تعيش أسرة المهندس محمد عمر واحدة من أكثر القصص الإنسانية مأساوية في سجل الانتهاكات الحقوقية، إذ يجتمع في مصابها وجع الأب المعتقل منذ أكثر من ثلاث سنوات رغم إصابته بشلل نصفي، وألم الفقد القاسي لنجله عمرو محمد عمر المختفي قسرياً منذ سبع سنوات دون أثر أو معلومة عن مصيره.
ففي الرابع من نوفمبر 2022، اقتحمت قوة من جهاز الأمن الوطني بمحافظة الشرقية منزل المهندس محمد عمر بمدينة العاشر من رمضان، واقتادته قسراً بعد تفتيش المنزل ومصادرة بعض متعلقاته الشخصية، ليظهر لاحقاً أمام نيابة أمن الدولة العليا متَّهماً في القضية رقم 1977 لسنة 2022 حصر أمن دولة عليا، بتهم الانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون ونشر أخبار كاذبة.
ورغم أن النيابة قررت حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات، فإن فترة احتجازه طالت لسنوات دون محاكمة أو أدلة ملموسة، في مخالفة صريحة للدستور والمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية التي تحدد مدة الحبس الاحتياطي القصوى بعامين.
إهمال طبي ومعاناة إنسانية داخل السجن
تعاني حالة المهندس محمد عمر الصحية من تدهور مستمر، إذ أُصيب بشلل نصفي كامل منذ سنوات، ما يجعله غير قادر على الحركة أو قضاء حاجاته اليومية دون مساعدة.
ورغم ذلك، تشير إفادات أسرته ومحاميه إلى أنه يُحتجز في ظروف قاسية داخل سجن “العاشر من رمضان – تأهيل 6”، دون توفر سرير طبي أو أدوات مساعدة، ودون تمكينه من الرعاية الصحية اللازمة التي ينص عليها قانون تنظيم السجون المصري والمعايير الدولية لحقوق السجناء.
الشبكة المصرية لحقوق الإنسان وصفت حالته بأنها “انتهاك مزدوج”، يجمع بين الاحتجاز التعسفي والإهمال الطبي الجسيم، مؤكدة أن استمرار حبسه رغم إعاقته يمثل “استهانة بالكرامة الإنسانية” وخرقاً لمبدأ عدم التمييز ضد ذوي الإعاقة، المنصوص عليه في الاتفاقية الدولية التي صدّقت عليها مصر عام 2008.
الأب المعتقل يشهد على اختطاف ابنه
تضاعفت مأساة الأسرة قبل سنوات عندما اختفى عمرو محمد عمر، الطالب بكلية الهندسة، عقب اعتقاله تعسفياً يوم 8 يوليو 2019، أثناء سفره برفقة والده المريض.
وفي شهادة مؤثرة وثّقها الأب قبل اعتقاله، روى تفاصيل تلك اللحظة قائلاً: “كنا في طريقنا إلى أسيوط، وقبل الوصول بدقائق كان ابني يسألني إن كنت بحاجة لأي شيء لأنه يعتني بي بسبب شللي النصفي. فجأة حاصرته مجموعة من رجال الأمن وقيدوه وغطوا عينيه، ثم أنزلوه من القطار أمام عيني”.
“بحثت عمن يساعدني على النزول من القطار حتى جاءت ابنتي إلى محطة الجيزة، وهناك فوجئنا برجال أمن آخرين يقتادوننا إلى قسم الجيزة، وحققوا معنا حول مكان عمرو رغم أنهم اعتقلوه بأيديهم قبل ساعات قليلة”.
هذه الرواية، التي وثّقتها الشبكة المصرية وعدة منظمات حقوقية أخرى، تمثل دليلاً دامغاً على واقعة الإخفاء القسري التي يتعرض لها عمرو منذ سبع سنوات، في ظل تجاهل تام لكل البلاغات التي قدمتها أسرته إلى النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان.
ظروف احتجاز لا تحتمل
خلال فترة احتجازه الأولى، وُضع المهندس محمد عمر في زنزانة مكتظة بسجن “أبو زعبل 2”، حيث لا تتجاوز المساحة المخصصة للفرد 50 سم، في بيئة تفتقر إلى التهوية والنظافة، ما تسبب بتدهور وضعه الصحي والنفسي.
وقد اضطر إلى رفض حضور جلسات تجديد حبسه بسبب صعوبة نقله على كرسيه المتحرك في سيارات الترحيلات غير المهيأة، مطالباً بتوفير سيارة إسعاف تراعي حالته، وهو طلب لم يُستجب له حتى اليوم.
ويؤكد مصدر حقوقي أن استمرار احتجاز المهندس محمد عمر رغم مرضه وتجاوزه الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، يعكس استخدام القضاء كأداة لإطالة معاناة المعتقلين السياسيين، لا سيما في القضايا ذات الطابع الأمني.
مطالب حقوقية متكررة وصمت رسمي مستمر
جدّدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان مطالبتها بالإفراج الفوري عن المهندس محمد عمر وتمكينه من العلاج داخل مستشفى متخصص، إلى جانب الكشف عن مصير نجله عمرو، ومحاسبة المسؤولين عن جريمة الإخفاء القسري التي طالت الأسرة منذ عام 2019.
كما حمّلت الشبكة النائب العام ووزير الداخلية المسؤولية الكاملة عن سلامة الأب والابن، داعية إلى تحقيق عاجل ومستقل في وقائع الاعتقال والاختفاء القسري، ووقف كل أشكال التنكيل بالسجناء، ولا سيما ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة.
https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/852802307100830?ref=embed_post

