شهدت محطات الوقود في مصر مساء يوم الخميس 16 أكتوبر 2025 زحامًا ملحوظًا من أصحاب السيارات الذين تهافتوا للحصول على ما يمكن تسميته "التفويلة الأخيرة" قبل بدء تطبيق زيادة جديدة في أسعار البنزين اعتبارًا من السادسة صباحًا.
حيث أعلنت حكومة الانقلاب زيادة تتراوح بين 20 إلى 25٪ في أسعار جميع درجات البنزين، ما يعني ارتفاعًا بين 2 إلى 3 جنيهات للتر الواحد، مع توقعات بزيادة أسعار الديزل بين 3 و4 جنيهات للتر.
هذه الزيادة تأتي ضمن المراجعة الدورية التي تجريها لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية كل ثلاثة أشهر، ضمن خطة الحكومة لرفع الأسعار تدريجيًا وربطها بأسعار السوق العالمية، وسط تدهور سعر صرف الجنيه المصري وارتفاع تكاليف الشحن والنقل والتأمين على واردات النفط.
تاريخ زيادات أسعار البنزين منذ الانقلاب في 2013
منذ الانقلاب العسكري في 2013، شهدت مصر موجات متكررة من رفع دعوم أسعار الوقود بأساليب تدريجية ومرتبة.
كانت الزيادات الأولى في بداية 2013 حين تم إطلاق نظام البطاقات الذكية لتوزيع الوقود المدعوم وبدء تقليص الدعم بشكل تدريجي. بين 2013 و2014، خفضت الدولة دعم المواد البترولية من 95.5 مليار جنيه إلى 70 مليار جنيه في ميزانية 2012/2013 في محاولة للحد من العجز المالي الحكومي، مع وجود مشاكل في التوزيع وأزمات في توريد الوقود أدت إلى احتجاجات وصدامات شعبية حول نقص أو غلاء الغاز والبنزين.
خلال هذه الفترة، ارتفعت أسعار الغاز والوقود الصناعي بشكل ملحوظ، رفعت الأسعار مرات عدة برفع تدريجي من الدعم وصولًا إلى مرحلة تحرير الأسعار تدريجيًا.
في السنوات الأخيرة، استمرت الزيادات بوتيرة متصاعدة، ففي 2024 شهدت مصر ثلاث زيادات على الأقل في أسعار البنزين والديزل، بينها زيادة ملحوظة في أكتوبر 2024 تراوحت ما بين 8% و 17.5%، ثم ارتفاع جديد في أبريل 2025 بلغت نسبته بين 12.8% و 14.8%.
ولا تزال حكومة الانقلاب تبرر هذه الإجراءات بأنها ضرورية لتحقيق أسعار عادلة تستند إلى التكلفة الحقيقية دون دعم زائد يكبد الميزانية العامة خسائر كبيرة ويعمق عجز الموازنة.
لماذا تستمر الزيادات في أسعار البنزين؟
الزيادات المتتالية في أسعار الوقود تعود لأسباب مالية واقتصادية معقدة.
- أولاً: ضعف قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد الوقود. ففي مارس 2024 مثلا، ارتفع سعر صرف الدولار بنسبة 55% مما زاد كلفة الاستيراد بشكل كبير.
- ثانياً: تداعيات الأزمات والاضطرابات الجيوسياسية العالمية في أسواق الطاقة أدت إلى ارتفاع أسعار النفط الخام وزيادة تكاليف النقل والتأمين.
- ثالثاً: رغبة حكومة الانقلاب في تقليل الأعباء المالية عن ميزانية الدولة التي تخصص مئات المليارات لدعم الوقود، وهو دعم كبير لا يمكن تحمله مستقبلا دون تأثيرات سلبية على الاقتصاد الكلي.
- رابعاً: سياسات تقشفية وإعادة توجيه الموارد: الحكومة تصور خفض الدعم كضرورة لإعادة تخصيص الإنفاق لكنها لم تضع شبكات حماية اجتماعية فعّالة تعوّض الفقراء. هذا يعني أن المواطن وحده يتحمّل العبء.
- خامساً: فشل في إدارة الأسعار وبرامج الدعم المستهدفة: بدلاً من استهداف فعّال للفقراء، تغيّر الأسعار بشكلٍ موحّد، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين دخل المواطنين وتكاليف النقل والطاقة.
وأخيرا، هناك توجه حكومي واضح باتجاه تحرير تدريجي للسعر وربط سعر الوقود بالسوق العالمية.
أثر الزيادات على المواطن والسلع
الزيادة في أسعار البنزين لا تؤثر فقط على تكلفة استخدام السيارات الخاصة، وإنما تمتد تأثيراتها إلى كل القطاعات الاقتصادية والخدمية.
- نقل الأغذية والمواد الخام: ارتفاع أسعار الوقود يزيد من تكلفة النقل والشحن، الأمر الذي ينتقل بدوره إلى زيادة أسعار السلع الغذائية والسلع الاستهلاكية الأخرى، مما يفاقم من التضخم ويضغط على الأسر المصرية ذات الدخل المحدود.
- القدرة الشرائية: الأسر الأشد فقرًا تنفق نسبة أكبر من دخلها على النقل والطاقة، فالأثر نسبيًا أقسى عليها، وتحذيرات من اقتصاديين سياسيين عديدة تشير إلى أن هذه السياسات قد تزيد من معاناة المواطنين العاديين، وخاصة في ظل ضعف القوة الشرائية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
- العدالة الاجتماعية: رفع أسعار الوقود بلا تعويضات مستهدفة يعني تحميل الفقراء ثمن الإصلاح، بينما تستفيد قطاعات واسعة من الإعفاءات أو التسهيلات الضريبية.
تتواصل في مصر سياسة رفع أسعار البنزين ضمن برنامج حكومة الانقلاب لتحرير الأسعار وربطها بالتغيرات العالمية، وسط تراجع في قيمة العملة المحلية وتصاعد في تكاليف الاستيراد والضغط على الموازنة العامة.
هذه الزيادات المتكررة تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وميزانياتهم، وتشكل تحديًا اقتصاديًا واجتماعيًا يثير المخاوف حول مستقبل الاستقرار والتنمية في البلاد، مع بروز أصوات سياسية ودبلوماسية تحذر من خطورة هذه السياسات في حال استمراريتها دون توفير بدائل ملائمة للدعم الاجتماعي والاقتصادي.