كتب صالح سالم أن مصر فتحت هذا الأسبوع فصلًا جديدًا في دورها من خلال خطوات جدّية نحو استعادة نفوذ إقليمي تراجع كثيرًا في السنوات الماضية، عبر ترشيح مدينة العريش بشمال سيناء لتكون مقرّ قيادة قوة استقرار غزة على بُعد 40 كم فقط من حدود غزة. لم يعد العريش مجرد مدينة بعيدة في سيناء، بل أصبح مركزًا لإعداد قوة دولية تُجهّز لإدارة غزة بعد الحرب خلال ما يُسمّى بـ "مرحلة ما بعد الهدنة".
العريش كمنفذ استراتيجي للقضية الفلسطينية
عند اختيار مصر العريش مقرًا لقيادة القوة الدولية، حصل ملف غزة على بوابة برية وبحرية وجوية قوية: حدود برية مع غزة بطول 12 كم، السيطرة التامة على معبر رفح، ميناء ومطار العريش كمركز لوجستي، ومصداقية عريقة لدى دول كبرى في أزمة غزة، من واشنطن إلى الدوحة، مرورًا برام الله وتل أبيب.
يقول المحلل السياسي محمد ربيع إن أي حلّ أمني أو سياسي أو اقتصادي جدي لغزة أصبح لا يمر إلا عبر القاهرة، ما يجعل مصر لاعبًا حاسمًا و"حارس بوابة" لا غنى عنه للقضية الفلسطينية.
وجود مقر القيادة في سيناء يمنح القاهرة فرصة ليس فقط للمشاركة في إعادة إعمار غزة وإدارة شؤونها بعد الحرب، بل أيضًا لتأمين حدودها ومراقبة أي تداعيات أمنية محتملة من شمال سيناء — خاصة بعد سنوات من مواجهات مع جماعات مسلحة.
القوة الدولية… إدارة أم احتلال مموه؟
تُحضَّر القوة عبر استقبال جيوش من دول متعددة في العريش لتخضع لعمليات فرز، تدريب وتجهيز قبل دخولها غزة. ووفق مصادر، لن تُزوَّد هذه القوات بأسلحة فتاكة وإنما بتجهيزات غير قاتلة وتقنيات مراقبة، على أن تُنشر عبر الحدود للمساعدة في فرض ما يُسمّى فرض الهدنة الهشّة.
تفترض الخطة أن تتعاون قوة استقرار غزة مع مركز التنسيق المدني العسكري الإسرائيلية في كريات جات، لتنشئ محورًا أمنياً مزدوجًا على الحدود، ما يثير تساؤلات عن استقلالية القرار الفلسطيني، وعن إذا ما كانت هذه الخطوة تمهيدًا لإخراج “حماس” من المعادلة وتسليم غزة إلى إدارة مدنية — ربما تحت سيطرة متحالفة مع إسرائيل ومصر.
وفي هذا السياق، رفضت فصائل فلسطينية — وعلى رأسها حماس- فكرة تفكيك السلاح، معتبرة أن هذا مطلب وجودي لا يمكن التنازل عنه. ترى أن القوة الدولية محاولة لتقويض حقوق الشعب الفلسطيني وتحويل غزة إلى منطقة حكم انتقالي، ما يعيد إنتاج الاحتلال بنسخة جديدة ومصدر غضب سياسي داخل المجتمع الفلسطيني.
أزمة ثقة: هل يشهد سكان غزة عدالة وإعمارًا أم مزيدًا من التهميش؟
لا تزال كثير من التفاصيل غامضة: عدد الدول المشاركة في قوة استقرار غزة، طبيعة المهام المحددة، دور الشرطة الفلسطينية المزمع تدريبها، وكيف سيفصل بين مهام الأمن وإدارة الحكم المدني.
يُحذّر محللون فلسطينيون من أن غياب حل سياسي أو محاسبة على جرائم الحرب سيحوّل إعادة الإعمار إلى وهم، وأن تكرار الوضع الراهن سيخنق الأمل ويجبر آلاف العائلات على النزوح أو الهجرة. يلفت أسامة شعث إلى أن الاختبار الحقيقي ليس الهدنة نفسها، بل ما بعدها — هل سيعود اللاجئون؟ هل سيُحفظ حقهم في الأرض والعودة؟ أو سيُعِدّا لهم حياة بلا وطن في مهجر دائم؟
من ناحية مصر، قد تبدو الخطوة تكريسًا لدور إقليمي محسوب ومشروع حماية لأمن سيناء. لكن من منظور فلسطيني، ربما تكون بوابة تؤسس لمرحلة جديدة من السيطرة على فلسطين تحت عباءة “استقرار دولي”. يبقى السؤال: هل ستكون هذه البوابة مفتوحة لعبور الحق والعودة، أم مرتعًا لتصفية الهوية والحقوق؟
https://www.newarab.com/news/stabilisation-force-hq-sinai-egypt-becomes-gazas-gate

