في فضيحة جديدة تُضاف إلى سجل الفشل الحكومي الطويل، تعرض عدد من التلاميذ في مدرسة سيدز الدولية بالقاهرة للـتحرش والاعتداء الجنسي على يد عمال وأفراد أمن في المدرسة، في جريمة تهز الضمير وتكشف أن أطفال مصر ليسوا آمنين حتى في المدارس التي يُفترض أن تكون ملاذاً آمناً لهم.
وبينما تخرج وزارة التربية والتعليم لتعلن عن إجراءات وتحقيقات وإحالات للشؤون القانونية، يعرف المصريون جيداً أن هذه تصريحات روتينية لـامتصاص الغضب، وأن الحقيقة المرة هي أن حكومة الانقلاب فشلت فشلاً ذريعاً في حماية الأطفال من العنف الجنسي داخل المدارس، وأن ما حدث في سيدز ليس استثناءً، بل قاعدة في منظومة تعليمية منهارة وحكومة عاجزة عن أداء أبسط واجباتها.
سيدز: جريمة تحت أعين الإدارة
قررت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني وضع مدرسة سيدز الدولية بالقاهرة تحت إشرافها المالي والإداري بشكل كامل، وإحالة كافة المسؤولين عن واقعة الاعتداء الجنسي والتحرش بعدد من التلاميذ داخل إحدى الغرف بالمدرسة، للشؤون القانونية. لكن السؤال الحقيقي: كيف حدثت هذه الجريمة من الأساس؟ وأين كانت الإدارة والإشراف والرقابة التي تتحدث عنها الوزارة؟
الحقيقة أن إدارة المدرسة تستّرت على الجريمة، وأن الإهمال الجسيم في حماية الطلاب كان سمة أساسية للمدرسة. ورغم أن الإدارة تدعي أنها فور تلقيها البلاغات اتخذت إجراءات، إلا أن الواقع يشير إلى أن الجريمة استمرت لفترة، وأن أولياء الأمور هم من اضطروا للـشكوى والضغط حتى تتحرك الوزارة.
تصريحات وزارية فارغة: "أطفالكم أمانة"
قال وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف إن حماية الطلاب تمثل "أولوية قصوى لا تقبل التهاون"، مضيفاً: "لا يوجد جرم أشد قسوة من أن تمتد يد إلى طفل، أطفالنا أمانة في أعناقنا". هذه التصريحات الرنانة والفارغة سمعناها مئات المرات من مسؤولي نظام الانقلاب، بعد كل فضيحة، بعد كل جريمة، بعد كل إهمال.
لكن الواقع يكذّب هذه التصريحات. فإذا كانت حماية الأطفال "أولوية قصوى"، لماذا تتكرر جرائم التحرش والاعتداء الجنسي في المدارس؟ لماذا لا توجد آليات رقابية فعالة؟ لماذا لا تُطبق معايير صارمة لتوظيف العاملين في المدارس؟ لماذا لا توجد برامج توعية للأطفال حول حماية أنفسهم من الاعتداء؟
الإجابة البسيطة: لأن حكومة الانقلاب منشغلة بـالقمع وبناء القصور والمشروعات الاستعراضية، بينما الأطفال يتعرضون للـاغتصاب والتحرش في مدارسهم، والوزير يكتفي بـالتصريحات.
ظاهرة وليست حالة معزولة
الواقعة الأخيرة في سيدز ليست الوحيدة التي تشهدها المدارس في مصر. فخلال الأشهر الأخيرة، أحالت النيابة العامة عدداً من المُعلمين إلى المحاكمة التأديبية على خلفية وقائع مشابهة.
وفي عام 2020، صدر حكم من المحكمة الإدارية العليا بفصل مدرس تحرش بـ120 تلميذة داخل مدينة الإسكندرية، وتضمن هذا الحكم إقراراً بوجود ظاهرة التحرش الجنسي داخل المدارس، واتهاماً لبعض أجهزة الدولة بـالتقصير في معالجة هذه المشكلة.
مدرس واحد يتحرش بـ120 تلميذة! هذا الرقم المرعب يكشف حجم الكارثة، ويؤكد أن ما يحدث ليس حالات فردية، بل ظاهرة منظمة تعكس فشلاً حكومياً شاملاً في حماية الأطفال.
23% من النساء تعرضن للتحرش في أماكن تعليمية
كما أظهرت نتائج استطلاع رأي أجراه مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي في مصر عام 2021، بعنوان "العنف الجنسي في مصر"، أن 23% من النساء المشاركات في الاستطلاع تعرضن للتحرش في أماكن تعليمية.
هذا يعني أن واحدة من كل أربع نساء تعرضت للتحرش في المدرسة أو الجامعة، في رقم صادم يكشف أن المؤسسات التعليمية في مصر غير آمنة للطالبات، وأن الحكومة فشلت في توفير بيئة تعليمية آمنة.
تخفيف الحكم على مغتصب طفل: إهانة للعدالة
الأسبوع الماضي، خففت محكمة استئناف جنايات دمنهور بالبحيرة، الحكم على مراقب حسابات بإحدى المدارس الخاصة، من السجن المؤبد إلى السجن المشدد 10 سنوات، في إدانته بـ"هتك عرض أحد تلاميذ رياض الأطفال بالمدرسة باستخدام القوة والتهديد".
تخفيف الحكم على من اغتصب طفلاً من المؤبد إلى 10 سنوات فقط، هو إهانة للعدالة وإهانة للطفل الضحية وإهانة للمجتمع بأكمله. هذا الحكم يرسل رسالة واضحة: اغتصب طفلاً وستحصل على 10 سنوات فقط، وقد تخرج بـالعفو أو الإفراج المشروط بعد سنوات قليلة.
حكومة الانقلاب: منشغلة بالقصور والأطفال يُغتصبون
بينما يُبنى قصر رئاسي جديد كل شهر، وبينما تُنفق المليارات على الكباري الاستعراضية والعاصمة الإدارية والمدن الجديدة، يتعرض الأطفال في المدارس الحكومية والخاصة للـتحرش والاغتصاب والاعتداء الجنسي، دون أن تتخذ الحكومة إجراءات حقيقية لحمايتهم.
حكومة الانقلاب تفشل في:
- توفير رقابة فعالة على المدارس
- تطبيق معايير صارمة لتوظيف العاملين
- إنشاء آليات حماية للأطفال من الاعتداء
- محاسبة المسؤولين عن التستر على الجرائم
- توعية الأطفال وأولياء الأمور بكيفية حماية أنفسهم
تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال
إدارة المدرسة: شريك في الجريمة
إدارة مدرسة سيدز تتحمل مسؤولية كاملة عما حدث. فالجريمة لم تحدث بين ليلة وضحاها، بل استمرت لفترة، وكان من المفترض أن تكتشفها الإدارة إذا كانت تقوم بـواجبها. لكن الإدارة تستّرت، وربما تجاهلت شكاوى سابقة، حتى اضطر أولياء الأمور للـفضح والضغط العلني.
زيادة الإشراف على الطلاب، وقصر التواجد في بعض المرافق على الكوادر النسائية فقط، ورفع مستوى الرقابة التكنولوجية، كلها إجراءات كان يجب أن تكون موجودة منذ البداية، وليست ردود أفعال على فضيحة.
وزارة التربية: تتحرك بعد الفضيحة
وزارة التربية والتعليم تتحرك دائماً بعد الفضيحة، لا قبلها. لا توجد رقابة استباقية، لا توجد معايير صارمة تُطبق على جميع المدارس، لا توجد محاسبة لمن يتستر على الجرائم. الوزارة تنتظر حتى تحدث فضيحة إعلامية، ثم تخرج بـبيانات وتحقيقات وإحالات، دون أن تعالج جذور المشكلة.

