تعاني العديد من النساء المرشحات للانتخابات البرلمانية في مصر من تصاعد خطير للعنف الإلكتروني، الذي يهدد بإقصائهن عن المشاركة الفعّالة في الحياة السياسية. فبحسب بيان صادر عن 25 جمعية ومؤسسة أهلية، فإن العنف الرقمي ضد النساء أصبح يشكل عقبة حقيقية أمام وصولهن إلى المناصب القيادية في المجتمع، ويؤدي إلى عزوف الكثيرات عن الترشح للمناصب السياسية.

هذا العنف الرقمي لم يعد مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل أصبح سلاحًا قويًا في يد القوى المحافظة التي تسعى لتقييد دور المرأة في المجال العام، وهو ما يعكس فشل الحكومة في حماية النساء العاملات في السياسة.


فشل حكومة مدبولي في مواجهة العنف الإلكتروني ضد النساء

 

بعد انتشار تسجيل صوتي مسيء لإحدى النائبات عبر مواقع الإنترنت، وتصاعد الحملة ضد المرشحة التي دافعت عن زميلتها، خرجت المنظمات الحقوقية لتحذر من تزايد هذا النوع من العنف ضد النساء. المحامية زينب خير، رئيسة مجلس إدارة الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أكدت أن العنف الإلكتروني يعكس غياب المساءلة الحقيقية للجهات الناشرة، خصوصًا أن حكومة السيسي برئاسة مصطفى مدبولي لم تتخذ خطوات جدية لمكافحة هذه الظاهرة بشكل فاعل. ورغم وجود قوانين مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، فإن تلك التشريعات تعاني من ثغرات كبيرة في التنفيذ والردع، مما يجعلها غير كافية لمواجهة هذا التحدي المتزايد.

 

هذه الحملة لا يمكن فصله عن الهجوم المتزايد على النساء في المجال العام، سواء كنّ نائبات أو مرشحات أو حتى صانعات محتوى على منصات السوشيال ميديا. بل إن السكوت عن هذا النوع من العنف في الفضاء الإلكتروني، الذي يظل بلا ضوابط حقيقية، يفتح الباب لمزيد من الهجمات الإلكترونية ويُهدد بتقويض مشاركة النساء في الحياة العامة.


التجاهل الحكومي لحقوق المرأة في المجال العام

 

الحديث عن استراتيجيات الحكومة لمكافحة العنف ضد المرأة، مثل الاستراتيجية المصرية لمكافحة العنف ضد المرأة (2015-2020)، يبدو غير مجدي بالنظر إلى الواقع. فالاستراتيجية التي تم الإعلان عنها تبقى حبرًا على ورق، في وقت لا نجد فيه تطبيقًا حقيقيًا لآليات الحماية والوقاية المزعومة. وعليه، يبقى العنف الإلكتروني جزءًا من نظام متكامل من العنف الرمزي والفعلي ضد النساء في مصر، دون أن تجد هذه الأخيرة دعمًا حقيقيًا من الجهات الحكومية لحمايتها.

 

الحكومة لم تقدم أي ضمانات ملموسة لحماية النساء العاملات في المجال العام، بل على العكس، تستمر السياسات الحكومية في الإصرار على تطبيق تدابير قانونية غير فعالة لمكافحة هذا العنف. ما نراه اليوم هو تراكم القوانين غير المفعّلة، وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الجهات المسؤولة عن نشر المحتوى المسيء.

 

غياب الحماية القانونية الفاعلة

 

كما أشار البيان إلى أن هناك ثغرات كبيرة في منظومة الحماية القانونية للنساء العاملات في المجال العام، رغم وجود التشريعات مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية. لكن التشريع يظل عاجزًا عن توفير الحماية الفعلية للنساء من حملات التشهير والعنف الرقمي. الحكومة لم تبذل جهودًا حقيقية لتحسين تنفيذ هذه القوانين، بل على العكس، نجدها تواصل إهمالها لمطالب المنظمات الحقوقية بضرورة وجود استراتيجيات حقيقية لمكافحة العنف الإلكتروني بشكل شامل وفاعل.

 

الموقف الغامض من الإعلام وغياب المعايير المهنية

 

التشويه الإعلامي الذي تتعرض له المرشحات للانتخابات يعكس الوضع المتدهور للإعلام في مصر، الذي يفتقر إلى المعايير المهنية الحساسة للنوع الاجتماعي في تغطيته لقضايا النساء. المنظمات الحقوقية دعت إلى التنسيق مع نقابتي الإعلاميين والصحفيين لوضع معايير مهنية تكفل حماية النساء المرشحات من الهجوم الإعلامي غير المهني. في الوقت الذي يتعرض فيه الإعلام للعديد من الضغوطات السياسية، نجد أن السلطة التنفيذية لا تتدخل بشكل جاد لوقف هذا التشويه، بل تترك هذه القضايا تسير في اتجاهات سلبية تشوه صورة الحياة الديمقراطية في مصر.

 

تجاهل الحكومة لحقوق النساء في الانتخابات

 

إن التصعيد المستمر لحملات العنف الإلكتروني ضد النساء يُظهر بوضوح أن الحكومة عاجزة عن توفير بيئة آمنة للنساء في المجال العام. في ظل هذه الأجواء، تُظهر الحملات الانتخابية في مصر ملامح واضحة لتقليص دور النساء وإقصائهن من المشاركة السياسية، مما يعكس فشلًا ذريعًا للحكومة في دعم تمثيل النساء في البرلمان وفي المناصب السياسية.

 

ختامًا، إن استمرار العنف الإلكتروني ضد النساء المرشحات والسكوت عليه من قبل الحكومة يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان في مصر. في ظل غياب الحماية الفاعلة، تظل النساء عرضة لهذه الهجمات التي تعيق مشاركتهن السياسية. وقد حان الوقت للضغط على الحكومة لتغيير هذه السياسات المعيبة، واتخاذ خطوات ملموسة لحماية النساء وتمكينهن من المشاركة بشكل حقيقي في الحياة السياسية دون خوف من التشويه أو العنف الرقمي.