يخشى مراقبون أن يكون امتناع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو عن الذهاب إلى شرم الشيخ اليوم، للتوقيع على وثيقة وقف إطلاق النار مع "حماس"، بموجب خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء العدوان المستمر على غزة، ذريعة للتهرب من أية التزامات في المستقبل، بخاصة في ظل سوابقه في نقض وعوده والتراجع عن تعهداته.

غير أن تحليلاً نشرته شبكة CNN للكاتبة تال شاليف يذهب إلى أنه خلافًا لمطالب "حماس" السابقة، تضمن خطة ترامب بقاء القوات الإسرائيلية على ما يقرب من نصف القطاع المحاصر، الأمر الذي يصوّره نتنياهو على أنه انتصار: عودة الرهائن، وتمسك الجيش الإسرائيلي بالأرض، وإضعاف حماس.

مع ذلك، فإن هذا لا يرقى إلى مستوى "النصر الكامل" الذي تعهّد به نتنياهو لمدة عامين. فالمرحلة الأولى تُبقي "حماس" مسلحة وقادرة على العمل، ولا تضمن نزع سلاحها أو نفي قيادتها، ويظل شكل الحكم في غزة بعد الحرب غير محدد.

 

الهروب من حرب طويلة الأمد

وبحسب التحليل، فإن ننتياهو الذي حُوصر في وقف إطلاق النار ربما يكون قد مُنح أيضًا مخرجًا من حرب طويلة الأمد وغير شعبية قبل الانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل.

ويقول مسؤولان إسرائيليان، إن نتنياهو كان أحد مؤلفي خطة ترامب المكون من 20 نقطة. وذكرا أنه بعد الحرب القصيرة التي خاضتها إسرائيل مع إيران في يونيو الماضي، اتفق ترامب ونتنياهو على أنه "بمجرد ضرب إيران، يجب أن تنتهي غزة".

وبينما كان المفاوضون يتنقلون إلى الدوحة لعقد جولة أخرى من المحادثات الفاشلة، عمل أقرب المقربين من نتنياهو، رون ديرمر، عبر قنوات موازية مع إدارة ترامب ودول الخليج بشأن ما أصبح في نهاية المطاف خطة ترامب لوقف إطلاق النار.

وقال أحد المصادر إن "الخطة النهائية مليئة ببصمات ديرمر"، في حين اعترف بأنه في المرحلة النهائية فرض ترامب شروطًا كان على نتنياهو قبولها، بما في ذلك مسار محتمل إلى دولة فلسطينية.

 

نزع سلاح حماس

الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي مشروط بنزع سلاح "حماس"، وفقًا للاتفاق، الأمر الذي يقول نتنياهو إنه يحافظ على حرية إسرائيل في استئناف القتال، في حين يزعم مسؤولو "حماس" أنهم حصلوا على تأكيدات أميركية بأن الحرب لن تستأنف.

وكما كتب الصحفي الإسرائيلي ناحوم برنياع يوم الجمعة في صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن الاتفاق "به ثغرات أكثر من الجبن السويسري" و"به استعداد للموافقة أكبر من التعليمات الخاصة بالتنفيذ".

هذا الغموض هو ما يحافظ على بقاء ائتلاف نتنياهو، مؤقتًا على الأقل. ورغم تهديدات اليمين المتطرف بإسقاط الحكومة، أشار الوزيران اليمينيان إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إلى بقائهما، وقد طمأنهما تأكيدات نتنياهو بأن "الحرب لم تنتهِ" وأن إسرائيل تحتفظ بحق استئناف القتال إذا لم تُسلّم حماس سلاحها.

صرّح مصدر إسرائيلي لشبكة CNN أن "نتنياهو أدرك قبل عدة أشهر أن الحرب أصبحت عبئًا، ولم يُرد خوض الانتخابات والرهائن لا يزالون أسرى، ليُذكّروا يوميًا بفشل السابع من أكتوبر".

وسيكون التحدي الرئيس له في الانتخابات القادمة هو تحمل مسؤولية أعنف يوم في تاريخ إسرائيل، والذي قُتل فيه 1200 شخص واختُطف أكثر من 250 آخرين إلى غزة.

قبل عامين، بدا نتنياهو ميتًا سياسيًا، بالنظر إلى الفشل الذريع الذي حدث في عهده. فقد أيدت غالبية الإسرائيليين استقالته، بينما كانت تدعو الاحتجاجات الأسبوعية إلى إجراء انتخابات.

وسيُخفف إنهاء الحرب عن نتنياهو من العناوين الرئيسة اليومية لخسائر الجيش الإسرائيلي، وإرهاق قوات الاحتياط، وتزايد العزلة الدولية، والأضرار الاقتصادية الجسيمة، وهي أعباء ثقيلة على الحملات الانتخابية.

 

ضغوط ترامب

وتحت عنوان: "مع ضغط ترامب من أجل السلام، يتكيف نتنياهو مع الواقع السياسي الجديد"، أشار الكاتبان جيري شيه وليور سوروكا في صحيفة "واشنطن بوست" إلى اتفاق وقف إطلاق النار في بداية 2025 والذي انهار بعد 42 يومًا، بضغط من شركاء نتنياهو المؤثرين في الائتلاف اليميني المتطرف.

لكنها تقول إن هذه المرة مختلفة، لأن نتنياهو يواجه ضغطًا من حليف "أقوى بكثير، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للإبقاء على السلام".

وعلى الساحة الدولية، "تواجه إسرائيل عزلة متزايدة، وفي الداخل أعربت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية المنهكة عن معارضتها لمواصلة الحرب في غزة التي دخلت عامها الثالث".

وفي حين يدرس نتنياهو خطواته التالية، يجد نفسه أمام مشهد سياسي مختلف عن بداية العام. فترامب "يبدو أكثر التزامًا بتحقيق السلام وتعزيز صورته كصانع سلام، بينما خسر الوزراء المتشددون في حكومته، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، جزءًا من نفوذهم السابق"، وفق الصحيفة.

وترى أن انتقادات بن غفير وسموتريتش على الاتفاق كانت محدودة هذه المرة، بينما ستضيف زيارة ترامب لمصر، لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار شخصيًا، مزيدًا من الثقل إلى الصفقة. كما أن الجيش الإسرائيلي، من جانبه، كان من الداعمين الرئيسين للهدنة.

 

ضمانات شفهية لحماس

وبحسب مسؤولين إقليميين مطلعين على عملية الوساطة، "قدمت الولايات المتحدة ضمانات شفهية لحماس بأن إسرائيل لن تستأنف الحرب بعد إطلاق سراح الرهائن"، وفق المقال.

وتنقل الصحيفة في مقالها عن السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، مايكل أورين، قوله إن "إغضاب سموتريتش وبن غفير، وحتى المخاطرة بانهيار الحكومة، قد يكون خيارًا أفضل لنتنياهو من مواجهة غضب ترامب إذا أفسد عملية السلام.. إذا قال الرئيس ترامب لا، فلن يجرؤ أحد على معارضته... إنها عودة للسلام الأمريكي المفروض".

غير أن "واشنطن بوست" لا تتجاهل صعوبة تطبيق الاتفاق، إذ تشير إلى أن المرحلة المقبلة من خطة ترامب وتشمل "نزع سلاح حماس وانسحابًا إسرائيليًا أوسع من غزة وتحديد من سيحكم القطاع والطريق نحو دولة فلسطينية، ستكون أكثر صعوبة".

وتنقل عن الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، قوله إن مشاركة ترامب الشخصية "تمنح الاتفاق مصداقية أكبر من أي وقت مضى، إذ سيكون هو من يعلن الهدنة رسمياً مستخدماً سمعته السياسية". لكنه مع ذلك "ما زلنا حذرين بسبب ألاعيب نتنياهو، فهو معروف بالمناورة".

وختمت الصحيفة بالحديث عن الترجيحات في حال انسحاب شركاء نتنياهو من الائتلاف احتجاجًا على سير المفاوضات، في وقت تجري فيه حاليًا "مناقشات بين الفصائل الفلسطينية حول تشكيل هيئة حكم موحدة قد تضم نسخة معدلة من حماس، وهو ما سيُعدّ أمرًا مرفوضًا بالنسبة لسموتريتش وبن غفير، وربما لنتنياهو نفسه".

قد يضطر نتنياهو للدعوة لانتخابات مبكرة عن موعدها المقرر في أكتوبر 2026، فيما لو انسحب شركاؤه، لكنه قد يسعى لذلك بنفسه محاولاً الاستفادة شعبيًا من تمكنه من إتمام صفقة الرهائن والضغط على حماس لأقصى درجة، وحملاته العسكرية على إيران وحزب الله اللبناني، وفق الصحيفة.