في تعليق ساخر لكنه منطقي، طرح د. مراد علي عبر حسابه على منصة "إكس" معادلة إحصائية بسيطة: في دولة يبلغ تعدادها 120 مليون نسمة، من الطبيعي أن تجد مئات أو آلاف من المؤيدين لأي شخص، حتى لو كان فاسداً أو منافقاً أو مثيراً للجدل.
هذا التحليل جاء تعليقاً على الاستقبال الشعبي الذي حظي به الإعلامي مصطفى بكري، والتدافع لالتقاط الصور مع علاء مبارك نجل الرئيس السابق، والتودد لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى المحكوم في قضية قتل.
التعليق لا يحمل استغراباً، بل تفسيراً إحصائياً لظاهرة تبدو غريبة للوهلة الأولى: كيف يجد هؤلاء مؤيدين؟ الإجابة ببساطة: الأرقام الكبيرة تسمح بوجود كل أنواع التوجهات، وهذا واقع ديموغرافي وليس مؤشراً على صحة الموقف أو نزاهة الشخصية.
المنطق الإحصائي: لماذا الأعداد الكبيرة تفسر كل شيء
في أي مجتمع كبير، حتى أقل الآراء شيوعاً أو أغرب التوجهات ستجد قاعدة من المؤيدين. إذا افترضنا أن 1% فقط من السكان يؤيدون شخصية معينة، فهذا يعني في مصر 1.2 مليون شخص. وإذا كانت النسبة 0.1% فقط، فهذا يعني 120 ألف شخص. وحتى لو كانت النسبة 0.01%، فهذا يعني 12 ألف شخص، وهو رقم كافٍ لملء استاد رياضي أو إحداث ضجة إعلامية.
هذا المنطق الرياضي البسيط يفسر لماذا يظهر استقبال شعبي لشخصيات مثيرة للجدل، دون أن يعني ذلك بالضرورة إجماعاً مجتمعياً أو تأييداً واسعاً. فالأعداد الكبيرة تخفي الحقيقة، وتعطي انطباعاً مضللاً بأن هناك قبولاً واسعاً بينما الواقع أن النسبة قد تكون ضئيلة جداً.
مصطفى بكري ومئات المستقبلين: ظاهرة طبيعية إحصائياً
عندما يظهر مئات الأشخاص لاستقبال مصطفى بكري، قد يبدو المشهد مثيراً للدهشة، لكن من منظور إحصائي، هذا طبيعي تماماً. فحتى لو كان 99% من الشعب لا يؤيدونه أو لا يهتمون به، فإن 1% المتبقية تعني 1.2 مليون شخص. ومنهم بالطبع من لديه الوقت والاهتمام والقدرة على الحضور لاستقباله.
هذا لا يعني أن المجتمع يقبل أو يبرر ما قد يكون قام به من أفعال مثيرة للجدل، بل يعني فقط أن التعداد السكاني الكبير يسمح بوجود كل أنواع الآراء والتوجهات، بما فيها التأييد لشخصيات لا تحظى بتأييد الأغلبية.
علاء مبارك والصور التذكارية: البحث عن الشهرة أو الانتماء
التدافع لالتقاط الصور مع علاء مبارك، نجل الرئيس السابق حسني مبارك، يمكن تفسيره من عدة زوايا، كلها تعود إلى المنطق الإحصائي نفسه. فمن بين 120 مليون نسمة، سيكون هناك حتماً:
- من لا يزال يحن إلى عهد مبارك، رغم كل ما حدث.
- من يبحث عن الشهرة ولو بالتصوير مع شخصية مثيرة للجدل.
- من يؤمن بأن عائلة مبارك مظلومة، رغم الأحكام القضائية.
- من يريد الانتماء إلى دائرة النفوذ القديمة أملاً في استفادة مستقبلية.
كل هذه الفئات، مهما كانت نسبتها ضئيلة، ستشكل أعداداً كافية لخلق انطباع بوجود قاعدة شعبية، بينما الواقع أنها قد تكون هامشية مقارنة بالأغلبية الساحقة.
هشام طلعت مصطفى والتودد: الانتهازية والنفوذ
التودد لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، المحكوم في قضية قتل، يعكس جانباً آخر من المعادلة. فمن بين 120 مليون شخص، هناك من يضع المصلحة الشخصية فوق المعايير الأخلاقية، ومن يرى في رجل الأعمال الثري فرصة للاستفادة، مهما كان تاريخه.
هذا ليس تبريراً لهذا السلوك، بل تفسير له. فالتعداد الكبير يعني تنوعاً في القيم والأخلاق والأولويات، وبالتالي سيكون هناك دائماً من يتجاوز المعايير الأخلاقية لتحقيق مصلحة شخصية.
"غوغاء": وصف قاسٍ لكنه يعكس واقعاً
استخدام د. مراد علي لمصطلح "غوغاء" للإشارة إلى من يتسابقون لالتقاط الصور مع علاء مبارك قاسٍ، لكنه يحمل رسالة. فهو يشير إلى أن هؤلاء ليسوا بالضرورة يمثلون رأياً مدروساً أو موقفاً مبدئياً، بل قد يكونون مجرد أعداد تتحرك دون تفكير نقدي.
ومع ذلك، حتى هذا الوصف يفسَّر إحصائياً: في 120 مليون نسمة، سيكون هناك حتماً آلاف ممن يفتقرون إلى الوعي السياسي أو النقد الذاتي، وهم موجودون في كل المجتمعات، لكن العدد الكبير يجعلهم أكثر وضوحاً.
الدرس المستفاد: الأعداد لا تعني الصواب
الرسالة الأساسية من تعليق د. مراد علي واضحة وبسيطة: وجود مؤيدين لشخص ما، مهما كان عددهم، لا يعني بالضرورة أن هذا الشخص على حق أو نزيه أو يستحق التقدير. في مجتمع كبير، كل رأي وكل توجه سيجد قاعدة من المؤيدين، وهذا واقع ديموغرافي لا يمكن إنكاره.
خاتمة: فهم الظاهرة لا يعني تبريرها
التحليل الإحصائي لظاهرة تأييد الشخصيات المثيرة للجدل لا يعني تبريرها أو القبول بها، بل فهمها. فالمجتمع الذي يبلغ تعداده 120 مليون نسمة سيشهد حتماً كل أنواع الظواهر، من أنبل المواقف إلى أغربها.
المطلوب ليس الاستغراب من وجود مئات أو آلاف يؤيدون شخصيات مثيرة للجدل، بل فهم أن هذا واقع إحصائي، والعمل على نشر الوعي والتثقيف وتعزيز القيم الأخلاقية التي تجعل من النسب الضئيلة أقل تأثيراً، ومن الأغلبية الواعية أكثر حضوراً وفاعلية.

