على الرغم من التحالف الاستراتيجي بين قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي وحكام دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أنهما يقفان على طرفي نقيض من الصراع العسكري المشتعل في السودان.

 

وبينما تدعم مصر الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، ترسل الدولة الخليجية إمدادات عسكرية لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023.

 

ويشهد السودان واحدة من أسوأ الصراعات العسكرية بالمنطقة، مما خلق أزمة إنسانية واسعة أدت إلى نزوح أكثر من 6 ملايين سوداني، فضلاً عن قتل الآلاف في الحرب المستعرة بين الطرفين.

 

الإمارات تنقذ السيسي

 

لكن أكثر ما يثير الاستغراب هي حالة التوافق بين مصر والإمارات في العديد من القضايا، فضلاً عن كون الأخيرة من أكبر المستثمرين في مصر، حيث تملك استثمارات بقيمة 35 مليار دولار في منطقة رأس الحكمة على البحر الأبيض المتوسط، وهي الأموال التي ضختها أبو ظبي لإنقاذ حكم السيسي في ظل انهيار الجنيه ووصول الدولار إلى أكثر من 70 جنيهًا بالسوق الموازية.

 

وقد أوقفت هذه الأموال وقتها ارتفاع سعر الدولار، وأوقفت اشتعال غضب المصريين مع انهيار الجنيه إلى أدنى مستوياته، وتآكل قيمته الشرائية. لا شك أن السيسي كان يعتمد على الإمارات بعد أن تخلت السعودية عنه ليساعدوا البلاد في الخروج من الأزمة الاقتصادية، ولذلك كانت صفقة رأس الحكمة بمثابة شريان حياة للاقتصاد المصري.

 

وربما لهذا السبب يغض السيسي الطرف عن تقديم الإمارات الدعم العسكري لصالح الدعم السريع - الطرف الذي أشعل الصراع في السودان، دون الأخذ في الاعتبار الحفاظ على مصالح مصر من تلك التهديدات الناجمة عن انهيار السودان على الرغم من كونه يمثل العمق والأمن القومي لمصر، وكان في يوم ما تحت السيادة المصرية حتى انفصاله في خمسينات القرن الماضي.

 

ويحذر الخبراء من أن التدخلات المباشرة من جانب الإمارات في السودان يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن المصري، وبخاصة الأمن المائي، حيث تخوض مصر صراعًا دبلوماسيًا مع إثيوبيا بخصوص سد النهضة، الذي شيدته على مجرى النيل.

 

عند اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023، أفادت تقارير أن الإمارات أنشأت عمليات لوجستية لإرسال أسلحة إلى قوات الدعم السريع عبر شبكاتها في ليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وأوغندا وميليشيات حفتر وفاجنر. وأخفّت الأسلحة والإمدادات على أنها مساعدات إنسانية.

 

ويُقال إن "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، زار بعض الدول الأفريقية على متن طائرة إماراتية تابعة لشركة يملكها أحد أفراد العائلة المالكة الإماراتية ومستشار الرئيس.

 

وجاء الدعم المصري للجيش السوداني في معركته لاستعادة العاصمة الخرطوم من الدعم السريع في مارس الماضي، لترد عليه الإمارات بإرسال مزيد من الإمدادات العسكرية لمنع انهيار ميليشيا "حميدتي"، والحفاظ على نفوذها هناك.

 

وظل السيسي على موقفه وصمته إزاء العبث الذي يمارسه حلفاؤه الإماراتيون في السودان، والذين لا يألون جهدًا في الدفع نحو تمزيق السودان وتأسيس دولة في دارفور، التي تعادل مساحتها نصف مساحة مصر.

 

لماذا يتجلى هذا الاهتمام الكبير من جانب الإمارات وتغذية الصراع في السودان؟

 

يقول خبراء، إن السر يكمن في كون السودان يُعدّ محوريًا في استراتيجية الإمارات في أفريقيا والشرق الأوسط، الهادفة إلى تحقيق الهيمنة السياسية والاقتصادية، وقمع المحاولات للتخلص من أنظمة الحكم الديكتاتورية والتطلع نحو الديمقراطية.

 

وقد كان للدعم الإماراتي المقدم لصالح قوات الدعم السريع في السودان، دور كبير في تقويض عملية الانتقال الديمقراطي التي أعقبت الإطاحة بعمر البشير عام 20119.

 

ومنذ عام 2015، دأبت الإمارات على حشد مقاتلين من كلا الفصيلين – الجيش السوداني والدعم السريع - للانضمام إلى صراعها ضد الحوثيين في اليمن.

 

الذهب السوداني

 

تعد الإمارات المستورد الرئيس للذهب السوداني، ووفقًا للبيانات الرسمية، استوردت الإمارات ذهبًا سودانيًا بقيمة 2.29 مليار دولار في عام 2022. فيما يُرجَّح أن تكون الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير. ويُقدَّر أن 90 بالمائة من إنتاج السودان من الذهب، والذي يُقدَّر بنحو 13.4 مليار دولار أمريكي في التجارة غير المشروعة، يُهرَّب خارج البلاد، وغالبًا ما يمر عبر طرق الترانزيت في تشاد ومصر وإثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان قبل أن يصل إلى الإمارات.

 

سلة غذاء للإمارات

 

منذ سبعينيات القرن الماضي، استثمرت دول الخليج في القطاع الزراعي بالسودان في إطار جهودها الرامية إلى معالجة انعدام الأمن الغذائي الإقليمي. وتعد الزراعة حجر الزاوية في اقتصاد السودان، حيث تُشكّل 60 بالمائة من إجمالي الصادرات وتُساهم بثلث الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، وفقًا لبنك التنمية الأفريقي.

 

ويلعب السودان دورًا محوريًا في تلبية الطلب على الغذاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ تستورد 90 بالمائة من احتياجاتها الغذائية نظرًا لمحدودية الأراضي الصالحة للزراعة وندرة المياه.

 

ولضمان أمنها الغذائي، طورت الإمارات شبكة زراعية عالمية تغطي حوالي مليون هكتار من الأراضي الزراعية، متصلة عبر الموانئ ومراكز الخدمات اللوجستية.

 

ويقع جزء كبير من هذه الأراضي الزراعية في أفريقيا، حيث يجذب السودان حصة كبيرة من الاستثمارات الإماراتية، التي تركز بشكل رئيس على أعلاف الحيوانات، بالإضافة إلى إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية.

 

السيطرة على الموانئ الاستراتيجية

 

تخطط الإمارات لاستثمارات بمليارات الدولارات لتطوير موانئ على طول ساحل السودان على البحر الأحمر. حيث يملك السودان سواحل بطول 700 كيلومتر على البحر الأحمر، تتمتع بأهمية استراتيجية لطموحات الإمارات الإقليمية.

 

 وكما هو الحال في أماكن أخرى في القرن الأفريقي، عادةً ما تعزز الإمارات هذه المصالح من خلال واجهات تجارية مثل موانئ أبوظبي وموانئ دبي.

 

وفي عام 2020، كشف مسؤولون سودانيون، أن الحكومة كانت تتفاوض على صفقة مع شركة موانئ دبي العالمية، عملاق الخدمات اللوجستية الإماراتية، لإدارة محطة حاويات الميناء الجنوبي في بورتسودان. إلا أن الاتفاقية المقترحة واجهت معارضة شديدة من هيئة الموانئ السودانية والنقابات العمالية، التي رفضت بشدة إدارة القطاع الخاص لمثل هذا المرفق الوطني الحيوي.

 

في العام ذاته، أفاد موقع المونيتور أن شركة موانئ دبي العالمية وقّعت عقدًا بقيمة 5 ملايين دولار أمريكي مع آري بن مناشيه وشركته ديكنز آند مادسون، ومقرها مونتريال. وقد عُيّن بن مناشيه، وهو عميل استخبارات إسرائيلي سابق، للضغط لصالح موانئ دبي العالمية للحصول على امتياز لمدة 20 عامًا في السودان.