدانتها الشديدة لما وصفته بـ "عملية الاغتصاب الجماعي"، معتبرة أن هذه الحوادث ليست مجرد تجاوزات فردية، بل تشكل استهدافاً مباشراً وممنهجاً للنساء. وشدد البيان على أن هذه الأفعال تمثل تعدياً صارخاً وواضحاً على كافة القوانين والأعراف الدولية التي تجرم بشكل قاطع استخدام أجساد النساء كسلاح للقهر والإذلال في الصراعات المسلحة.
وحذرت الشبكة من أن استمرار ارتكاب مثل هذه الجرائم دون رادع يعكس تطوراً خطيراً في مستوى التعدي على الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع السوداني. كما نبهت إلى أن "صمت المجتمع الدولي" وتراخيه في التعامل مع هذه الملفات يرسل إشارات خاطئة قد تشجع الجناة على تكرار هذه الممارسات الوحشية.
ودعت الشبكة الأمم المتحدة والآليات الحقوقية المختصة إلى التحرك الفوري لتوفير حماية فاعلة للنساء والأطفال في مسارات النزوح، وإرسال فرق تحقيق مستقلة لتقصي الحقائق، وضمان وصول آمن للمساعدات الإنسانية والطواقم الطبية، فضلاً عن ممارسة أقصى درجات الضغط على قادة الدعم السريع لوقف هذه الاعتداءات والالتزام بالقانون الدولي الإنساني.
الفاشر تحت الحصار: تاريخ من الانتهاكات المتراكمة
تأتي هذه الجريمة في سياق تصعيد عسكري وأمني خطير شهدته مدينة الفاشر ومحيطها. ففي 26 أكتوبر الماضي، أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها على المدينة، وهو حدث مفصلي تلاه ارتكاب مجازر بحق المدنيين وفقاً لتقارير منظمات حقوقية مختلفة، وسط مخاوف متزايدة من أن يؤدي هذا الوضع إلى تكريس تقسيم جغرافي فعلي داخل السودان.
وتشير السجلات إلى أن هذه الحادثة ليست معزولة؛ ففي 16 نوفمبر الماضي، أعلنت شبكة أطباء السودان عن توثيق 32 حالة اغتصاب أخرى لفتيات نزحن من الفاشر إلى مخيم "طويلة" منذ اجتياح قوات الدعم السريع للمنطقة. وتأتي هذه الأرقام المتصاعدة لتؤكد تحذيرات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، التي نددت في 11 نوفمبر بما وصفته "جرائم قوات الدعم السريع"، مؤكدة أن الاغتصاب يُستخدم بشكل ممنهج كأداة للترويع والسيطرة.
الواقع الميداني والاعترافات الضمنية
على الرغم من عدم صدور تعليق فوري ومباشر من قوات الدعم السريع حول حادثة الـ 19 امرأة، إلا أن قائد القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) كان قد أقر في 29 أكتوبر بحدوث ما أسماه "تجاوزات" من قبل قواته، مدعياً تشكيل لجان تحقيق ومحاكم ميدانية، وهو ما يعتبره المراقبون اعترافاً ضمنياً بفقدان السيطرة أو بوجود نهج عدواني تجاه المدنيين.
ميدانياً، باتت قوات الدعم السريع تسيطر على كامل ولايات دارفور الخمس من أصل 18 ولاية سودانية، بينما يحافظ الجيش السوداني على سيطرته في أغلب ولايات الجنوب والشمال والشرق والوسط، بما في ذلك العاصمة الخرطوم، حيث يقطن غالبية سكان السودان في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، مما يعكس حجم الأزمة الإنسانية والنزوح الداخلي الهائل هرباً من مناطق نفوذ الدعم السريع التي ارتبطت بتقارير العنف والانتهاكات.

