تشهد سجون عبدالفتاح السيسي، تصاعدًا مقلقًا في الانتهاكات الحقوقية ضد السجناء السياسيين، وسط تفاقم الإهمال الطبي، واستمرار الحبس الاحتياطي لسنوات تتجاوز الحدّ القانوني، في انتهاك صارخ للدستور والقانون وللمواثيق الدولية التي تضمن الحق في الحياة الكريمة والرعاية الصحية لكل إنسان.
ومع كل يوم يمرّ، تتزايد الشهادات الموثقة عن تدهور الأوضاع الإنسانية، لتشكّل صورة قاتمة عن واقع السجون في البلاد، ولتثير موجة جديدة من القلق والانتقادات المحلية والدولية.
مروة عرفة.. بين المرض والإهمال
تُعدّ حالة الناشطة مروة عرفة واحدة من أبرز الأمثلة على معاناة السجينات السياسيات داخل مراكز الاحتجاز المصرية. فمروة، المحتجزة منذ إبريل 2020 على ذمّة القضية رقم 570 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، تعيش اليوم وضعًا صحيًا بالغ الخطورة داخل مركز إصلاح وتأهيل العاشر من رمضان (تأهيل 4).
وخلال آخر جلسات محاكمتها بتاريخ 18 أكتوبر 2025، بدت مروة في حالة إعياء شديد، مع صعوبة واضحة في التنفس وارتفاع حاد في ضغط الدم، إضافة إلى مشكلات في القلب واشتباه سابق في جلطة رئوية، وفق ما أفادت به أمام المحكمة. وأوضحت أنّها لم تُعرَض على أيّ طبيب استشاري رغم تدهور حالتها الصحية، كما حُرمت من أبسط حقوقها كسجينة، وعلى رأسها الحقّ في التريّض، الذي أكّد الأطباء أنّه ضروري لتجنّب خطر الجلطات.
في المقابل، وجّه محامو الدفاع ومنظمات حقوقية نداءً عاجلًا إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان للمطالبة بنقلها إلى مستشفى جامعي لتلقّي الرعاية الطبية العاجلة، محمّلين السلطات المصرية مسؤولية أي تدهور في حالتها الصحية. وأوضح موجّهو النداء أنّ مروة تجاوزت الحدّ الأقصى للحبس الاحتياطي المحدّد بعامين فقط في المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، ما يجعل احتجازها المستمر منذ أكثر من خمس سنوات مخالفةً صريحة للقانون وإخلالاً بضمانات العدالة.
وكانت مروة قد تعرّضت في أغسطس 2025 لوعكة خطيرة يُشتبه في أنّها جلطة رئوية، أدّت إلى صعوبة في الحركة وتدهور متواصل في حالتها. ورغم خطورة الموقف، اقتصرت الرعاية على ليلة واحدة فقط في مستشفى تابع لمركز الإصلاح والتأهيل، قبل أن تُعاد إلى زنزانتها دون استكمال الفحوص أو العلاج اللازم.
https://www.facebook.com/EIPR.org/posts/1284895723664271?ref=embed_post
مصطفى الخطيب.. صحافي خلف القضبان منذ ستة أعوام
في موازاة ذلك، تستمر معاناة الصحافي مصطفى الخطيب، مراسل وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية، الذي يقبع في السجن منذ أكتوبر 2019 على ذمّة القضية رقم 488 لسنة 2019، على خلفية نشره تقريرًا حول مغادرة طلاب بريطانيين البلاد بعد توقيف اثنين من زملائهم.
منظمة “عدالة لحقوق الإنسان” عبّرت في بيانها الأخير عن قلقها البالغ إزاء استمرار احتجازه لأكثر من ست سنوات، مؤكدة أن الحبس الاحتياطي في قضيته تحوّل إلى عقوبة مقنّعة للصحافيين، في مخالفة صريحة للقانون.
المنظمة طالبت بالإفراج الفوري عن الخطيب وكافة الصحافيين المحتجزين بسبب عملهم المهني، مشيرة إلى أنّ مصر تحتل المرتبة 170 عالميًا في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025 الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، لتكون بذلك ضمن أسوأ عشر دول في العالم من حيث أوضاع حرية الإعلام.
عائشة الشاطر.. سجن وتعذيب وتدوير في القضايا
قضية الحقوقية عائشة خيرت الشاطر تمثّل واحدة من أكثر الملفات دلالة على حجم الانتهاكات التي تتعرّض لها السجينات السياسيات. فقد أُلقي القبض عليها في أكتوبر 2018 مع زوجها المحامي محمد أبو هريرة، بعد اقتحام منزلهما في القاهرة من دون إذن قضائي، ثم اختُطفت قسريًا لمدة 21 يومًا قبل أن تُدرج على ذمّة القضية رقم 1552 لسنة 2018، المعروفة إعلاميًا بـ“قضية التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”.
منظمة “عدالة لحقوق الإنسان” حمّلت السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن سلامتها، وطالبت بالإفراج الفوري عنها وعن جميع المحتجزين تعسفًا، داعية إلى تحقيق دولي مستقل في وقائع التعذيب والإخفاء القسري.
وأفادت المنظمة بأنّ الشاطر، منذ اعتقالها، تتنقّل بين السجون وأحكام الطوارئ، إذ صدر بحقها عام 2021 حكم بالسجن المشدد لعشر سنوات، ثم أُدرجت على قوائم الإرهاب في أكتوبر 2022، قبل أن تُعاد تدويرها في قضية جديدة عام 2024 رغم تنفيذها العقوبة السابقة.
تعاني عائشة من تدهور صحي واضح وحرمان متواصل من العلاج والرعاية الطبية، فضلًا عن الحبس الانفرادي المطوّل ومنع الزيارة عنها منذ عام 2019. ووفق تقارير حقوقية، تعرّضت للتعذيب بالكهرباء والضرب والتهديد بالاغتصاب، في انتهاك صارخ للدستور المصري والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
https://www.facebook.com/JHRNGO/posts/1131189992471877?ref=embed_post
إضراب في “سجن الوادي الجديد”.. “سجن الموت” كما يسميه الأهالي
وفي مشهد آخر يُظهر عمق الأزمة في منظومة السجون، يواصل عشرات السجناء السياسيين في “سجن الوادي الجديد” إضرابهم المفتوح عن الطعام للأسبوع الثاني على التوالي، احتجاجًا على النقل القسري من “سجن المنيا” في الرابع من أكتوبر 2025، وما رافق ذلك من إجراءات تعسفية ومعاملة قاسية، وفق ما أعلن مركز الشهاب لحقوق الإنسان.
وأوضح المركز أنّ المضربين شدّدوا على أنّ مطالبهم إنسانية بحتة، تتمثل في تطبيق لائحة السجون التي تنص على وضع النزلاء في أماكن قريبة من محل إقامتهم مراعاةً لأوضاع أسرهم. وأضاف المركز أن العديد من العائلات تضطر لاجتياز أكثر من 1500 كيلومتر لزيارة ذويهم، في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف التنقّل، ما يجعل الزيارات شبه مستحيلة.
وشدّد البيان على أنّ استمرار هذا الوضع يشكّل انتهاكًا لحق السجناء في التواصل الأسري، ويعدّ عقابًا جماعيًا غير مبرر، داعيًا السلطات إلى نقل السجناء إلى سجون أقرب إلى ذويهم وإنهاء الممارسات المهينة بحقهم.
https://www.facebook.com/elshehab.ngo/posts/1217289497112162?ref=embed_post
أزمة ممنهجة.. ومطالب بالإصلاح
يرى حقوقيون أنّ ما يجري في السجون ليس مجرد تجاوزات فردية، بل نمط ممنهج من الانتهاكات التي تستهدف إسكات الأصوات المعارضة، من خلال التدوير في القضايا، والحرمان من الرعاية الصحية، والاستخدام الواسع للحبس الاحتياطي كأداة ضغط.
وتدعو المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى ضرورة مراجعة شاملة لسياسات السجون المصرية، وضمان حق المحتجزين في الرعاية الطبية والمحاكمة العادلة، وإنهاء الحبس الاحتياطي الطويل، والإفراج عن جميع المحتجزين بسبب آرائهم أو نشاطهم السلمي.