كان المرشحون للبرلمان حتى زمن ليس بالبعيد يتنافسون في عرضهم برامجهم الانتخابية، التي تكشف عن قائمة بأهم الوعود التي سيسعون لتحقيقها، وكذا المشاكل والتحديات التي سيعملون على إيجاد حلول لها، آملين أن يحظوا بثقة الناخبين في دوائرهم الانتخابية. 

 

لكن يبدو أن هذا أصبح من الماضي شأنه شأن أشياء كثيرة اختفت وتلاشت في عهد الانقلاب، فلا معارضة، ولا سياسة من الأساس في عهد السيسي الذي لا يخجل من الاعتراف بكونه غير مؤهل لممارسة السياسة، والتي تعد في الديمقراطيات وحتى في الدول شبه الديمقراطية تعد المؤهل الأول للحاكم، لكن الفرق في مصر وغيرها كما الفارق بين السماء والأرض. 

 

هدوء ما قبل الاانتخابات 

 

على الرغم من أن مصر تترقب إجراء الانتخابات البرلمانية في الأسبوع المقبل، لكن من الملاحظ أن هناك حالة من الهدو في الشارع، في ظل غياب أجواء التنافس الحر بين المرشحين، وعدم نزولهم إلى الناخبين في مواكب من المؤيدين كما كان يحدث في الماضي. 

 

ذلك كله يعد شهادة واعترافًا بأن الانتخابات تم هندستها في الغرف الأمنية المغلقة، وبالتالي فكل ما يجري حاليًا هو عملية ديكورية لإخراج المشهد الباهت، والتظاهر بأن هناك انتحابات على غير الحقيقة والواقع.

 

وتُنفذ العملية الانتخابية وفقًا لنظام القائمة المطلقة والنظام الفردي، مع تخصيص 284 مقعًدا لكل منهما من إجمالي مقاعد المجلس.

 

وتخوض الانتخابات البرلمانية أربع قوائم انتخابية، تتصدرها "القائمة الوطنية من أجل مصر"، التي تضم 12 حزبًا، أبرزها حزب "مستقبل وطن" صاحب الأغلبية. ويشترط القانون حصول القائمة على 5 في المائة من الأصوات للفوز. كما يتنافس 2826 مرشحًا على المقاعد الفردية.

 

وفق ما تسرب من تفاصيل ومعلومات حول آلية اختيار المرشحين على "القائمة الوطنية من أجل مصر"، فقد كان الشرط الأساسي هو تقديم تبرع لا يقل عن 50 مليون جنيه، وهو ما فتح الباب واسعًا أمام رجال الأعمال والذين تحوم حولهم الشبهات للدخول إلى البرلمان، طمعًا في تحقيق مكاسب واكتساب الحصانة البرلمانية.

 

هندسة الانتخابات

 

في أجواء كهذه يبدو الترشح خارج القائمة، أو خوض المنافسة على المقاعد الفردي أشبه بالانتحار، لأن الأجواء الانتخابية تفتقد إلى الشفافية، ومما يزيد المخاوف أكثر أنها تجرى في غياب رقابة القضاء. وستكون انتخابات البرلمان في مصر أول تطبيق عملي لانتهاء مدة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، بعد انقضاء المدة المحددة في دستور 2014، المعمول به في البلاد حالياً، في 17 يناير عام 2024.

 

والمعيار هنا في التصويت للمرشحين لن يكون قائمًا على أسس موضوعية، بل محكومًا بمن لديه القدرة على شراء الأصوات والحشد داخل اللجان بالطرق المشروعة وغير المشروعة، ويكفي أن تلقي نظرة على المشهد الانتخابي والنظر إلى النساء اللواتي يصطففن في طوابير من أجل الحصول مبلغ نقدي أو كرتونة مملوءة بالسلع التموينية. 

 

والواقع يؤكد أنه لا قيمة لأية برامج انتخابية لأنها لن تجد من يقرأها في الأساس، ولن تجد من ينظر إليها في غياب التنافسية الحقيقية بين المرشحين. الانتخابات في حقيقتها مشهد هزلي تعكس طبيعة المرحلة ورجالاتها، وليس مهمًا أن يكون لديك قاعدة انتخابية، بقدر ما يكون لديك قاعدة كبيرة لشراء المقعد بأي ثمن.

 

غابت البرامج وظهرت المساخر في مشاهد الدعاية الانتخابية، فهذا يركب "الجرافة"، وآخر يقول للناخبين: "يا عشقي"، وثالث يطلب منهم ألا يقاطعوه لأنه "الكلام جاي من عند النبي" وثالثة يهتف لها أنصارها: "سيبوها سيبوها الكرسي بتاع أبوها"، وغيرها من مظاهر يقول منتقدون إنها تكشف عن حالة من الفراغ السياسي في البلاد.