أشعلت تصريحات الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، حول أسباب غرق منازل الفلاحين في عدد من المحافظات، موجة من الغضب الشعبي والجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن ألقى الوزير باللوم على الأهالي، مؤكدًا أن المياه "لم تذهب إلى بيوت الناس، بل الناس هم من بنوا بيوتهم داخل نهر النيل".
تصريحات الوزير جاءت بالتزامن مع استمرار معاناة مئات الأسر الريفية التي فقدت منازلها ومحاصيلها، في وقت يرى فيه مراقبون أن الحكومة تسعى لتحويل الأزمة إلى قضية “تعديات”، بينما تتجاهل مسؤوليتها عن القرارات الفنية والإدارية التي فاقمت الوضع.
الوزير: تعديات المواطنين وراء ارتفاع المناسيب وغرق بعض القرى
قال الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، إن مصر تواصل العمل على تعزيز قدرة منظومتها المائية في مواجهة أي صدمات محتملة، سواء بسبب الإجراءات الأحادية في إدارة سد النهضة أو نتيجة التغيرات المناخية.
وأوضح أن أعمال تطوير مفيض توشكى تهدف إلى رفع قدرته التصريفية، بما يمنح المنظومة المائية مرونة أكبر في التعامل مع كميات المياه الزائدة وقت الحاجة.
وأكد سويلم أن الدولة تنفذ خطة شاملة لإزالة التعديات على مجرى نهر النيل، بعد أن تبين أن بعض المواطنين أقاموا منازلهم داخل مجرى النهر نفسه، ما يؤثر على حركة المياه ووصولها إلى ملايين المواطنين.
وقال الوزير نصًا:«المياه لم تذهب إلى بيوت الناس، بل الناس هم من بنوا بيوتهم داخل نهر النيل»، مشددًا على أن نهر النيل هو «قدس الأقداس»، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الردم أو البناء داخل مجراه.
وأشار سويلم إلى أن عدد المتعدين على النهر يتراوح بين 300 إلى 400 شخص فقط، لكن أفعالهم تؤثر على ما يقرب من 50 مليون مواطن في الدلتا، مضيفًا: «ليس معقولاً أن يتضرر 40 أو 50 مليون إنسان بسبب من يخالف القانون ويردم داخل النيل».
الفلاحون يردون: بيوتنا مقننة والدولة تتقاضى الإيجار
ردود الأفعال على تصريحات الوزير جاءت غاضبة من الأهالي والخبراء، الذين أكدوا أن معظم المنازل الواقعة في مناطق طرح النهر مقنّنة قانونيًا، ويدفع أصحابها إيجارات سنوية للدولة منذ عقود.
ويؤكد الأهالي أن الدولة كانت على علم تام بتلك المناطق، بل شجّعت في فترات سابقة على استصلاحها واستغلالها زراعيًا، ثم عادت اليوم لتتهم سكانها بالتعدي.
يقول أحد المتضررين من قرية العوامية بأسيوط في حديثه لأحد المواقع : "إحنا بندفع إيجار سنوي لوزارة الري، ومعانا إيصالات رسمية. الحكومة كانت بتقبض الإيجار وبتسكت، ولما المية غرقت بيوتنا، بيقولوا إحنا السبب؟".
كما أشار عدد من المزارعين إلى أن إغلاق مفيض توشكى في فترات معينة تم بقرار حكومي دون دراسة كافية لتأثيراته على توازن تصريف المياه، وهو ما تسبب في ارتفاع المناسيب بمناطق متعددة. ويعتبرون أن تحميل الفلاحين المسؤولية هو محاولة للتغطية على خلل إداري وفني في إدارة المنظومة المائية.
خبراء: أزمة الإدارة لا التعديات
يرى خبراء الري والزراعة أن جوهر الأزمة لا يكمن في وجود بيوت أو أراضٍ على حواف النيل، بل في غياب الإدارة الرشيدة للمياه، وسوء التنسيق بين أجهزة الدولة في تشغيل المفيضات وشبكات التصريف.
ويقول أحد أساتذة هندسة الري بجامعة القاهرة إن تصريحات الوزير "تتناسى السبب الحقيقي"، مشيرًا إلى أن تدهور البنية التحتية للترع والمصارف وغياب خطط الصيانة الدورية جعل المنظومة أقل قدرة على استيعاب أي زيادة في مناسيب المياه.
اتهامات للحكومة بمحاولة السيطرة على أراضي طرح النهر
يذهب بعض المراقبين إلى أن تصعيد خطاب “التعديات” ليس بريئًا، بل يأتي في سياق محاولات حكومية متكررة لإخلاء أراضي طرح النهر وطرحها للمستثمرين ضمن مشروعات عقارية وسياحية ضخمة.
ويؤكدون أن الدولة تسعى منذ سنوات لإعادة ترسيم حرم النهر وتخصيص أجزاء منه لصالح مشروعات استثمارية، ما يجعل تحميل الأهالي المسؤولية تمهيدًا لإزالة مساكنهم دون تعويض كافٍ.
وفي الختام يطالب الفلاحون المتضررون بفتح تحقيق شفاف في أسباب الكارثة، ومراجعة القرارات الحكومية المتعلقة بتشغيل مفيض توشكى، وصرف تعويضات عادلة للأسر التي فقدت منازلها.