في أعقاب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإتمام صفقة تبادل الأسرى، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابين متزامنين في الكنيست الإسرائيلي، حملا في طياتهما دلالات سياسية عميقة ورسائل متعددة الأطراف. وقد قدم الخبراء والمحللون قراءات متباينة لهذين الخطابين، كشفت عن ديناميكيات العلاقة بين الرجلين، ومستقبل الخطة الأمريكية للسلام، والمشهد السياسي في الشرق الأوسط.

 

خطاب ترامب: احتفاء بنتنياهو ورؤية لـ "شرق أوسط جديد"

ركز خطاب الرئيس ترامب، الذي استمر لأكثر من ساعة، على الإشادة الحارة بإسرائيل ورئيس وزرائها. وصف ترامب نتنياهو بأنه "أحد أعظم قادة زمن الحرب" و"أعظم صديق" حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض. وبلغ الاحتفاء ذروته حين اقترح ترامب بشكل مثير للجدل أن يمنح الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتصوغ عفواً عن نتنياهو في قضايا الفساد التي يواجهها، قائلاً: "سيجار وشمبانيا — من يهتم بحق الجحيم؟".

يرى محللون أن هذا الدعم العلني يهدف إلى تعزيز موقف نتنياهو المتراجع شعبياً في إسرائيل، خاصة بعد هجمات 7 أكتوبر. ومع ذلك، يقرأه آخرون على أنه تدخل غير مسبوق في الشؤون القضائية لدولة أخرى. وأشار الدكتور أزريئيل بيرمانت، الخبير في العلاقات الأنجلو-إسرائيلية، إلى أن ترامب يدرك تراجع شعبية نتنياهو، وأن الشارع الإسرائيلي يحمّله مسؤولية الفشل في منع الهجمات.

تحت شعار "فجر شرق أوسط جديد"، أعلن ترامب عن انطلاق "عصر ذهبي" للمنطقة، مرتكزاً على توسيع "اتفاقيات أبراهام" التي عززت العلاقات بين إسرائيل ودول عربية مختلفة. وشكر الدول العربية على دورها كـ "شركاء في السلام". لكن هذه الرؤية المتفائلة قوبلت بالتشكيك، حيث أشار خبراء إلى أن الخطة الأمريكية تفتقر إلى ضمانات حقيقية للفلسطينيين وتميل بشكل واضح لصالح إسرائيل.

أبرز ما غاب عن خطاب ترامب كان الإشارة إلى القضية الفلسطينية، باستثناء مقاطعة من النائب العربي أيمن عودة الذي رفع لافتة كتب عليها "إبادة جماعية" مطالباً بالاعتراف بدولة فلسطينية. هذا التجاهل اعتبره منتقدون تأكيداً على أن الخطة المطروحة تمثل "هزيمة للفلسطينيين" وليست اتفاقاً عادلاً، وهو ما ذهبت إليه منظمات المجتمع المدني الفلسطيني التي وصفتها بالخطة "الإبادية".

 

نتنياهو: امتنان لترامب ومناورة سياسية

في المقابل، تمحور خطاب نتنياهو حول تقديم الشكر والامتنان لترامب، معتبراً أن انتخابه رئيساً "غيّر كل شيء بين عشية وضحاها". وأكد أن الدعم الأمريكي المطلق كان حاسماً في تأمين صفقة تبادل الأسرى وإنهاء الحرب بشروط تخدم أهداف إسرائيل المتمثلة في "نزع سلاح حماس وتجريد غزة من السلاح".

 

استغلال "الفرصة التاريخية" لتكريس الاحتلال

يرى نظام المهداوي أن خطابات ترامب ونتنياهو وتصريحاتهما المتبادلة تمثل جزءاً من "فرصة تاريخية" تسعى من خلالها إدارة ترامب واليمين الإسرائيلي المتطرف، بقيادة شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش، إلى تغيير وجه الشرق الأوسط بشكل جذري. ويحذر المهداوي من أن رفض خطط التهجير التي يروج لها ترامب لا يمكن أن يقتصر على مجرد الإدلاء بتصريحات رافضة، بل يتطلب مواجهة فعلية على الأرض.

ويشير المهداوي إلى أن الدائرة المقربة من ترامب، والتي تضم شخصيات مؤثرة في فريقه للأمن القومي ومانحين بارزين لحملته الانتخابية، تدعم نتنياهو بشكل كامل. ويعتقد أن إدارة ترامب ليست جادة في ممارسة ضغط حقيقي لوقف الحرب، وأن تحذيراتها لحماس ليست سوى محاولة لإظهار الحركة على أنها المشكلة، مما يسمح لنتنياهو بالمضي قدماً في خططه العسكرية. بالنسبة للمهداوي، فإن العلاقة بين ترامب ونتنياهو تتجاوز الصداقة الشخصية لتصبح جزءاً من مخطط استراتيجي يهدف إلى إبقاء نتنياهو في السلطة.

ويؤكد المهداوي أن المقاومة الفلسطينية تدرك هوس ترامب بخطته ورغبته في تسويق نفسه على أنه صانع السلام، وستعرف كيف تستغل هذا الهوس لتحقيق مكاسب على الأرض.

 

غطرسة تكشف المخطط وتوقظ الشعوب

من جهته، يصف ياسر الزعاترة تصريحات ترامب ونتنياهو بأنها كاشفة عن "النهج الصهيوني القائم على التهجير والتوسع"، وأنها تؤكد أن المشروع الصهيوني لا يقتصر على فلسطين، بل يمثل تهديداً استراتيجياً للمنطقة بأسرها. ويعتبر الزعاترة أن هذه الغطرسة، رغم ضررها، إلا أنها إيجابية من حيث أنها "ستوقظ كثيرين، وستضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية".

ويرى الزعاترة أن ترامب يتصرف بتبعية كاملة لإسرائيل، وأن خطابه المزدوج الذي يبدو فيه وكأنه ينتقد نتنياهو أحياناً ليس سوى تكتيك تفاوضي. ويشير إلى أن نتنياهو ماهر في التلاعب بعقل ترامب وإبقائه في صفه، ومنعه من ممارسة ضغط حقيقي قد يجبره على وقف الحرب. فترامب، بحسب الزعاترة، يخشى أن يُتهم بأنه "أنقذ حماس" أو أوقف الجيش الإسرائيلي قبل تحقيق أهدافه، وهو حساب سياسي ضيق يفسر تناقضاته.

ويخلص الزعاترة إلى أن النصر الحقيقي في هذه المعادلة، إن كان هناك نصر، فهو لترامب الذي تمكن من فرض رؤيته وإنقاذ إسرائيل من "طريق مسدود" كانت تتجه إليه لو استمرت الحرب وفقاً لنوايا نتنياهو الأولية. كما يعتبر أن ما يجري هو عرض "استسلام كامل" على إيران، وإعادة ترتيب للأدوار في المنطقة بما يخدم "الكيان" الصهيوني.

 

تفاعلات متباينة ومستقبل غامض

كانت ردود الفعل في إسرائيل متباينة. فبينما قوبل ترامب بالترحاب في الكنيست ومن قبل عائلات الأسرى، كان الاستقبال فاتراً في "ساحة الرهائن" في تل أبيب ، حيث علت صيحات الاستهجان عند ذكر اسم نتنياهو، مما يعكس تراجع شعبيته.