جاء استكمال المتحف وافتتاحه في ظل أزمات سياسية واقتصادية خانقة تعيشها مصر. يستغل الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا المشروع لتلميع صورته التي تآكلت بفعل إخفاقاته المتراكمة في بناء اقتصاد قوي، تزايد الدين العام، واحتجاجات متوالية على الظروف المعيشية.

رغم أن المتحف مشروع ثقافي حضاري بامتياز، إلا أن استخدام السيسي له كأداة إعلامية يغطي فشله السياسي والاقتصادي أصبح واضحاً تماماً في خطاباته واجتماعاته حول الافتتاح، حيث يحاول رسم صورة لبلد "تبني المستقبل" بينما تعاني غالبية المواطنين.

لكن بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي على يد وزير الثقافة حينها فاروق حسني، وبرعاية المخلوع حسني مبارك، الذي وضع حجر الأساس لهذا الصرح العظيم في عام 2002 قرب أهرامات الجيزة.

كان الهدف المعلن للمشروع تجميع كنوز الحضارة المصرية القديمة في مكان واحد يروج للتراث ويعزز الهوية الوطنية، كما يسعى لجذب السياحة العالمية.

استمر العمل عبر سنوات طويلة، لكن المشروع ظل مرتبطاً بالرؤية القديمة ومحدودية الخطط التنموية الحقيقية.

https://x.com/MazidNews/status/1983564485328798059

 

الدين العام يهدد مستقبل البلاد.. وفي المقابل بريق المتحف

تشير التقارير الاقتصادية إلى أن مصر تجاوزت 170 مليار دولار ديناً خارجياً، إضافة إلى مئات المليارات من القروض الداخلية، وسط صعوبة في سداد الالتزامات.

وفي الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة الاقتصادية، يظهر المتحف كمظهر جمالي ضمن مسلسل طويل من المشروعات الكبرى التي لا تعود بالنفع المباشر على المواطنين.

هذه المشروعات تؤدي لتشتيت الموارد ورفع ديون البلاد، بينما يبقى المواطنون في دوامة من الفقر والغلاء.

الدكتورة سارة عادل، أخصائية اقتصادية، تقول: "ديوننا تضاعفت لكن المشروعات لا تغير الواقع، المتحف جميل لكن لا يكفي حين تغلق مدارس ومستشفيات أو تفتقر إلى البنية التحتية الحيوية."

بينما يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور هاني يوسف: "المتحف كان مشروعاً عظمياً ولكن استخدامه اليوم كواجهة للإنجاز يخفي رداءة السياسات الاقتصادية التي أوصلت مصر إلى شفا الانهيار."

 

إعلان حضاري أم تلفيق إعلامي؟

الافتتاح الضخم للمتحف يستقطب اهتمام الإعلام العالمي والرؤساء والملوك، ويقدم رسالة ترويجية لمصر الحضارية، لكن هذه المشاركة السياسية والإعلامية الجديدة لا تعكس واقعاً عمرانياً أو اجتماعياً يحس به المواطن العادي.

كثير من المصريين ينظرون إلى المتحف على أنه "قناع" يخفي الخراب الاقتصادي والسياسي، حيث يقول النقاد إن المتحف يمثل استعراضاً لوجه مصر الجميل بينما الواقع أكثر قبحاً وظلاماً.

الناشط عمرو حسنين يقول: "المتحف ليس مفخرة إذا بقيت أحياء القاهرة تعاني من مشاكل البنية التحتية والفقر، إننا نحتاج بناء وطن لا إنفاق مليارات على صور براقة."

 

الأثر الاقتصادي وسياحة المستقبل.. هل هناك حقيقة؟

تروج الحكومة ووزير المالية عبر تصريحات إعلامية أن المتحف سيعزز السياحة ويجلب الملايين، وأنه سيساهم في رفع إيرادات النقد الأجنبي، وهو كلام استُندت إليه خطط التنمية الاقتصادية.

بالفعل هناك مؤشرات على تحسن في قطاع السياحة، لكن السؤال الأساسي هو: هل هذا وحده يكفي لمواجهة الأزمات الحقيقية التي تواجه الاقتصاد؟ وهل توزع عوائد هذه السياحة بشكل عادل ليصل للفئات الفقيرة والمهمشة؟

الاقتصادي الشهير بلال شعيب يقول: "السياحة تستعيد عافيتها، والمتحف يضيف نقطة جذب مهمة، لكن النظام بحاجة أيضاً لتوزيع عادل للثروات لا تُقصر على حفنة من الأثرياء."

 

مشروع حضاري بين أيد غير مستقرة

المتحف المصري الكبير مشروع ضخم يختزل حضارة أمة يمتد تاريخها لآلاف السنين، لكنه اليوم وفي ظل قيادة سياسية تفتقر إلى حلول اقتصادية شاملة، يتحول إلى مجرد واجهة إعلامية تحاول تغطية إخفاقات النظام السياسية والاقتصادية.

فبينما يبني السيسي جناحاً ثقافياً، ينهار من حوله الوطن اقتصادياً واجتماعياً.

المستقبل يحتاج أكثر بكثير من المتاحف والاحتفالات، بل لإدارة رشيدة وتحولات حقيقية ترفع عن المواطن أعباء الديون والخدمات المتعثرة.