على مدار الأيام الماضية، هلل الإعلام الموالي للانقلاب، واللجان الإلكترونية التابعة له عبر منصات التواصل الاجتماعي لما وُصِف بـ "الإنجاز التاريخي" لقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي في التوصل لاتفاق إطلاق النار بين "حماس" والكيان الصهيوني.
بدا أن الهدف من الترويج لذلك على نطاق واسع هو محاولة "غسل سمعة" السيسي بعد عامين من حرب الإبادة الجماعية على غزة، وتبرئته من اتهامه بالتواطؤ حيالها، بعد أن اكتفى في أفضل الأحوال بموقف المتفرج الذي لم يجرؤ على مخاطبة الكيان الصهيوني بالتوقف عن ارتكاب مجازره اليومية، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع.
وقارن كثير من المصريين موقف السيسي وصمته إزاء العدوان الصهيوني المستمر منذ عامين على غزة، وموقف الرئيس المنتخب محمد مرسي حين صرح في نوفمبر 2012 بأن مصر لن تترك غزة وحدها. واصفًا الهجمات الصهيونية آنذاك على القطاع بأنها عدوان سافر على الإنسانية. وأوفد رئيس الوزراء آنذاك هشام قنديل الى قطاع غزة لدعم الشعب الفلسطيني.
في حين لم يتخذ السيسي الموقف ذاته من العدوان الصهيوني على غزة عقب اندلاع "طوفان الأقصى"، مما أثار انتفادات لاذعة ضده لعجزه عن إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مما تسبب في تفاقم المعاناة الإنسانية لسكان القطاع، ووفاة العديد من الفلسطينيين نتيجة سواء التغذية وشح الطعام.
لهذا، عمل إعلام السيسي ولجانه الإلكترونية على الترويج للاتفاق الذي جرى التوصل إليه أخيرًا بشرم الشيخ على أنه انتصار لشخصه عجز قادة كبريات الدول عن تحقيقه، بعد مفاوضات شاقة بين "حماس" والكيان الصهيوني، متجاهلين عن عمد الإشارة إلى الضغوط التي مارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على طرفي الصراع للقبول بخطته.
والحقيقة أن مثل هذا الخطاب الشعبوي قد يفلح في تحقيق أهدافه داخليًا، بأن يخدع فئة كثيرة من الناس غير ملمة بتفاصيل ما حدث في الكواليس، لكنه بكل تأكيد لن ينطلي على الإعلام الغربي الملم بخيوط وتفاصيل الاتفاق، ودور ترامب في الضغط للتوصل إليه خلال المفاوضات الماراثونية بشرم الشيخ، بحضور وسطاء من مصر وقطر وتركيا.
لذا، حين سألت مذيعة شبكة CNN، وزير خارجية مصر بدر عبدالعاطي حول وقف الحرب في غزة: هل ينسب الفضل لترامب في الوصول إلى هذه المرحلة؟، أجاب: بالتأكيد، بالتأكيد، دون أي نقاش، من المسلَّم به أنه لولا قيادة الرئيس ترامب لما تمكنا من الوصول إلى هذا اليوم التاريخي في شرم الشيخ، هو الشخص الوحيد في العالم القادر على تحقيق ذلك.
وتداول الكاتب الصحفي جمال سلطان، تصريحات وزير الخارجية، معلقًا بسخرية: "المهم أن صحف السيسي وإعلامه ولجانه ملأوا الدنيا ضجيجًا وانتفاخًا طوال الأيام الماضية بأن السيسي هو صاحب الفضل بسبب قيادته "الحكيمة" !!.
مذيعة CNN في شرم الشيخ تسأل وزير خارجية مصر حول وقف الحرب في غزة: هل تُنسب الفضل لترامب في الوصول إلى هذه المرحلة؟
— جمال سلطان (@GamalSultan1) October 13, 2025
وزير الخارجية : بالتأكيد، بالتأكيد، دون أي نقاش، من المسلم به أنه لولا قيادة الرئيس ترامب لما تمكنا من الوصول إلى هذا اليوم التاريخي في شرم الشيخ، هو الشخص الوحيد في… pic.twitter.com/lcbyKcRHdF
حتى إن السيسي نفسه أكد أن "التوصل إلى الاتفاق هو إنجاز تاريخي، وأن ذلك تحقق لحرص وسعي الرئيس ترامب وجهوده الصادقة لتحقيق السلام"، ورأى أنه بناء على جهوده، فإن ترامب يستحق "عن جدارة الحصول على جائزة نوبل للسلام"، وفق المتحدث باسمه.
وهذا اعتراف صريح من قائد الانقلاب بأنه لولا ترامب ما تحقق وقف إطلاق النار، ولولا ضغوطه لما قبل الكيان الصهيوني في النهاية بوقف عدوانه المتواصل على غزة.
لكن الغريب أن هناك من يصر على الرغم من ذلك على نسب الإنجاز إلى السيسي، متجاهلاً عن عمد حقائق الأمور على الأرض، ما يعكس ازدواجية في الخطابين الإعلامي والرسمي في مصر، فالأول يسوّق ما حصل على أنه انتصار يحسب لمصر، وأنه لم يكن ليتحقق لولا الجهود المصرية، بينما الخطاب الرسمي ينسب الإنجاز نفسه إلى شخص ترامب، الذي سيقلده السيسي أعلى وسام مصري (قلادة النييل) خلال حضوره التوقيع على اتفاق إطلاق النار بشرم الشيخ.