في خطاب مؤثر وعاصف في حفل جوائز «ماجنيتسكي لحقوق الإنسان» بلندن، كشفت الناشطة سناء سيف عن استمرار التنكيل بأسرتها ومنع شقيقها الكاتب والناشط السياسي المصري البريطاني علاء عبد الفتاح من السفر، رغم حصوله على عفو رئاسي قبل أشهر. أكدت سيف أمام الحضور الدولي أن النظام المصري لا يزال يمارس سياسة الانتقام السياسي، وأن الإفراج عن علاء لم يكن سوى نسخة منقحة من السجن، تتحول فيها الأسوار إلى إقامة جبرية ومنع من السفر وملاحقة أمنية بلا نهاية.

 

هذا الإعلان جاء ليحطم ما روجت له الحكومة من دعايات عن «انفراجة» و«حوار وطني»، ويعيد للواجهة حقيقة أن النظام لا يزال يعتبر حرية التنقل وحرية التعبير امتيازات أمنية لا حقوقًا إنسانية.

 

من الزنزانة إلى السجن الكبير

 

رغم الإفراج عن علاء عبد الفتاح من سجن وادي النطرون بعد 287 يومًا من الإضراب عن الطعام خاضته والدته المناضلة الأكاديمية ليلى سويف، فإن حريته بقيت شكلية.

 

ففي 11 نوفمبر الجاري، وبينما كانت الأسرة في طريقها إلى السفر عبر مطار القاهرة متوجهة إلى لندن، فُوجئوا بإبلاغهم رسميًا بقرار منع علاء من المغادرة.

 

لا حكم قضائي، ولا قرار مكتوب، ولا مذكرة تفسيرية—فقط تعسف إداري مطلق ينسف أبسط حقوق الإنسان.

 

النظام لم يكتفِ بعرض الإفراج كإنجاز سياسي أمام المجتمع الدولي، بل قرر تحويله إلى نسخة جديدة من العقاب الصامت.

 

كيف يمكن وصف هذا الوضع؟ إنه سجن بلا قضبان، وإقامة جبرية بلا حكم، وعدالة تُدار كملف أمني وليس كمبدأ قانوني.

 

طفل ينتظر أباه.. ودولة تمارس القسوة بلا حدود

 

منع علاء من السفر لا يستهدفه وحده، بل يعاقب أسرته وابنه الوحيد خالد، المصاب باضطراب طيف التوحد، والذي يدرس في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة برايتون البريطانية.

 

أكثر من عامين لم يتمكن خلالهما من رؤية والده، بسبب قرارات أمنية متخبطة وغير مبررة.

 

هل أصبح لقاء أب بابنه جريمة تهدد الأمن القومي؟
هل يحتاج نظام يملك أجهزة أمنية وجيشًا وشرطة وجهاز مخابرات إلى قمع أب مريض ومتعب كي يشعر بالقوة؟

 

إن حرمان طفل من حقه الإنساني في رؤية والده، لا يندرج إلا ضمن سياسة عقاب جماعي يفتقد إلى أدنى قدر من الإنسانية أو الأخلاق أو القانون.

 

جائزة دولية وفضيحة سياسية

 

في حفل حقوقي عالمي، حصل كل من علاء ووالدته ليلى سويف على جائزة «الشجاعة في مواجهة النيران»، وهي جائزة تُمنح لمن يدفعون حياتهم ثمناً للدفاع عن الحقوق والحريات.

 

كان يفترض أن يقف علاء على المسرح، لكنه غاب قسرًا، ليصعد بدلاً منه صوت أخته سناء، التي قالت بوضوح إن النظام المصري يعاقب العائلة فقط لأنها رفضت الصمت والخضوع.

 

تسلمت سناء الجائزة وهي تقول: «أمنيتي الوحيدة هي لمّ شمل علاء مع ابنه خالد في برايتون».

 

بينما كان الحضور الدولي يشاهد عائلة تمنح العالم درسًا في الصمود، كانت السلطات المصرية تمنح العالم مثالًا حيًا على دولة تخاف من الكلمة أكثر من خوفها من السلاح.

 

حوار وطني على مقاس السلطة

 

القضية لا تتعلق بعلاء وحده، بل بآلاف المحتجزين والممنوعين من السفر والمحرومين من حقوقهم الأساسية.

 

ومع كل خطاب رسمي مليء بالشعارات عن «الجمهورية الجديدة»، تتوسع قائمة المنع والسجون والملاحقات.

 

كيف يمكن لنظام يدّعي الإصلاح أن يمنع مواطنًا بريطاني الجنسية من السفر دون إجراء قانوني؟

 

كيف يمكن لنظام يتحدث عن التنمية والازدهار أن يُعرّي نفسه أمام العالم في مناسبة حقوقية دولية؟

 

العالم يرى.. فإلى متى تستمر الدولة في إنكار الحقيقة؟

 

قضية علاء عبد الفتاح ومنع سفره ليست سوى فصل جديد من مسلسل طويل من الانتقام السياسي ضد كل من يملك القدرة على التفكير بصوت مرتفع.

 

مهما حاولت السلطة تجميل صورتها، فإن ممارساتها ضد الصحفيين والنشطاء والمعارضين لا تزال تكشفها يومًا بعد يوم.

 

سناء سيف لم تتحدث فقط كأخت، بل كشاهدة على الحقيقة، وكاشفة لسياسة دولة أصبحت فيها الحرية جريمة، والرحمة ضعفًا، والإنسانية خطرًا أمنيًا.

 

وستبقى قضية علاء سؤالًا مفتوحًا في وجه النظام: إلى متى سيظل الخوف هو لغة الحكم الوحيد في مصر؟