في خطوة أعلنت عنها حكومة مصطفى مدبولي بإطار من التفاؤل بعدما شهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي الصحة المصرية والقطرية، بهدف "دعم وتعزيز التعاون الثنائي في المجال الصحي". ورغم أن البيانات الرسمية ترسم صورة وردية لتبادل الخبرات وتطوير الأنظمة الصحية ، فإن هذا الإعلان يثير عاصفة من التساؤلات والمخاوف في الأوساط النقدية، التي ترى في الاتفاقية حلقة جديدة في مسلسل التفريط في أصول الدولة الحيوية تحت ستار "التعاون" و"الشراكة".

 

غطاء دبلوماسي لصفقات محتملة

 

بحسب الرواية الرسمية، تهدف المذكرة إلى توسيع التعاون في مجالات متعددة تشمل الصحة العامة، تخطيط أنظمة الرعاية الصحية، تأهيل الكوادر الطبية، وحتى سلامة الغذاء. وتتحدث البيانات عن الاستفادة من التجربة القطرية المتقدمة في إدارة المستشفيات من خلال مؤسسة حمد الطبية، والتعاون في مجالات دقيقة مثل الطب الرياضي والتشخيصي.

 

لكن هذه اللغة الدبلوماسية لا تخفي حقيقة أن الاتفاقيات المماثلة غالبًا ما تكون مجرد تمهيد لصفقات استثمارية واستحواذات. فمصطلح "التعاون" قد يتحول بسهولة إلى بوابة لدخول رأس المال القطري إلى أحد أكثر القطاعات حساسية وأهمية للأمن القومي المصري. وتأتي هذه الخطوة في سياق اقتصادي وسياسي مقلق، حيث تعتمد الحكومة بشكل متزايد على بيع الأصول العامة لدول الخليج كحل سريع لأزمة الديون المتفاقمة، وهو ما يجعل من الصعب تصديق أن هذا التعاون سيكون مجرد تبادل خبرات بريء.

 

ما الذي يمكن أن يفرط فيه مدبولي؟

 

على الرغم من أن نصوص المذكرة المعلنة لا تشير صراحةً إلى بيع مستشفيات أو شركات ، فإن المخاوف تتركز على ما قد يحدث خلف الأبواب المغلقة. إن "تبادل الخبرات في إدارة المستشفيات" قد يكون غطاءً لخصخصة مستشفيات عامة كبرى وناجحة أو تسليم إدارتها للجانب القطري، الذي يمتلك خبرة واسعة في هذا المجال عبر مؤسسة حمد الطبية التي تدير 15 مستشفى. هذا التحول قد يعني تحويل هذه المستشفيات من مؤسسات خدمية تهدف لخدمة المواطن إلى مشاريع ربحية ترفع تكلفة العلاج على كاهل المصريين.

 

وتتزايد الشكوك حول مصير أصول أخرى، منها:

 

شركات الأدوية: تمتلك مصر شركات أدوية عامة تاريخية، والتي قد تكون هدفًا مغريًا للاستثمار القطري الساعي للتوسع في سوق الدواء الإقليمي.

 

الأراضي والمراكز الصحية: قد يشمل "التعاون" تخصيص أراضٍ استراتيجية لإنشاء مستشفيات ومراكز صحية جديدة بإدارة واستثمارات قطرية، مما يكرس من نفوذها في القطاع.

 

المعامل ومراكز التشخيص: يمثل التعاون في مجال "الطب الدقيق والتشخيصي" مدخلًا محتملاً للاستحواذ على شبكات المعامل ومراكز الأشعة الحكومية.

 

من "تبادل الخبرات" إلى "الهيمنة على القطاع"

 

إن الخلل في ميزان القوى بين الطرفين واضح؛ فدولة قطر، بثروتها المالية الهائلة وخبرتها الإدارية المتقدمة، ليست في حاجة حقيقية لخبرات القطاع الصحي المصري المتهالك والمثقل بالمشكلات. على النقيض، تبحث الحكومة المصرية عن أي مصدر للعملة الصعبة، حتى لو كان الثمن هو التنازل عن قطاعات حيوية.

 

لذلك، يخشى المراقبون أن تكون هذه المذكرة مجرد خطوة أولى نحو تسليم مفاتيح قطاع الصحة المصري للاستثمارات القطرية، مما يهدد بتحويل الرعاية الصحية من حق أساسي للمواطن إلى سلعة باهظة الثمن، ويفقد الدولة سيطرتها على أحد أهم أركان أمنها الاجتماعي والقومي. إن الحكومة مطالبة بالشفافية الكاملة حول تفاصيل هذا الاتفاق وما سيتبعه من خطوات تنفيذية، فالصحة ليست مجرد أصل اقتصادي يمكن بيعه لسداد الديون، بل هي حق لا يمكن التفريط فيه.