سامح راشد
باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط
أُجريت انتخابات برلمانية في مصر الأسبوع الماضي. ومرت عملية التصويت، التي جرت في يومَيْن متتاليَيْن، بهدوء شديد. حتى إن مصريين كثيرين لم يشعروا أن ثمّة انتخابات تجري. وراوحت نسبة المشاركة في التصويت بين 20% و 25% فقط من الناخبين المُؤهَّلين. أي لا جديد يُذكر بشأن تدنّي نسب المشاركة وانحسار اهتمام المواطن المصري بالاستحقاقات السياسية، وبصفة خاصّة الانتخابات البرلمانية، فالعزوف عن التفاعل مع حياة سياسية ميّتة أصلًا، أمر منطقي تمامًا، ويعبّر عن مجموعة قناعات ترسّخت في الثقافة السياسية المصرية عقودًا متتالية، توجزها مقولات شائعة بين المصريين، منها: "البلد بلدهم" و"مفيش فائدة". وهي عناوين ترمز إلى اليأس من جدوى المشاركة وتفضيل الانعزال نفسيًا وعمليًا عن تلك الطقوس الشكلية معدومة المردود على حياة المواطن البسيط.
الجديد مغزى تكرار الدولة العميقة في مصر أخطاءها، من دون تعديل أو اتعاظ من نتائج أخطاء، بل خطايا سابقة. فالمشهد الانتخابي البائس الذي عاشته مصر قبل أيام، يكاد يتطابق مع مجريات الانتخابات البرلمانية في عام 2010، وكانت سببًا مباشرًا في تعميق الإحباط العام ورفع درجة الاحتقان والغليان المجتمعي المكتوم، حتى بات المزاج العام مهيًّا للانفجار مع أيّ شرارة بسيطة. وكانت تلك الشرارة مصرع شاب اسمه خالد سعيد على يد رجل شرطة، تسبّبت في اندلاع ثورة 25 يناير (2011).
كان اندلاع الثورة مفاجئًا، ليس للسلطة ونخبها فقط، بل أيضًا لعموم المصريين. وبالمثل، لا يُتوقَّع أن تكون انتخابات البرلمان (2025) مدعاةً لثورة أو إشارة لبدء حراك سياسي شعبي، فالواقع الحالي أشدّ قسوةً وشراسةً ممّا كان في العام الأخير من عهد مبارك، ما يجعل المصريين يخشون أيَّ تعبير عن الضجر، ولو رمزًا. وبالتالي، فالشرارة التي أشعلت ثورة يناير، أضعف بمراحل من حال السبات العميق الراهن.
الواضح أن قراءة السلطة الحالية الواقع المصري لا تختلف كثيرًا عن قراءة سلطة حسني مبارك واقع 2010. بل يبدو أن الجدل داخل أروقة السلطة وأجهزتها الأمنية حول أفضل السبل لتثبيت الاستقرار وإحكام السيطرة، انتهى على الأرجح لصالح صقور القبضة الأمنية والسيطرة الشاملة وتقييد حرية التعبير. وهو التوجّه الذي اعتبر ثورة يناير، نتيجةً مباشرةً لمدى "تساهل" مبارك مع الآراء المخالفة، وفتح المجال أمام حرية التعبير بأكثر ممّا يجب.
إذن، لا جديد في المشهد الانتخابي بمصر 2025، ممّا كان في انتخابات 2010 وما قبلها. بينما تشهد الحياة المصرية عمومًا تعميقًا للكبت العام وتوسيع نطاق الإفقار. ففي 2010 كانت الأحوال الاقتصادية في حدّها الأدنى الذي يمكن للمصريين التعامل معه، ولو بصعوبة. وكانت مساحة الحراك السياسي أرحب. أمّا حاليًا، فبعد عقدٍ من الاستنزاف الاقتصادي والاقتراض المتوالي لتشييد قصور وشقّ جسور، نضبت الموارد أمام السلطة الحاكمة فلجأت إلى تفريغ جيوب المصريين. وفيما يتراكم الإحباط إزاء الانفراج السياسي، يزداد الاحتقان والغضب من التردي الاقتصادي وعجز السلطة عن مواجهته.
وبدلًا من تحسين الوضع وتخفيف وطأته، ولو جزئيًا، تعيد السلطة إنتاج مشهد 2010، فسنّت قانونًا للانتخابات يجمع بين نظامَي القوائم المطلقة والفردي في مزجٍ غير مفهوم. واستحدثت بدعةً برلمانيةً غير مسبوقة بتوريث مقاعد البرلمان وتدويرها بين الآباء والأبناء والأشقاء، كما لو كانت ملكيةً خاصةً أبدية لعائلات بعينها.
ليس معنى ذلك أن ثورة يناير ستتكرّر قريبًا، فالقبضة الأمنية أشدّ وأعنف، والإحباط الشعبي أوسع وأعمق، رغم أن الفارق بين برلمانَي 2010 و2025 زمني وكمّي فقط. كذلك فإن المنطق والتوجّه والإدراك هي ذاتها، رغم اختلاف شخوص السلطة ومؤسّساتها وأدواتها.

