افتتاح المتحف المصري الكبير في قلب الجيزة كان مناسبة قومية ودولية سلطت الأضواء على عظمة الحضارة المصرية القديمة. ولكن بينما تُقام العروض وتُبث الاحتفالات عبر الشاشات، يعلو صوت النقد من شخصيات عامة وحقوقية ترى أن وراء هذه الواجهة المبهرة يكمن واقع مأساوي يعيشه المصريون يوميًا، واقع لا تستطيع واجهة من حجر أن تُخفي ملامحه القاسية.
من بين أبرز هذه الأصوات، جاءت تغريدة السياسي والحقوقي المصري أسامة رشدي التي ربطت بين الفخر المشروع بالماضي الفرعوني، والخيبة العميقة من الحاضر تحت حكم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي. ففي نظره، فإن عظمة "توت عنخ آمون" لا يجب أن تُستَخدم للتغطية على فشل اقتصادي وسياسي مزمن يطال كل بيت مصري.
المتحف: صرح عالمي.. أُنجز بعد عقود
لا خلاف على أن افتتاح المتحف المصري الكبير يُمثل حدثًا عالميًا بارزًا، يضع مصر في مقدمة الدول ذات البنية الثقافية المتقدمة، ويُعد الأكبر من نوعه في العالم من حيث المساحة والمحتوى. وقد أُعلن عن المتحف لأول مرة عام 2002، واستغرقت عملية إنجازه أكثر من عقدين، وسط تعثرات مالية وإدارية، قبل أن يرى النور أخيرًا في نوفمبر 2025.
لكن – بحسب رشدي – فإن الاحتفاء المبالغ فيه بهذا الحدث لا يُلغي حقيقة أن مصر تعيش أزمة حقيقية، تُلقي بظلالها على معيشة المواطنين الذين لا يجدون قوت يومهم، وتواجه تراجعًا في كل المؤشرات التنموية.
بين “إحنا فقراء أوي”.. وإنفاق احتفالي بلا حدود
يذكّر رشدي بتصريحات شهيرة لعبد الفتاح السيسي قال فيها: "إحنا فقراء قوي"، و"مش لاقي دولة"، و"مش عارف أعلّم ولا أداوي". وهي تصريحات تتناقض – برأيه – مع حجم الإنفاق الضخم الذي يُصرف على الاحتفالات والمهرجانات والعروض الفنية المصاحبة للمشاريع الرمزية، في مقابل تقشّف شديد يُمارس على الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم.
ويرى أن هذا النهج في إدارة البلاد يعكس أولوية شكلية للقطاعات التي تُجمّل صورة النظام خارجيًا، في مقابل تهميش حياة المواطن الذي يُعاني البطالة وارتفاع الأسعار وتراجع الأجور. ويطرح رشدي تساؤلاً لاذعًا: "ما قيمة الحجر، إذا كان الإنسان يُسحق كل يوم؟"
إعادة تشكيل الهوية.. والعودة إلى “كيميت”
من أبرز ما توقف عنده رشدي هو ما وصفه بـ"محاولات إعادة تشكيل هوية مصر"، عبر التركيز على رمزية الفراعنة وتهميش مكونات الهوية المتراكمة تاريخيًا. ويشير إلى موجة من الخطابات الرسمية والثقافية التي تُعيد تقديم مصر كدولة فرعونية خالصة تحت اسمها القديم "كيميت"، متجاهلة القرون التي شكّلت فيها مصر هويتها العربية والإسلامية والمتنوعة.
يحذر رشدي من أن هذا الطرح يحصر الهوية في ماضي متحفي جامد، بينما الواقع المصري يتطلب هوية مرنة، حية، ومرتبطة بقضايا الناس اليومية، لا مجرّد رموز منحوتة على الجدران.
صراع بين الحاضر والماضي
في عمق تغريدة رشدي تكمن معادلة جوهرية: لا يمكن لبلد أن يفاخر بماضيه بينما يُهمل حاضره. فبينما يُحتفى بتوت عنخ آمون، يُنسى المواطن المصري الذي يُعاني من انسداد الأفق، وتُصرف أمواله – بحسب رشدي – على فرق الرقص والإضاءة، بدلًا من أن تُوجّه للتنمية الحقيقية.
وهو يرى أن مثل هذه المشاريع، على أهميتها، تحولت إلى أدوات دعاية سياسية لنظام يفتقر إلى الإنجاز الملموس في حياة الناس، ويستخدم الرموز التاريخية لفرض هيمنة خطاب ثقافي معين يخدم أهدافه في الشرعية والهيمنة.
هوية مصر ليست في مومياء
يُختتم موقف رشدي بجملة دالة: "الهوية المصرية ليست مومياء في متحف"، بل هي كيان حيّ نابض، يستمد روحه من الشعب لا من معارض التماثيل. وبينما يحق للمصريين أن يفخروا بحضارتهم العظيمة، فإن الأجدر بهم أن يُطالبوا بحقهم في دولة تعطيهم تعليمًا محترمًا، وصحةً كريمة، وحياةً تستحق أن تُعاش.
فالمتحف المصري الكبير قد يكون صرحًا للحضارة، لكنه – في عيون كثيرين – مرآة لخيبة تُغلفها الأنوار، وصورة لحضارة تُستخدم لتجميل حاضر مأزوم لا يملك مقومات الاستقرار أو العدالة.
بين الفخر ب "توت عنخ آمون" وخيبة السيسي !!
— أسامة رشدي (@OsamaRushdi) November 1, 2025
افتتاح المتحف المصري الكبير
مع كل الترحيب بافتتاح #المتحف_المصري_الكبير، الذي يُعدّ صرحًا عالميًا يعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة التي أبهرت البشرية، لا يسع أي مصري إلا أن يشعر بالفخر أمام هذا الإرث الفريد.
وأتذكر دائمًا كيف كان…

