في حلقة جديدة من مسلسل العنف الدموي الذي يضرب جنوب إفريقيا، استيقظت العاصمة بريتوريا فجر اليوم السبت على وقع مجزرة مروعة راح ضحيتها عشرة أشخاص على الأقل، بينهم طفل صغير لم يتجاوز عمره ثلاث سنوات.

 

الحادث، الذي وقع داخل أحد النزل السكنية، أعاد تسليط الضوء بقوة على الأزمة الأمنية المتفاقمة في البلاد، حيث باتت لغة الرصاص هي السائدة في ظل انتشار مرعب للسلاح غير القانوني ونشاط متزايد للعصابات الإجرامية، مما يهدد استقرار المجتمع الجنوب إفريقي ويعيد للأذهان حقبة العنف التي سادت في التسعينيات.

 

تفاصيل "ليلة الرعب" في نزل سولسفيل

 

وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن الشرطة الجنوب إفريقية، بدأت المأساة في حوالي الساعة الرابعة فجرًا، وهو التوقيت الذي اختاره الجناة لتنفيذ هجومهم الغادر . اقتحم مسلحون مجهولون نزل "سولسفيل" الواقع بمنطقة أتيريدجفيل غربي العاصمة بريتوريا، وفتحوا نيران أسلحتهم بشكل عشوائي ومكثف على المتواجدين .

 

أكدت المتحدثة باسم الشرطة، أثليندا ماثي، أن الهجوم أسفر عن حصيلة ثقيلة من الضحايا، حيث تأكد مقتل 10 أشخاص في موقع الحادث. ولم يقتصر الأمر على القتلى، بل امتدت يد الغدر لتصيب 25 شخصًا آخرين بطلقات نارية متفاوتة الخطورة، حيث هرعت سيارات الإسعاف وخدمات الطوارئ لنقل 14 منهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج اللازم، بينما تم إسعاف الباقين ميدانيًا .

 

ولعل أكثر ما يدمي القلب في هذه المأساة هو مقتل طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات، ليكون شاهدًا بريئًا على وحشية العنف المنفلت.

 

جنوب إفريقيا: بيئة خصبة للجريمة المنظمة

 

لا يعد هذا الحادث واقعة معزولة، بل هو عرض لمرض أمني مزمن تعاني منه الدولة. وبحسب تقارير نقلتها صحيفة "ميرور" البريطانية، تواجه جنوب إفريقيا تحديًا وجوديًا يتمثل في انتشار جرائم الأسلحة النارية بمعدلات هي الأعلى منذ تسعينيات القرن الماضي .

 

تتضافر عدة عوامل لتغذية هذا الوحش الأمني، أبرزها:

 

  • تدفق الأسلحة غير القانونية: حيث يسهل الحصول على السلاح الناري في الأسواق السوداء.
  • حروب العصابات: التي تتنازع على النفوذ والسيطرة في المناطق الفقيرة والمهمشة.
  • إرث العنف الطويل: الذي لا تزال تداعياته تؤثر على النسيج الاجتماعي .

 

سجل دامٍ من المجازر العائلية

 

بالنظر إلى التاريخ القريب، يتضح أن وتيرة "الإعدامات الجماعية" في تصاعد مخيف. فقبل أقل من عامين، وتحديدًا في 28 سبتمبر 2024، اهتزت مقاطعة كيب الشرقية على وقع حادثة مشابهة في بلدة لوسيكيسكي، حيث قُتل 17 شخصًا (بينهم 15 امرأة) في هجوم استهدف منزلين متجاورين أثناء تجمع عائلي . في تلك الليلة الدموية، قتل الجناة 12 شخصًا في منزل و4 في آخر، تاركين وراءهم ناجين يروون قصص الرعب، بينهم رضيع يبلغ شهرين.

 

وفي أبريل 2023، شهدت مدينة بيترماريتزبرج بمقاطعة كوازولو ناتال مأساة أخرى، حين تعرضت عائلة كاملة لكمين داخل منزلها، أسفر عن مقتل 10 أفراد من أسرة واحدة، بينهم 7 نساء، برصاص مسلحين مجهولين . هذه النماذج تؤكد أن المنازل والتجمعات العائلية، التي يُفترض أن تكون الملاذ الآمن، تحولت إلى مسارح للقتل الجماعي.

 

تساؤلات حول المستقبل الأمني

 

يضع هجوم بريتوريا الأخير الأجهزة الأمنية والحكومة في جنوب إفريقيا أمام اختبار صعب. فمع تكرار هذه الحوادث وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، تتزايد الضغوط الشعبية والدولية لفرض إجراءات صارمة لمراقبة السلاح وتفكيك شبكات الجريمة المنظمة.

 

إن استمرار هذا النزيف البشري يهدد بتقويض المكتسبات الديمقراطية والاقتصادية للبلاد، ويحول حياة المواطنين اليومية إلى رهان محفوف بالمخاطر.