في خطوة أثارت عاصفة من الجدل السياسي والأمني، أعلنت إسرائيل بشكل أحادي يوم 3 ديسمبر 2025 عزمها فتح معبر رفح البري "خلال أيام"، ولكن بشرط واحد: السماح بمغادرة الفلسطينيين من غزة إلى مصر دون السماح بالعودة. هذا الإعلان الذي غُلف بطابع "إنساني" ظاهري، سرعان ما تكشفت نواياه الخبيثة كمحاولة جديدة لتمرير مخطط التهجير القسري الذي فشل الاحتلال في تنفيذه عسكرياً، فقرر تمريره دبلوماسياً تحت لافتة "حرية الحركة".

 

الرد المصري جاء حاسماً وسريعاً بالنفي القاطع لأي تنسيق، مؤكداً أن المعبر لن يُفتح إلا باتجاهين وبضمانات تمنع تفريغ القطاع من سكانه.

 

الخديعة الإسرائيلية: خروج "اتجاه واحد"

 

إسرائيل تروج لهذه الخطوة كجزء من التزاماتها في اتفاق وقف إطلاق النار، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل. الطرح الإسرائيلي ينص على خروج الفلسطينيين (مرضى، جرحى، حملة جوازات أجنبية) بعد "موافقات أمنية" إسرائيلية، دون أي آلية واضحة لعودتهم.

 

هذا السيناريو يصفه المحلل السياسي عبد الحميد أحمد حمدي بأنه "فخ استراتيجي"؛ إذ تسعى إسرائيل لاستخدام المعبر كـ"أداة تفريغ ديموغرافي" لتقليل الكثافة السكانية في غزة تحت ذريعة العلاج والسفر. ويشير إلى أن غياب الضمانات الدولية يعني أن من يخرج قد لا يعود أبداً، ليتحول إلى "لاجئ" في سيناء أو الشتات، وهو ما يمثل خطراً مباشراً على الأمن القومي المصري الذي يرفض تصفية القضية الفلسطينية على حسابه.

 

الموقف المصري: "لا نزوح.. لا اتفاق أحادي"

 

القاهرة، عبر الهيئة العامة للاستعلامات، لم تكتفِ بنفي التنسيق، بل وضعت خطاً أحمر واضحاً: "المعبر مصري-فلسطيني، وأي تشغيل له يجب أن يكون ثنائي الاتجاه (دخول وخروج)". مصر تدرك أن القبول بالمعادلة الإسرائيلية (خروج بلا عودة) يعني شرعنة "التهجير الطوعي"، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي ومع خطة السلام الأمريكية المقترحة (خطة ترامب) التي تنص على حرية الحركة في الاتجاهين.

 

الرفض المصري يستند إلى مخاوف حقيقية من تحول سيناء إلى وطن بديل، ومن تكرار سيناريو "العالقين" الذين يخرجون ولا يسمح لهم الاحتلال بالعودة، ليصبحوا مشكلة مصرية خالصة.

 

حماس والخبراء: إنه "مخطط التطهير"

 

على الجانب الفلسطيني، كان الرفض أشد حدة. القيادي في حركة حماس، محمد نزال، وصف الإعلان الإسرائيلي بأنه "جزء من مخطط تهجير الفلسطينيين" الذي لم يتوقف منذ اليوم الأول للحرب. الحركة طالبت الوسطاء بالضغط لفتح المعبر بشكل كامل وغير مشروط لإدخال المساعدات وإخراج المرضى، وليس لتحويله إلى "بوابة هجرة".

 

ويتفق المحلل السياسي ياسر الزعاترة مع هذا الطرح، معتبراً أن إسرائيل تحاول "تجميل صورة الإبادة" بالسماح بخروج البعض، بينما تستمر في خنق الباقين. ويرى الكاتب نظام المهداوي أن الاحتلال يسعى لفرض "واقع جديد" يجعل الحياة في غزة مستحيلة، بحيث يصبح "الخروج" هو الخيار الوحيد للنجاة، وهو جوهر التطهير العرقي.

 

الكارثة الإنسانية: مرضى ينتظرون الموت

 

وسط هذا التجاذب السياسي، يدفع المدنيون الثمن. الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في غزة، كشف عن أرقام مرعبة: 22 ألف مريض وجريح (بينهم 5 آلاف طفل و5 آلاف مريض سرطان) حصلوا على تحويلات للعلاج بالخارج لكنهم محاصرون.

 

مركز غزة للسرطان أكد وفاة 3 مرضى يومياً بسبب نقص العلاج. هؤلاء ليسوا بحاجة لـ"تذكرة هجرة" بلا عودة، بل بحاجة لممر إنساني آمن يضمن علاجهم وعودتهم لوطنهم. ربط حياتهم بمخططات التهجير هو حكم بالإعدام البطيء عليهم.

 

خاتمة: المعبر.. سيادة أم أداة ابتزاز؟

 

أزمة معبر رفح الحالية ليست مجرد خلاف فني على إجراءات التشغيل، بل هي معركة إرادات حول مستقبل غزة. إسرائيل تريد معبراً يخدم أجندتها الأمنية والديموغرافية، ومصر وفلسطين تصران على معبر يخدم الحياة والبقاء. ما لم يتم التوصل لاتفاق شامل بضمانات دولية ملزمة تضمن حق العودة، سيظل المعبر مغلقاً، وستظل إسرائيل تستخدم معاناة المرضى كورقة ابتزاز رخيصة لتمرير ما عجزت عنه الدبابات.