صعّد عمال شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالقاهرة احتجاجاتهم، اليوم السبت، مطالبين بتدخل الرقابة الإدارية لكشف ما وصفوه بـ"سرقة أموال الشركة من قبل عدد من القيادات"، فيما دخل عمال شركة مياه الشرب بالمنيا على خط الاحتجاجات المستمرة منذ 11 يومًا، للمطالبة بضم العلاوات المتأخرة وتثبيت المؤقتين، في مشهد يكشف أن الفساد والنهب المنظم لأموال العمال أصبح سمة أساسية لحكم الانقلاب العسكري، وأن الشعب المصري لم يعد صامتاً على الظلم والسرقة التي يمارسها النظام وأذرعه في كل قطاع.

 

"شركتنا فيها حرامية".. هتاف يفضح النظام

 

ظهر عمال مياه الشرب بالقاهرة والمنيا وهم يتظاهرون في عدد من مواقع الشركة، مرددين هتافات "يا رقابة يا إدارية.. شركتنا فيها حرامية" و"علي الصوت قول متخافشي الحرامية لازم تمشي" و"العلاوات العلاوات.. التثبيت والبدلات". هذه الهتافات الجريئة تكشف أن العمال لم يعودوا خائفين من التصريح علناً بأن قيادات الشركة تسرق أموالهم، وأنهم يطالبون الرقابة الإدارية بالتدخل لمحاسبة "الحرامية".

 

شكاوى إلكترونية للرقابة الإدارية.. محاولة يائسة

 

أكد أحد العمال أن عدداً منهم تقدم بشكاوى إلكترونية لهيئة الرقابة الإدارية للتحقيق في "وقائع فساد" بالشركة أدت إلى "إهدار وسرقة المال العام، ونهب أموال العمال". هذه الخطوة تعكس حالة يأس وصل إليها العمال، الذين لم يجدوا أمامهم سوى اللجوء إلى الرقابة الإدارية كـآخر أمل لاستعادة حقوقهم المنهوبة.

 

لكن الحقيقة المرة هي أن الرقابة الإدارية لن تتحرك ضد القيادات الفاسدة في شركة مياه الشرب، لأنها جزء من المنظومة التي تحمي الفساد وليست جهة مستقلة تحارب الفساد. الشكاوى الإلكترونية ستُحفظ، والملفات ستُغلق، والقيادات الفاسدة ستواصل نهب أموال العمال، والنظام سيواصل غض الطرف عن الفساد ما دام المفسدون موالين له.

 

احتجاجات مستمرة منذ 12 نوفمبر.. والإدارة تماطل

 

بدأت احتجاجات عمال مياه الشرب بالقاهرة في 12 نوفمبر، بوقفات وتظاهرات متزامنة في عدد من فروع الشركة، للمطالبة بـضم العلاوات المتأخرة منذ 2016، ومراعاة التدرج الوظيفي في تطبيق الحد الأدنى للأجور، وصرف فروق الضرائب، بالإضافة إلى إقالة عدد من قيادات الشركة على رأسهم نائب رئيس مجلس إدارة مياه الشرب بالقاهرة للشؤون المالية والإدارية علي عماشة.

 

هذا يعني أن العمال يحتجون منذ 11 يوماً متواصلة، دون أن تستجيب الإدارة لمطالبهم العادلة، بل تحاول احتوائهم بقرارات فارغة ووعود كاذبة. العلاوات المتأخرة منذ 2016، أي منذ 9 سنوات، وهو ما يعني أن الشركة تسرق من رواتب العمال منذ سنوات، دون أي محاسبة أو رقابة.

 

30 موقعاً تنتفض.. والاحتجاجات تمتد إلى محافظات أخرى

 

في اليوم التالي، امتدت الاحتجاجات لتشمل 30 موقعاً للشركة ما بين شبكات مياه ومحطات تحلية وفروع خدمة عملاء ومخازن والإدارة العامة للشركة بشارع رمسيس، ثم لحق بعمال القاهرة عمال شركات مياه الشرب في الإسكندرية والجيزة والشرقية، الذين نظموا وقفات احتجاجية على أيام متفرقة.

 

هذا الامتداد الجغرافي للاحتجاجات يكشف أن الأزمة ليست محلية، بل وطنية شاملة، وأن عمال مياه الشرب في مختلف المحافظات يعانون من نفس المشاكل: سرقة العلاوات، تأخير التثبيت، فروق الضرائب المنهوبة، قيادات فاسدة تنهب أموال الشركة والعمال. هذا يعني أن الفساد منظم وليس حالات فردية، وأن المنظومة بأكملها تحتاج إلى تطهير شامل.

 

"لسه بيسرقونا بكل بجاحة".. استمرار النهب رغم الاحتجاجات

 

قال عامل ثانٍ إنه على الرغم من اعتراف إدارة الشركة بفروق الضرائب التي خُصمت من العمال بأعلى من النسبة المستحقة عليهم، خلال الثماني سنوات الأخيرة، إلا أن نفس الخصومات تم تطبيقها على راتب شهر نوفمبر الذي تقاضاه العمال الخميس، ما أثار غضبهم، مضيفاً: "لسه بيسرقونا بكل بجاحة".

 

المنيا تنضم للاحتجاجات.. الغضب يتصاعد

 

قال عامل ثالث بشركة مياه الشرب بمحافظة المنيا، إنهم نظموا اليوم السبت، وقفة احتجاجية في فرع الشركة ببني مزار، تضامناً مع عمال مياه الشرب بالقاهرة، في المطالبة بضم العلاوات المتأخرة وتثبيت المؤقتين، وكافة المطالب التي رفعها زملائهم، وأنهم ينسقون مع باقي فروع الشركة بالمنيا لتنظيم احتجاجات متزامنة خلال الأيام المقبلة.

 

هذا التضامن بين عمال القاهرة والمنيا يكشف أن الوعي الطبقي بدأ يتشكل بين العمال، وأن الاحتجاجات لم تعد معزولة، بل منسقة ومتصاعدة. المنيا، التي تُعتبر من أفقر المحافظات المصرية، تشهد الآن انتفاضة عمالية تضامناً مع القاهرة، في مشهد يذكّر بالحركات العمالية التاريخية التي كانت تهز أركان الأنظمة الظالمة.

 

محاولات احتواء فاشلة.. والعمال يرفضون المماطلة

 

بحسب حديث سابق لعمال مياه القاهرة، فإن الإدارة حاولت احتواء غضبهم بصرف فروق الضرائب عن سنة من ثماني سنوات مستحقة، الثلاثاء الماضي، وهو ما اعتبره المحتجون استهانة بمطالبهم. كما فشلت القرارات الصادرة من الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي في إقناع العمال بإنهاء احتجاجاتهم، واعتبروها فارغة من أي مضمون وتعتمد على المماطلة والتسويف، وأنها تجاهلت أهم ثلاثة مطالب لهم وهي صرف العلاوات المتأخرة، وتثبيت المؤقتين، وإقالة عماشة.

 

إقالة عماشة.. مطلب محوري يكشف الفساد

 

من أهم مطالب العمال إقالة علي عماشة، نائب رئيس مجلس إدارة مياه الشرب بالقاهرة للشؤون المالية والإدارية. هذا المطلب ليس شخصياً، بل يعكس قناعة العمال بأن عماشة هو رأس الفساد في الشركة، وأنه المسؤول عن نهب أموالهم وسرقة علاواتهم. لكن هل ستستجيب الحكومة لهذا المطلب؟

 

"الحرامية لازم تمشي"

 

هتاف "الحرامية لازم تمشي" الذي ردده عمال مياه الشرب ليس موجهاً فقط لقيادات الشركة، بل لـكل الحرامية في كل المواقع، من أصغر موظف فاسد إلى أكبر حرامي على رأس النظام.

 

العمال المصريون، الذين ظلوا صامتين لسنوات على الظلم والنهب، بدأوا اليوم يرفعون أصواتهم ويطالبون بحقوقهم دون خوف. الاحتجاجات التي بدأت في القاهرة امتدت إلى المنيا وقد تمتد إلى كل المحافظات، في موجة غضب لن يستطيع النظام احتواءها بالوعود الكاذبة والقرارات الفارغة.