افتتحت حكومة الانقلاب المصرية رسميًا المتحف المصري الكبير في الرابع من نوفمبر 2025، بعد عقدين من التأجيل بسبب الحروب والثورات والانهيارات الاقتصادية. احتاج بناء المتحف إلى واحدٍ وعشرين عامًا تقريبًا، أي أقل قليلًا من الوقت الذي استغرقه تشييد الهرم الأكبر. ويُعد المشروع، الذي يمتد على مساحة تسعين ألف متر مربع قرب أهرامات الجيزة، واحدًا من أضخم المتاحف في العالم، يضم أكثر من مئة ألف قطعة أثرية، بينها المجموعة الكاملة لمقتنيات مقبرة توت عنخ آمون.
ذكرت مجلة أجريكلتشورال ديجيست أنّ المتحف يقع على أطراف القاهرة، على بُعد ميل واحد من الأهرامات، حيث يستقبل الزائرين تمثال رمسيس الثاني الضخم البالغ وزنه 83 طنًا. يقف التمثال في مدخل القاعة الكبرى ليقود البصر نحو "الدرج الملكي"، وهو ممرّ معماري شاهق يمتدّ لستّ طبقات تطل مباشرة على الأهرامات، تتراصّ على جانبيه تماثيل ملوك مصر القديمة في استعراض يُذكّر بزمن كانت فيه الدولة تصنع مجدها لا تُعيد تأثيثه.
يضم المتحف اثنتي عشرة قاعة تحكي فصول التاريخ المصري عبر سبعمئة ألف عام، من عصور ما قبل الأسرات إلى العصر البطلمي. غير أنّ الاهتمام الأكبر ينصبّ على جناح توت عنخ آمون الذي يفتح أبوابه لأول مرة، ليعرض خمسة آلاف قطعة أصلية تنتمي إلى حياته ومماته، من عرباته الملكية إلى قناع الذهب الشهير الذي صار أيقونة للحضارة المصرية في الوعي العالمي.
وتعرض القاعات الأخرى كنوزًا إضافية، بينها سفينة خوفو الشمسية التي نُقلت من موقعها قرب الهرم الأكبر، في تجربة فريدة لربط الأسطورة بالدليل الأثري. ويقدّم المتحف كذلك عروضًا رقمية وغرفًا تفاعلية للأطفال، بهدف ربط الأجيال الجديدة بتاريخ بلادهم بطريقة تعليمية حديثة.
غير أن هذا الافتتاح الذي روّجت له الحكومة بوصفه "هدية مصر للعالم"، يأتي في لحظة اقتصادية خانقة. يشهد المصريون تضخّمًا قياسيًا تجاوز 35% وارتفاعًا متسارعًا في أسعار الوقود والسلع الأساسية، مما جعل المتحف بالنسبة لكثيرين رمزًا للتناقض بين مجد الماضي ومعاناة الحاضر. بينما تتحدث السلطات عن "نهضة حضارية"، يرى منتقدون أن هذه المشاريع الكبرى تُستخدم لتلميع صورة النظام وسط تصاعد القمع، وتراجع الحريات العامة، وتضييق المجال السياسي والإعلامي.
تكشف المجلة أن تصميم المتحف جاء نتيجة مسابقة معمارية دولية فازت بها شركة Heneghan Peng Architects الأيرلندية عام 2003، وبدأ التنفيذ في 2005، لكن تعاقب الأزمات — من الأزمة المالية العالمية إلى ثورات الربيع العربي وجائحة كورونا — أبطأ العمل لسنوات. ومع ذلك، ظل المتحف ورقة سياسية واقتصادية تراهن بها الحكومة على جذب ملايين السياح وتثبيت صورة الاستقرار.
يُتوقّع أن يستقبل المتحف أكثر من خمسة ملايين زائر سنويًا. وحددت السلطات سعر التذكرة للمصريين بستين جنيهًا، وللأجانب بمئتي جنيه، مع تخفيض للنصف للطلاب. وتُقدّر تكلفة المشروع بنحو مليار دولار، تموّلت عبر قروض ومساهمات دولية، ما أثار تساؤلات عن الأولويات في بلدٍ يواجه أزمة ديون وتراجعًا حادًا في قيمة العملة.
ورغم الانتقادات، لا يمكن إنكار أن المتحف نفسه تحفة معمارية. واجهته الحجرية المستوحاة من أشكال الأهرام تلمع تحت شمس الصحراء، وتصميمه الداخلي يوفّر رؤية بصرية تربط بين الماضي والمدينة الحديثة. أما الحدائق المحيطة به فصُممت لتخفيف الحرارة القاسية وخلق بيئة خضراء نادرة في قلب الجيزة.
تقول المجلة إن المتحف لا يقدّم فقط تاريخ الفراعنة، بل يعيد تعريف العلاقة بين المصريين وحضارتهم القديمة في ظل حاضرٍ مضطرب. ففي الوقت الذي تصعد فيه الأسعار وتضيق فيه الحريات، يبقى هذا الصرح الجديد مرآةً متناقضة: واجهة باذخة لحكومة تواجه أزمة معيشية، ونافذة مفتوحة على مجدٍ يذكّر الناس بأنهم أحفاد البنّائين لا المتفرّجين.
هكذا يتحوّل المتحف المصري الكبير إلى أكثر من متحف — إلى قصة بلدٍ يحاول استعادة مجده وسط الركام، يضع حضارته في واجهة العرض، فيما يظل الحاضر خلف الزجاج.
https://www.admiddleeast.com/story/grand-egyptian-museum-now-open-everything-you-need-to-know

