قامت فنانة تشكيلية وباحثة تدعى إيناس الديب، فيديو قامت بتصويره وظهرت وهي تقوم بما وصفته بـ"تبخير ورقية" المتحف الكبير باستخدام "تعويذة فرعونية" ومجسم لـ"مفتاح الحياة"، وذلك قبل إغلاقه المؤقت استعدادًا للافتتاح الرسمي في نوفمبر 2025.

وذكرت أنها كانت تردد أناشيد استحضرتها من على جدران معبد الكرنك، كتلك التي تم استخدامها في حفل افتتاح طريق الكباش.

وقالت الديب " انهاردة الساعه 6 مساءً سيتم اغلاق ابواب المتحف الكبير و ايقاف الزيارات بشكل مؤقت استعدادً لتدريبات حفل افتتاحه العظيم و سوف يعاد افتتاحه مرة اخرى للجمهور يوم 4 نوفمبر و بالمناسبة دى قولت ألحق اروح ابخره و ارقيه رقوة مصرية خالصه عشان يتفتح على خير".

وتعكس هذه حالة من السخط الشعبي وتداول المعلومات الساخرة، حول "تبخير المتحف المصري الكبير" بالبخور، كحل لمواجهة "الحسد" الذي يُعتقد أنه أصاب هذا المشروع الضخم وأدى إلى تأجيل افتتاحه مرارًا وتكرارًا.

ورغم أن هذه الدعوات لا تمثل حدثًا حكوميًا رسميًا، إلا أنها فتحت الباب على مصراعيه لانتقادات واسعة النطاق لأسلوب إدارة الحكومة المصرية لمشاريعها القومية، وحولت ما كان يُفترض أن يكون أيقونة ثقافية عالمية إلى مادة للسخرية والتهكم، كاشفةً عن فجوة عميقة بين الخطاب الرسمي الطموح والواقع المتردي الذي يعيشه المصريون.
 

من السخرية إلى الواقع: سلسلة من الإخفاقات
لم تكن دعوات "التبخير" وليدة فراغ، بل جاءت تتويجًا لسلسلة من الأزمات وحالات الجدل التي أحاطت بالمتحف المصري الكبير، والتي حولته في نظر الكثيرين من "هدية مصر للعالم" كما وصفه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ، إلى رمز لسوء التخطيط والإدارة.
بدأت الانتقادات مبكرًا مع إطلاق الشعار الرسمي "اللوجو" للمتحف، والذي قوبل بموجة عارمة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وصفه النشطاء بأنه "غير مكتمل" و"لا يليق بحضارة مصر"، وتساءلوا عن تكلفة تصميمه التي لم يُكشف عنها، لترد وزارة الآثار بأن التصميم استغرق شهورًا وهو علامة مميزة.

وتفاقمت الأزمة مع التأجيلات المتكررة للافتتاح الرسمي. فبعد وعود متتالية على مدار سنوات، أعلنت الحكومة المصرية مجددًا في يوليو 2025 تأجيل الافتتاح الذي كان مقررًا، وعزت القرار هذه المرة إلى "ما يحدث في المنطقة" في إشارة للتوترات الإقليمية.

هذا التأجيل، الذي لم يكن الأول من نوعه بسبب اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية سابقة، أدى إلى خسائر فادحة للعاملين في قطاع السياحة، من أصحاب البازارات والفنادق الذين استثمروا أموالًا طائلة استعدادًا للحدث الكبير، ليجدوا أنفسهم غارقين في الديون وخيبة الأمل.
 

فوضى إعلامية وغياب الرؤية
زاد من حدة الانتقادات حالة الفوضى الإعلامية التي أحاطت بالمتحف، والتي عكست غياب رؤية واضحة لدى الحكومة للترويج لأهم مشاريعها الثقافية. ففي مارس 2025، أثار مقطع فيديو للمؤثرة السورية فدوى مواهب من داخل المتحف غضبًا واسعًا، حيث اعتبره الكثيرون إهانة للحضارة المصرية ومحاولة لفرض رواية دينية على تاريخ البلاد.

وفي واقعة أخرى، ألقت السلطات القبض على شاب مصري قام بإنتاج فيديو ترويجي غير رسمي للمتحف، ورغم أن الفيديو حظي بإعجاب الكثيرين، تعاملت معه السلطات باعتباره "محتوى مزيفًا" وانتهاكًا لحقوق الملكية الفكرية، قبل أن يتم إخلاء سبيله بعد ضجة إعلامية.

هذه الوقائع، إلى جانب الشائعات التي تضطر الحكومة لنفيها بشكل دوري، مثل إغلاق المتحف المصري بالتحرير أو بيع المتحف الكبير ، ترسم صورة قاتمة لمشروع استراتيجي تحول إلى مصدر دائم للأزمات.
 

عندما يصبح الإنجاز مادة للتهكم
في النهاية، قد تكون فكرة "تبخير المتحف" مجرد دعابة ساخرة، لكنها تحمل في طياتها دلالات عميقة حول نظرة قطاع واسع من المصريين لأداء حكومتهم. فبينما تصر الدولة على تصوير مشاريعها كإنجازات تاريخية، يراها المواطنون من زاوية أخرى تمامًا: زاوية سوء الإدارة، والتأجيلات المتكررة، والقرارات المرتبكة، والفجوة المتسعة بين الوعود والواقع.

لقد تحول المتحف الكبير، الذي كان من المفترض أن يكون مصدر فخر قومي، إلى شاهد على إدارة تفتقر إلى الكفاءة والشفافية، وتفضل الحلول الأمنية على الحوار، لتصبح السخرية هي السلاح الوحيد المتبقي في أيدي المواطنين للتعبير عن نقدهم.