في الوقت الذي تستمر فيه الحرب الأهلية في السودان حاصدة أرواح المدنيين ومفاقمة الكارثة الإنسانية، تتجه أصابع الاتهام بشكل متزايد نحو دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تواجه اتهامات خطيرة بالضلوع في تأجيج الصراع عبر دعمها المزعوم لقوات الدعم السريع.

ورغم النفي الإماراتي المتكرر، تقدم تقارير دولية وتحقيقات صحفية أدلة تشير إلى شبكة معقدة من التمويل والتسليح وتهريب الذهب، تضع أبوظبي في قلب العاصفة وتثير تساؤلات حول دورها في إطالة أمد الحرب وتغذية الانتهاكات الواسعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع، خاصة في إقليم دارفور الذي يشهد عمليات تطهير عرقي مروعة.
 

شبكة عابرة للحدود: مرتزقة وذهب
كشف تحقيق أجرته منظمة "ذا سنتري" الدولية عن وجود شبكة معقدة يديرها أفراد وشركات من داخل الإمارات، تعمل على تهريب الذهب السوداني وتجنيد مقاتلين أجانب لدعم قوات الدعم السريع في دارفور.

وفقًا للوثائق التي استند إليها التحقيق، تعاقدت شركة "الخدمات الأمنية العالمية" (GSSG)، المملوكة لرجل الأعمال الإماراتي محمد حمدان حسن الجلاف الزعابي، مع وكالة متخصصة لتجنيد جنود سابقين من كولومبيا.
وقد نُقل عدد من هؤلاء المرتزقة، الذين أطلق بعضهم على أنفسهم اسم "ذئاب الصحراء"، إلى دارفور للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع، بموجب عقود خضعت لسرية تامة تضمنت حظر الكشف عن أي معلومات حول طبيعة المهام أو مواقع العمليات، مع وجود بنود تجيز الملاحقة القضائية للمجندين داخل الإمارات أو خارجها.

يربط التحقيق بشكل مباشر بين تجنيد المرتزقة وشبكات تهريب الذهب المستخرج من مناطق النزاع في دارفور، والذي يعتبر شريان الحياة الاقتصادي لهذه الحرب.

وتشير الوثائق إلى أن شبكات مرتبطة بقوات الدعم السريع أنشأت شركات واجهة داخل الإمارات لشراء الذهب، حيث كانت بعض هذه الشركات تدير حسابات مالية لصالح القوني حمدان دقلو، شقيق قائد قوات الدعم السريع.
وعلى الرغم من إغلاق بعض هذه الشركات بعد الكشف عنها، فإن طرق التهريب لا تزال نشطة، حيث يمر الذهب عبر مسارات معقدة تشمل تشاد وجنوب السودان وكينيا، قبل أن يصل إلى وجهته النهائية في دبي، حيث تتم إعادة تصفيته لطمس منشئه الأصلي وتبييضه قبل دخوله الأسواق العالمية.
 

علاقات رسمية وتساؤلات حول التغاضي
تزداد خطورة الاتهامات في ضوء العلاقات الوثيقة التي تربط الشخصيات المتورطة في هذه الشبكة بمستويات رسمية رفيعة في الإمارات.

التحقيق يشير إلى أن رجل الأعمال الزعابي، مالك شركة "الخدمات الأمنية العالمية"، يرتبط بشراكة وثيقة مع أحمد محمد الحميري، الأمين العام لديوان الرئاسة الإماراتية، وهو منصب يتمتع بنفوذ كبير يقارن بمنصب كبير موظفي البيت الأبيض في الولايات المتحدة. هذه العلاقة تثير تساؤلات جدية حول مدى علم السلطات الإماراتية الرسمية بهذه الأنشطة أو التغاضي عنها، خاصة وأن الشركة نفسها تُعرّف عن نفسها بأنها مورد أمني حصري لجهات حكومية إماراتية.

رغم النفي الرسمي الإماراتي المتكرر لتقديم أي دعم لقوات الدعم السريع، فإن التقارير الاستخباراتية الأمريكية، التي كشفت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال"، تؤكد أن الإمارات أرسلت أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات مسيرة صينية الصنع، إلى قوات الدعم السريع. كما أوردت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن أسلحة بريطانية وصلت إلى الميليشيا عبر الإمارات، مما أثار تساؤلات في مجلس الأمن حول مسؤولية لندن وأبوظبي عن تفاقم الأزمة الإنسانية.
 

اعترافات متأخرة ودعوات للعقوبات
في تحول لافت، بدأ يظهر ما يشبه الاعتراف الرسمي الإماراتي بالأخطاء السياسية في السودان. فقد صرح أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، بأن بلاده ودولاً أخرى أخطأت بعدم فرض عقوبات على منظمي انقلاب 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية. هذا الاعتراف، وإن كان متأخراً، قد يشير إلى بداية تحول في السياسة الإماراتية تحت وطأة الضغط الدولي وتدهور سمعتها.

في ظل هذه التطورات، دعت منظمة "ذا سنتري" الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى إجراء تحقيقات عاجلة وفرض عقوبات على الأفراد والشركات المتورطة في شبكات تهريب الذهب وتجنيد المرتزقة. وأكدت ساشا ليجنيف، المستشارة في المنظمة، أن "ذهب الصراع في السودان لا يزال يموّل الفظائع" قبل أن يدخل الأسواق الدولية، وتحديداً عبر الإمارات.
وفي جلسة لمجلس الأمن، اتهم مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، الإمارات صراحة بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والطائرات المسيرة وتمويل المرتزقة، مطالباً بتصنيفها منظمة إرهابية.

ورغم إدانة الإمارات "الجرائم المروعة" في الفاشر، فإن الأفعال على الأرض والتقارير الموثقة ترسم صورة مغايرة، تضع مستقبل السودان واستقراره على المحك، وتجعل من الدور الإماراتي عنصراً محورياً في تحديد مسار الحرب والسلام في البلاد.