قال وزير الخارجية الإيراني إنّ استئناف أي مسار تفاوضي مع الولايات المتحدة “غير مطروح حاليًا” لأن طهران لا ترى من الجانب الأميركي مواقف بنّاءة أو تغيّرًا في النهج. التصريحات جاءت امتدادًا لسلسلة مواقف رسمية تؤكد أن العودة إلى أي محادثات مشروطة بتعديل المقاربة الأميركية التي تصفها إيران بـ“المطالب المفرطة” و“انعدام الاحترام المتبادل”.
خلفية الموقف الإيراني: مطالب “مفرطة” واشتراطات للعودة
على مدار الأسابيع الماضية، شدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على أن طهران لن تعود إلى التفاوض ما دامت واشنطن تتمسّك بما تعتبره إيران مطالب غير واقعية تتجاوز إطار الاتفاق والالتزامات المتبادلة. وأكد أن أي حوار لا بد أن يقوم على الندية والاحترام المتبادل، وإلا فلا جدوى من استئنافه.
وفي تصريحات متزامنة لوسائل إعلام عربية، قالت طهران بوضوح إن “باب التفاوض” لن يُفتح قبل أن تغيّر الولايات المتحدة نهجها الحالي، وهو ما يعني عمليًا تجميد المسار إلى حين ظهور مؤشر عملي من الجانب الأميركي.
أين تقف قنوات الاتصال غير المباشرة؟
رغم تجميد المسار التفاوضي الرسمي، تتحدث مصادر إيرانية بين الحين والآخر عن تبادل رسائل غير مباشرة عبر وسطاء إقليميين، لكنها تؤكد أن ذلك لا يرقى إلى “مفاوضات” ولا يعبّر عن تغيّر في الموقف الأميركي.
هذا التمييز بين “تواصل لخفض التصعيد” و“مفاوضات” تستخدمه طهران للدلالة على أن أي اتصالات تقنية لا تعكس قرارًا سياسياً بالعودة إلى الطاولة.
سياق أوسع: شروط مرتبطة بالإقليم والملف النووي
تربط طهران مرارًا بين إمكان التقدم الدبلوماسي وبين تغييرات أوسع في البيئة الإقليمية، إذ سبق لمسؤولين إيرانيين أن أكّدوا أن الانخراط في مسار تفاوضي يتطلب وقف الضغوط والاعتداءات، واحترام حق إيران في التخصيب ضمن الأطر القانونية، ورفض إدراج برنامجها الصاروخي على جدول المباحثات.
هذه الخطوط العامة ظهرت في تصريحات متعددة خلال الأشهر الأخيرة، ما يعكس رغبة إيرانية في تحديد سقوف واضحة لأي مسار تفاوضي مستقبلي.
قراءة في الحسابات الداخلية والخارجية
داخليًا، يمنح التشدد في ملف التفاوض الحكومة الإيرانية هامشًا لتحويل الأنظار نحو “الحقوق الوطنية” والسيادة التقنية في البرنامج النووي، وتفادي كلفة أي تنازل يُفهَم على أنه تراجع تحت الضغط. خارجيًا، تراهن طهران على أن استمرار حالة “اللا-تفاوض” قد يدفع الوسطاء الأوروبيين وغيرهم للضغط على واشنطن لتخفيف شروطها وفتح نافذة تفاهمات جزئية (إنسانية أو اقتصادية) كجسور أولية قبل أي عودة شاملة.
هذا المنطق يتقاطع مع رسائل إيرانية سابقة تصف المواقف الغربية بأنها “غير بنّاءة” حين تغيب عنها عروض عملية قابلة للتنفيذ.
ماذا تريد طهران تحديدًا؟
تبعًا للتصريحات الأخيرة، تطلب إيران من الولايات المتحدة إظهار تغيّر ملموس في النهج: التخلي عن “المطالب المبالغ فيها”، والقبول بمبدأ الندية والاحترام المتبادل، وإطار تفاوضي لا يوسّع جدول الأعمال إلى ملفات تعتبرها طهران خطوطًا حمراء.
وتؤكد الخارجية الإيرانية أنها “منفتحة على الحلول الدبلوماسية” من حيث المبدأ، لكن ليس على حساب ما تسميه “حقوق الشعب الإيراني”.
تداعيات محتملة: استمرار الجمود مع إدارة “احتواء المخاطر”
عمليًا، تعني رسالة طهران أن الأسابيع وربما الأشهر القادمة ستشهد استمرار حالة الجمود، مع إبقاء قنوات خفض التصعيد مفتوحة عبر الوسطاء، في حين يُستبعد الانتقال إلى مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة ما لم تظهر واشنطن مؤشرات تغيير. في المقابل، قد تسعى العواصم الأوروبية إلى تدوير الزوايا بطرح تفاهمات محدودة (رقابية أو إنسانية) لتفادي التصعيد، لكن دون ضمانات للنجاح في ظل تباعد المواقف.
وأخيرا يؤكد موقف وزير الخارجية الإيراني أن “الكرة في الملعب الأميركي”: لا استئناف للتفاوض من دون مقاربة جديدة تعالج هواجس طهران وتكفّ عن “المطالب المفرطة”. وحتى يحدث ذلك، ستظل العلاقة بين الطرفين أسيرة رسائل متبادلة ووساطات لا ترقى إلى مفاوضات، فيما يواصل كل طرف إدارة ملفاته القصوى بانتظار لحظة سياسية أكثر ملاءمة.

