في خطوة تُضاف إلى سجل السياسات الاقتصادية التي تُعمّق الفوارق الطبقية في مصر، أقرّ برلمان نظام عبد الفتاح السيسي قانون الإيجار رقم (164) لسنة 2025، الذي أثار موجة غضب واسعة باعتباره قانونًا يخدم كبار الملاك والمستثمرين على حساب ملايين الأسر من محدودي الدخل.
القانون الذي روّجت له الحكومة تحت شعار “إعادة التوازن بين المالك والمستأجر”، جاء في حقيقته ليُعيد إنتاج أزمة السكن في البلاد بشكل أكثر قسوة، ويكشف بوضوح انحياز الدولة للفئات الثرية ضمن منظومة "تحرير الأصول والعقارات".
قانون لإخلاء المستأجرين تحت غطاء التوازن
القانون ينص على انتهاء عقود الإيجار السكني بعد سبع سنوات فقط من تاريخ العمل به، وللأماكن غير السكنية بعد خمس سنوات، ما يعني عمليًا إلغاء عقود الإيجار القديمة التي كانت تمنح المستأجرين استقرارًا اجتماعيًا واقتصاديًا نسبيًا.
بهذا القرار، يُفتح الباب أمام طرد ملايين الأسر التي لا تملك بديلًا سكنيًا في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الشقق الجديدة.
ورغم أن الحكومة تصف القانون بأنه “تصحيح لمسار تشريعي”، إلا أنه في جوهره امتداد لسياسة “تحرير السوق العقارية” التي تهدف لتحويل السكن من حق اجتماعي إلى سلعة استثمارية خاضعة للعرض والطلب.
صلاحيات مطلقة للملاك وطرد تعسفي للمستأجرين
القانون يمنح المالك صلاحيات واسعة لإخلاء المستأجر قبل انتهاء المدة القانونية، في أربع حالات تبدو فضفاضة يسهل استغلالها ضد المستأجرين: التأخر في دفع الإيجار، تغيير الغرض من الاستخدام، إجراء تعديلات دون إذن المالك، أو امتلاك المستأجر لوحدة أخرى في المنطقة نفسها.
ويرى خبراء قانونيون أن هذه البنود تُشرّع للطرد التعسفي، وتفتح الباب أمام استغلال الملاك لغياب الرقابة القضائية، خصوصًا مع السماح باستصدار أوامر بالطرد الفوري من “قاضي الأمور الوقتية” دون دعوى مطولة أو استئناف.
زيادات فلكية تُعمّق أزمة السكن
من أبرز المواد المثيرة للجدل المادة الرابعة التي تقضي برفع القيمة الإيجارية إلى عشرين ضعف القيمة الحالية في المناطق المتميزة، وعشرة أضعاف في المناطق المتوسطة، مع حد أدنى يبلغ ألف جنيه.
أما الوحدات غير السكنية فستشهد زيادة بمقدار خمسة أضعاف مع زيادة سنوية بنسبة 15%.
هذه القفزات غير المسبوقة تُحوّل الإيجار إلى عبء لا يحتمله المواطن العادي، في وقت تعاني فيه الأسر المصرية من تآكل الدخول وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة والخدمات.
ويرى اقتصاديون أن القانون سيقود إلى “تطفيش” سكان المدن القديمة، ودفعهم إلى أطراف العاصمة أو العشوائيات، بما يشبه عملية تهجير طبقي لصالح الأثرياء والمستثمرين.
إلغاء القوانين القديمة... ودفن العدالة السكنية
القانون الجديد يلغى عددًا من التشريعات التي كانت تحمي المستأجرين، مثل قوانين (49 لسنة 1977) و(136 لسنة 1981) و(6 لسنة 1997)، والتي أرست مفهوم “الحق في السكن الآمن والمستقر”.
بإلغاء هذه القوانين، تُغلق الدولة صفحة طويلة من العدالة السكنية، وتضع مستقبل ملايين الأسر في مهب السوق العقارية التي تهيمن عليها الشركات الكبرى ورؤوس الأموال الخليجية.
وتشير منظمات حقوقية إلى أن مصر تتجه نحو خصخصة كل ما يتعلق بحقوق المواطنين الأساسية، من المياه والكهرباء إلى السكن والتعليم والصحة، في إطار سياسات صندوق النقد الدولي التي تُطبّق بحذافيرها دون مراعاة للواقع الاجتماعي المحلي.
تسليع المسكن وتهميش المواطن
القانون، وفقًا لمحللين، لا يهدف إلى تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر كما تدّعي الحكومة، بل إلى تحرير العقار ليصبح أداة استثمار وربح سريع، تمهيدًا لبيعه للأجانب والمستثمرين الكبار.
ويعتبر معارضون أن هذه الخطوة تندرج ضمن استراتيجية “إعادة توزيع الثروة” التي ينتهجها النظام منذ سنوات، والتي تقوم على نقل الموارد العامة إلى أيدي قلة من رجال الأعمال المقربين من السلطة.
فبعد بيع الأصول العامة وخصخصة الشركات ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء، يأتي الدور اليوم على المساكن لتصبح آخر ما يُنتزع من المواطن البسيط باسم التنمية.
إفقار ممنهج وإسقاط لحق السكن
القانون الجديد لا يمكن قراءته بمعزل عن المشهد الاقتصادي العام الذي يرزح تحته المصريون.
فهو استمرار لنهج الإفقار الممنهج الذي حوّل الدولة إلى وسيط لصالح المستثمرين على حساب المواطنين.
وبدلًا من أن يكون السكن حقًا مضمونًا كما ينص الدستور، أصبح امتيازًا طبقيًا يملكه من يستطيع الدفع فقط.
وبهذا، تتحول الحكومة من حامية لحقوق المواطن إلى شريك في طرده من منزله، ليُضاف “قانون الإيجار الجديد” إلى قائمة طويلة من القرارات التي عمّقت أزمات الفقر، وهدمت ما تبقى من العدالة الاجتماعية في مصر.

